دراسة تكشف تفاصيل مثيرة عن كويكب أنهى عصر الديناصورات

تشكّل في نقطة أبعد من كوكب المشتري

انقرضت الديناصورات منذ ملايين السنين فيما تمكنت الثدييات من البقاء
انقرضت الديناصورات منذ ملايين السنين وتمكنت الثدييات من البقاء (غيتي)

أثار الجدل الدائر حول طبيعة الكويكب الذي تسبب في انقراض الديناصورات حيرة العلماء طوال عقود، إلا أن دراسة جديدة وفرت أخيرا معطيات مهمة في هذا الشأن.

واستُخدِمَت في هذه الدراسة، التي نُشرت الخميس في مجلة ساينس العلمية المرموقة، تقنية مبتكرة لإثبات أن الكويكب الذي أدى إلى الانقراض الجماعي الأخير قبل 66 مليون سنة، تشكّل في نقطة أبعد من كوكب المشتري.

وحدثت نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحياة على الأرض حين ارتطم بها كويكب يبلغ قطره ما بين 10 و15 كيلومترا؛ مما أدى إلى كارثة أبادت نحو ثلاثة أرباع الكائنات الحية على وجه الأرض وأسدلت الستار نهائيًّا على عصر الديناصورات.

ويُفترض أن تساهم هذه المعطيات الجديدة في شأن الكويكب الذي تحطم في منطقة تشيكسولوب، فيما يعرف حاليا بشبه جزيرة يوكاتان المكسيكية، في توفير فهم أفضل لتاريخ الأجرام السماوية التي ضربت الأرض.

كويكب تشكل أبعد من كوكب المشتري

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، عالم الجيوكيمياء في جامعة كولونيا ماريو فيشر-غوده، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الباحثين أصبحوا يستطيعون القول “إن هذا الكويكب تشكّل أساسا أبعد من كوكب المشتري”.

وتكتسب هذه الخلاصة التي توصلت إليها الدراسة أهمية خاصة نظرا إلى أن هذا النوع من الكويكبات نادرا ما يضرب كوكب الأرض.

ويمكن أن تكون مثل هذه المعلومات مفيدة لتقويم أي خطر مستقبلي، أو لتفسير وصول المياه إلى كوكب الأرض، بحسب هذا الباحث.

انقراض الديناصورات والزواحف الطائرة

وهيمنت الديناصورات على الأرض مدة طويلة، لكنها باستثناء سلالة الطيور منها، انقرضت بعد هذا الارتطام. وانقرضت أيضًا الزواحف الطائرة المعروفة باسم التيروصورات، والزواحف البحرية الكبيرة وغيرها من الكائنات البحرية ومن بينها أنواع من العوالق البحرية.

وتمكنت الثدييات من البقاء على قيد الحياة؛ مما سمح لهذه المخلوقات ذات الفراء بالسيطرة على الأرض في نهاية المطاف، حتى ظهور الجنس البشري قبل نحو 300 ألف عام.

وقال فيشر-غوده “أعتقد أنه لولا هذه المصادفة الكونية لاصطدام الكويكب بالأرض، لربما تطورت الحياة على كوكبنا على نحو مختلف جدا”.

نظريات متعددة لتفسير سبب اختفاء الديناصورات من على الأرض
نظريات متعددة لتفسير سبب اختفاء الديناصورات من الأرض (غيتي)

تحليل الروثينيوم

وتستند هذه الدراسة الجديدة إلى تحليل عينات رواسب تشكلت قبل 66 مليون سنة، وتضمنت الجزيئات التي أدى اصطدام الكويكب بالأرض إلى قذفها نحو مختلف أنحاء العالم.

وأجرى فيها الباحثون قياسا للنظائر -أي أنواع الذرات- التي يتضمنها عنصر كيميائي معدني هو الروثينيوم. والأخير غير موجود ضمن الرواسب الأرضية، ولذلك عرف العلماء أن الروثينيوم المقاس جاء بأكمله من الكويكب.

