الغارديان: هكذا استطاع السنوار البقاء حتى الآن وهذه خياراته
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها اليوم السبت، أن اسم يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بات هو الأكثر رعبًا في إسرائيل حتى قبل أن تشن الحركة هجومها المباغت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوردت الصحيفة أن آخر مرة شوهد فيها السنوار، كانت في مقطع الفيديو الذي تم تسجيله على كاميرات أمنية تابعة لحماس في العاشر من أكتوبر، وعثر عليه الجيش الإسرائيلي بعد بضعة أشهر، حيث ظهر السنوار برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، يسير عبر نفق ضيق ويختفي في الظلام.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنعيم قاسم: صواريخ المقاومة طالت تل أبيب وعطلت مطار بن غوريون
الاحتلال يواصل تنفيذ حملته العسكرية في شمال قطاع غزة
الدفاع المدني في غزة يكشف عن واقع كارثي بجباليا (فيديو)
وتضمّن البحث الذي دام نحو عام عن السنوار، حسب الصحيفة، مزيجًا من التكنولوجيا المتقدمة والقوة الغاشمة، حيث أظهر مطاردوه استعدادهم للذهاب إلى أي مدى، بما في ذلك التسبب في خسائر مدنية عالية للغاية، من أجل الوصول إليه وتدمير الدائرة الضيقة المحيطة به.
مدينة كاملة تحت الأرض
وأشار التقرير إلى أن فريق عمل “الشاباك” المكون من ضباط استخبارات ووحدات عمليات خاصة ومهندسين عسكريين وخبراء مراقبة، يكافحون من أجل تحديد مكان السنوار، رغبة منهم في التكفير عن الإخفاقات الأمنية التي سمحت بحدوث هجوم السابع من أكتوبر، ولكن رغم كل شيء فإنهم فشلوا حتى الآن في الوصول إليه.
وقال مايكل ميلشتاين، رئيس قسم الشؤون الفلسطينية السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، للغارديان “لو أخبرتني عندما بدأت الحرب أنه بعد أكثر من 11 شهرًا سيظل على قيد الحياة، لكنت وجدت الأمر مدهشًا. لكن تذكّر أن السنوار استعد لعقد من الزمان لهذا الهجوم، وكانت استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي مندهشة للغاية من حجم وطول الأنفاق تحت غزة ومدى تطورها”.
وتشير تقديرات جيش الاحتلال، وفقًا للصحيفة، إلى وجود نحو 500 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة، فيما يشبه مدينة كاملة تحت الأرض، إلا أن التحدي الأخطر -وفقًا لبعض المسؤولين في الجيش- هو أن السنوار يحيط نفسه، على الأرجح، بمجموعة من الدروع البشرية.
هل السنوار محاط بدروع بشرية؟
وقال رام بن باراك، نائب مدير الموساد السابق، للصحيفة “بسبب الرهائن، نحن حذرون للغاية فيما نقوم به. أعتقد أنه لو لم تكن هناك مثل هذه القيود، لكان العثور عليه أسهل”.
وسواء كان السنوار محاطًا بحلقة من الدروع البشرية أم لا، فإن وجود الأسرى لم يمنع جيش الاحتلال من إسقاط قنابل ثقيلة للغاية تزن نحو 2000 رطل (900 كيلوغرام) على مخابئ حماس المشتبه فيها خلال الأسابيع الأخيرة. إذ من بين هدفيها الرئيسيين للحرب، تعطي حكومة نتنياهو الأولوية لتدمير حماس قبل إنقاذ الرهائن، حسب الصحيفة.
وحدة “ياهالوم”
وفي هذا السياق، لفت التقرير إلى أهمية الدور الذي تؤديه وحدة “ياهالوم”، وهي وحدة قوات خاصة من سلاح الهندسة القتالية الإسرائيلي، وتتمتع بخبرة واسعة في حروب الأنفاق، كما تمتلك القدرة على الوصول إلى أحدث أجهزة الرادار التي تخترق الأرض والتي صنعت خصيصًا في الولايات المتحدة.
