فاينانشال تايمز: نفوذ متصاعد لتركيا في إفريقيا عبر مزيج ناجح

أردوغان تمكن من إقامة روابط روابط قوية في الصومال
أردوغان تمكن من إقامة روابط قوية بالصومال (رويترز)

ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن الوساطة التي تقوم بها تركيا لنزع فتيل الأزمة بين إثيوبيا والصومال تبرز تصاعد نفوذ تركيا في إفريقيا في العقدين الأخيرين.

فقد استضاف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دبلوماسيين من الدولتين خلال شهر أغسطس/آب الجاري لعقد محادثات تهدف إلى إنهاء الخلاف الذي هدد بإشعال حرب بين الدولتين الواقعتين في شرق إفريقيا، وسوف يستضيف جولة أخرى من المباحثات الشهر القادم.

وأضافت الصحيفة أن التحالفات السياسية والتجارية والأمنية التي شكلتها تركيا في إفريقيا مكنتها من فرض نفسها كلاعب قوي فيها، هذا في الوقت الذي تسعى فيه دول أخرى، مثل الصين والولايات المتحدة، إلى دعم نفوذها في إفريقيا.

وأوضح إليم تيبيكلي أوغلو، الأستاذ بجامعة أنقرة، أن نفوذ تركيا المتزايد في إفريقيا “مرتبط بحرصها على تنويع خيارات سياساتها الخارجية، وتحقيق طموحاتها الإقليمية، وتطلعها لأداء دور أكبر إقليميا وعالميا”.

هاكان فيدان وزير الخارجية التركي يقوم بوساطة بين الصومال وأثيوبيا (رويترز)
هاكان فيدان وزير الخارجية التركي يقوم بوساطة بين الصومال وإثيوبيا (رويترز)

وأشارت الصحيفة إلى أن عدد سفارات تركيا في القارة الإفريقية أصبح حاليا أربعة أضعاف ما كان عليه عام 2003، حيث بلغ 44 سفارة، وأصبحت تركيا لاعبا مؤثرا في قطاع الصناعات الدفاعية في إفريقيا، وقامت بإطلاق رحلات جوية بين إسطنبول وعدد من المدن الإفريقية.

جهود أردوغان في إفريقيا

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان أول زعيم غير إفريقي يزور الصومال خلال عشرين عاما، في الوقت الذي كانت في هذه الدولة تعاني من أخطار المجاعة، واستُقبل بحفاوة في العاصمة مقديشو.

وحث أردوغان وقتها المجتمع الدولي على تقديم المساعدة للصومال، وقال إن “المأساة التي تحدث هنا هي اختبار للحضارة والقيم المعاصرة”.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي تركي أن زيارة أردوغان للصومال عام 2011 أبرزت لكل القارة أن تركيا تريد فعلا العمل مع إفريقيا، وامتد تأثيرها مدة طويلة.

كما نقلت عن كاميرون هدسون، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) الذي يعمل حاليا في مركز للدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن الدول الإفريقية التي عانت لعقود من تدخل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في شؤونها لديها الآن فرصة للعمل مع قوى مختلفة، مشيرا إلى أن إفريقيا أصبحت “مكانا أكثر تنافسية” لتنافس دول مختلفة على النفوذ فيها.

أردوغان يلقي كلمة خلال افتتاح سفارة تركيا في الصومال عام 2016
أردوغان يلقي كلمة خلال افتتاح سفارة تركيا في الصومال عام 2016 (رويترز)

مزيج من الجهود التجارية والسياسية

وأضافت الصحيفة أن تركيا واصلت وجودها القوي في إفريقيا من خلال مزيج من الجهود التجارية والأمنية والدبلوماسية والدينية، وذلك بالتعاون مع الشركات التركية.

وكانت نتيجة الجهود التركية المتواصلة في إفريقيا ارتفاع حجم التجارة بين أنقرة والدول الإفريقية لتصل إلى 32 مليار دولار عام 2023، بزيادة نسبتها 50% مقارنة برقم التبادل التجاري بين الجانبين عام 2013.

كما عملت شركات التشييد التركية في 1800 مشروع في إفريقيا، منها بناء مطارات وفنادق، وامتد نشاطها إلى دول تخشى الشركات الغربية العمل فيها بسبب الأخطار الأمنية مثل النيجر.

ونقلت الصحيفة عن هدسون قوله إن الشركات التركية تحملت أخطار الاستثمار في دول إفريقية تتجاهلها الشركات الغربية، موضحا أنه “ليس من قبيل المصادفة أن الشركات التركية تستثمر في دول إفريقية تمكن أردوغان من بناء علاقات دبلوماسية هامة معها”.

وأضاف أن هناك قوى كثيرة ترى الفرص القائمة في إفريقيا، خاصة وجود سوق داخلي ينمو بشكل مستمر في قطاعات متعددة، منها الصناعات الدفاعية والبنية الأساسية وأسواق المستهلكين، مؤكدا أن هناك “فرصا هائلة” في إفريقيا.

بناء المساجد والمدارس

وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا سعت إلى كسب قلوب وعقول الأفارقة، اعتمادا على التراث الديني المشترك، فقامت ببناء عدة مساجد في مالي وجيبوتي والسودان، علاوة على مسجد ضخم في أكرا عاصمة غانا، على غرار المسجد الأزرق في إسطنبول، استغرق بناؤه نحو عشر سنوات.

كما أقامت تركيا مجموعة من المدارس والمستشفيات في الصومال، ووضعت برامج تقدم منحا دراسية للطلبة الأفارقة للدراسة في تركيا.

وأطلقت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية التركية خدمة إخبارية إفريقية العام الماضي تبث باللغات الإنجليزية والفرنسية والسواحيلية والهاوسا.

كما خففت تركيا الشروط اللازمة للحصول على تأشيرات الدخول إلى تركيا، عن مواطني العديد من الدول الإفريقية، بحيث يتمكن أبناء الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة من مواطني هذه الدول من زيارة تركيا للتجارة والسياحة والعلاج.

تعاون دفاعي وأمني

وأضافت الصحيفة أن وجود تركيا في إفريقيا ظاهر بوضوح في مجال الدفاع، إذ أقبلت عدد من الدول الإفريقية، منها مالي والنيجر وإثيوبيا، على شراء المسيّرات التركية وعلى رأسها “بيرقدار-تي بي 2” التي تنتجها شركة تركية خاصة متخصصة في إنتاج المسيّرات.

وأشارت إلى زيادة مستمرة في مبيعات السلاح التركي لإفريقيا، وإن كانت لا تزال أقل كثيرا من مبيعات السلاح من دول أخرى مثل روسيا.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي تركي لم يذكر اسمه قوله إن التعاون الأمني والدفاعي بين تركيا وبين الكثير من الدول الإفريقية ينمو باضطراد، وأنه يتجاوز مجرد بيع السلاح التركي لإفريقيا.

وعلى سبيل المثال تعمل تركيا مع الصومال لإعادة بناء جيشها وقوتها البحرية، بما في ذلك تدريب القوات الصومالية، كما طلبت دول إفريقية أخرى تدريب قواتها في تركيا.

المصدر : فايننشال تايمز

إعلان