وأكد ماريو فيشر-غوده أن مختبر جامعة كولونيا “هو أحد المختبرات القليلة” القادرة على إجراء هذا النوع من التحاليل، مشيرا إلى أنه الأول من نوعه لدراسة كويكب تشيكسولوب، أو أي جسم سماوي مهم آخر ضرب الأرض.

وتتيح نظائر الروثينيوم التمييز بين مجموعتين كبيرتين من الكويكبات الموجودة: مجموعة “سي” (الكربونية) التي تشكلت في النظام الشمسي الخارجي، ومجموعة “إس” (السيليكات) التي تشكلت في النظام الشمسي الداخلي.

وخلصت الدراسة بشكل قاطع إلى أن الكويكب المسؤول عن انقراض الديناصورات كان من النوع “سي”، وبالتالي تشكل في مكان أبعد من كوكب المشتري.

وسبق لدراسات أخرى قبل عقدين أن طرحت هذه الفرضية، ولكن بقدر أقل من اليقين.

وتتمثل أهمية هذه الخلاصة في أن غالبية النيازك -وهي قطع من الكويكبات تسقط على كوكب الأرض- هي من النوع “إس”، على ما شرح عالم الكيمياء الجيولوجية.

لكنّ هذا لا يعني بالضرورة، بحسب الباحث، أن الكويكب المسبب لانقراض الديناصورات جاء مباشرة من نقطة أبعد من كوكب المشتري.

فقد قال الباحث “لا يمكننا أن نكون متأكدين حقًّا من مكان وجود الكويكب قبل اصطدامه بالأرض”. وأضاف أنه بعد تشكّله توقف ربما في حزام الكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري، الذي تأتي منه غالبية النيازك.

شعبية كبيرة لقسم الديناصورات في متحف التاريخ الطبيعي في لندن
شعبية كبيرة لقسم الديناصورات في متحف التاريخ الطبيعي في لندن (غيتي)

دحض فرضيات أخرى

كذلك دحضت الدراسة فكرة أن الجسم الذي ضرب الأرض قبل 66 مليون سنة كان في الواقع مذنّبا، وهي عبارة عن صخور جليدية تتطور على حافة النظام الشمسي.

وهذه الفرضية طرحتها دراسة أجريت عام 2021 وأثارت ضجة، لكنها كانت مبنية على عمليات محاكاة إحصائية.

وتُظهر تحاليل العينات اليوم أن تركيبة الجسم مختلفة تماما عن فئة من النيازك تُعرف بالكوندريتات الكربونية، يُعتقد أنها كانت عبارة عن مذنبات. لذلك “من غير المحتمل” أن يكون هذا الجسم مذنّبا، وفقا لماريو فيشر-غوده.

وعن المنافع الأوسع لهذه النتائج، أشار عالم الكيمياء الجيولوجية إلى جانبين: أولًا، يمكن أن يساعد التحديد الأفضل لطبيعة الكويكبات التي ضربت كوكب الأرض منذ بداياته، قبل نحو 4.5 مليارات سنة، في حل لغز منشأ الماء على الأرض، وفق تقديراته.

ويرى العلماء أن الماء يمكن أن تكون قد أتت به كويكبات، لكنها على الأرجح كويكبات من النوع “سي”، مثل تلك التي كانت موجودة قبل 66 مليون سنة، التي نادرا ما تضرب الأرض مع ذلك.

ورأى الباحث أن العودة بالزمن تتيح كذلك الاستعداد. وقال “إذا وجدنا أن انقراضات جماعية” أقدم “مرتبطة أيضا بكويكبات من النوع “سي”، وبالتالي إذا كان مثل هذا الكويكب سيعبر مدار الأرض مجددا يوما ما، “فسيتعين علينا أن نكون حذرين جدا لأنه قد يكون آخر ما نراه”.

المصدر : الفرنسية + رويترز

إعلان