وإضافة إلى ما سبق، أشار التقرير أيضًا إلى دور وحدة الاستخبارات السرية 8200 التي تؤدي دورًا محوريًّا في الحرب الإلكترونية، وهي تتنصت على اتصالات “حماس” منذ عقود.
لكن على الرغم من قدرات تلك القوى الأمنية الهائلة، وفقًا للغارديان، فإنها اقتربت من إلقاء القبض على السنوار مرة واحدة فقط، وذلك في مخبأ تحت مسقط رأسه خان يونس في أواخر يناير/كانون الثاني، إلا أن زعيم حماس تمكن من الفرار قبل أيام قليلة من دهم القوات الإسرائيلية للمخبأ، تاركًا وراءه ملابس وأكثر من مليون شيكل (أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني) في حزم من الأوراق النقدية.
هل يستخدم السنوار اتصالات إلكترونية؟
وأوضح التقرير أن السنوار تخلى -فيما يبدو- منذ مدة طويلة عن استخدام الاتصالات الإلكترونية، مدركًا تمامًا المهارات والتكنولوجيا التي يمتلكها مطاردوه، إذ لم يكن السنوار يدرس العبرية فقط في سجون الاحتلال، بل درس أيضًا عادات وثقافة عدوه.
وقال ميلشتاين، الذي يعمل الآن في مركز (موشيه ديان) بجامعة تل أبيب “إن السنوار يفهم جيدًا الغرائز الأساسية وأعمق مشاعر المجتمع الإسرائيلي. أنا متأكد تمامًا من أن كل خطوة يقوم بها تستند إلى فهمه لإسرائيل”.
ولا يزال السنوار -وفقًا للغارديان- يتواصل مع العالم الخارجي، وإن كان بصعوبة واضحة. وكثيرًا ما كانت المفاوضات الطويلة بشأن وقف إطلاق النار في القاهرة والدوحة تتوقف مؤقتًا أثناء إرسال الرسائل من القائد السري وإليه.
من هم “رسل” السنوار؟
ومن بين الاحتمالات القوية -حسب التقرير- أن السنوار يستخدم رسلًا للبقاء في القيادة، من مجموعة صغيرة ومقرَّبة من المساعدين الذين يثق بهم، بدءًا من شقيقه محمد، وهو قائد عسكري كبير في غزة.
ويأمل الفريق الذي يطارد السنوار -وفق الغارديان- أن تؤدي حاجته إلى الاتصال بالرسل، لإصدار التعليمات بشأن المفاوضات، في نهاية المطاف إلى اغتياله، تمامًا كما قاد رسل المتعقبين الأمريكيين على مدى سنوات إلى مخبأ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان.
وزعمت الصحيفة -وفقًا لرواية جيش الاحتلال- أنه في الساعة العاشرة والنصف من صباح الثالث عشر من يوليو/تموز الماضي، خرج محمد الضيف، القائد المخضرم في حماس الذي يتصدر قائمة المطلوبين لدى إسرائيل منذ عام 1995، من مخبئه بالقرب من مخيم للنازحين في المواصي ليأخذ قسطًا من الراحة مع القائد المقرَّب منه رافع سلامة. وفي غضون لحظة، قُتل الرجلان بقنابل أسقطتها طائرات إسرائيلية. ولكن في المقابل لا تزال حماس تؤكد أن الضيف على قيد الحياة.
“فرصة تاريخية” ضائعة
وأشارت الغارديان إلى أن شعورًا بالندم يساور العديد من أفراد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على ما رأوه فرصة تاريخية ضائعة سنحت لهم في سبتمبر/أيلول عام 2003، وذلك عندما أعد جيش الاحتلال طائراته لقصف منزل كان يعقد فيه قادة حماس اجتماعًا مهمًّا.
وبعد جدال محتدم في سلسلة القيادة العسكرية، استخدمت القوات الجوية صاروخًا دقيقًا أُطلق على غرفة الاجتماعات المفترضة، بدلًا من تدمير المبنى بالكامل بوابل من القنابل، ولكنهم كانوا قد اختاروا الغرفة الخطأ، ونجا قادة حماس.
وفي عملية استهداف الضيف المزعومة، استخدمت القوات الجوية الإسرائيلية قنابل زنة 2000 رطل، وهي الأسلحة نفسها التي توقفت إدارة بايدن عن إرسالها في مايو/أيار الماضي بسبب قوتها التدميرية العشوائية. وحسب ما أورد التقرير، أسقطت إسرائيل ثمانية منها في 13 يوليو. واستشهد 90 فلسطينيًّا في المنطقة، وأصيب نحو 300 آخرين.
في انتظار خطأ بسيط
وزعم ميلشتاين للغارديان “يبدو أن المصدر الرئيسي للهجوم على محمد الضيف، الذي قدّم المعلومات عن مكانه، كان على الأرجح أحد هؤلاء الرسل الذين ينتقلون من نفق إلى آخر ويحملون الرسائل بين قائد وآخر. لذا ربما تكون هناك فرصة لمتابعة أحد هؤلاء الرسل وتتبعه من أجل الوصول إلى السنوار”.
وفي المقابل، نقل التقرير عن يوسي ميلمان، أحد مؤلفي كتاب (جواسيس ضد هرمجدون) قوله “الخطأ الذي ارتكبه الضيف، من غير المرجَّح أن يكرره السنوار”.
وأضاف ميلمان “الشاباك والجيش ينتظران هذه الفرصة فقط، كل عمليات القتل المستهدفة تدور حول انتظار خطأ بسيط من الجانب الآخر، لكن السنوار أكثر حذرًا”.
صفقة المنفى
وزعم التقرير أنه من الممكن التوصل إلى صفقة يذهب بموجبها السنوار إلى المنفى، كما يدّعي البعض أنه ربما يكون قد عبر الحدود بالفعل، مختبئًا في نفق على الجانب المصري من حدود رفح، لكن هذا من شأنه أن يتعارض مع الصورة التقليدية عن الرجل الذي عُرف في صفوف حماس بكونه “جلادًا” للمخبرين المشتبه فيهم.
وقال ميلشتاين، الذي كانت وظيفته في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) دراسة السنوار وقادة حماس الآخرين “تقييمي الشخصي هو أن احتمال هذا الخيار منخفض للغاية. إنه في حمضه النووي الأساسي البقاء في غزة والقتال حتى الموت. سيفضل الموت في مخبئه”.
ووافق بن باراك، نائب رئيس الموساد السابق، على ذلك، قائلًا “لا أعتقد أنه سيعبر إلى مصر، لأنه في اللحظة التي يعلم فيها الناس أنه ليس في غزة، ستنهار عملية حماس بأكملها، معنوياتها وما إلى ذلك. لهذا السبب لا أعتقد أنه سيفعل ذلك. إنه ليس جبانًا”.
“خطأ فادح”
واستدرك بن باراك “عندما نلقي القبض عليه سيكون الوضع أفضل بكثير، ربما لبضعة أسابيع. بعد ذلك، سيأتي شخص آخر. إنها حرب أيديولوجية، وليست حربًا حول السنوار”.
وقال ميلشتاين “بعد نحو 50 عامًا من الاغتيالات، نفهم أن هذا جزء أساسي من اللعبة. في بعض الأحيان يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز للغاية. ولكن عندما تبدأ في التفكير في أن هذا سوف يغيّر قواعد اللعبة وأن منظمة أيديولوجية سوف تنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فهذا خطأ فادح”.
وتابع “أنا متأكد تمامًا من أنه إذا قُتل السنوار فسيكون هناك شخص آخر. لن ينهي هذا الحرب”.