نحو 90% من المحال التجارية في مصر من دون تراخيص.. ما السبب؟

“على الرصيف أفضل، لا رسوم ولا ضرائب” بهذه الكلمات حاول تاجر الملابس علي دندراوي اختصار أزمة تراخيص المحال التجارية المستمرة منذ صدور أول قانون ينظمها عام 1954، ثم قانون عام 2019، دون نتيجة، بينما تتسارع المحاولات الحكومية لإقناع نحو 90% من أصحاب تلك المحال بتقنين أوضاعهم.
وروى دندراوي للجزيرة مباشر عن معاناة طويلة للحصول على ترخيص متجر لبيع الملابس بمنطقة بولاق أبو العلا بوسط القاهرة، قائلا “المطلوب فوق الطاقة” من أوراق ورسوم ثم الخضوع لمنظومة ضريبية يراها متعسفة. وأضاف “البيع من على الرصيف ينزل بالتكلفة إلى الصفر تقريبا”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرويترز عن مسؤول أمريكي: ترامب يعتزم استئناف سياسة “الضغط الأقصى” على إيران لتحقيق هذا الهدف
بعد ساعات من تهديد ترامب.. الاتحاد الأوروبي يوحد صفوفه ضد الرسوم الجمركية الأمريكية
كندا والمكسيك والصين تعلن إجراءات مضادة لقرارات ترامب وتحذر من عواقب اقتصادية
لكن جاره بشارع 26 يوليو بوسط القاهرة حسن جمال يتمنى التقنين رغم الصعوبات على حد تعبيره، موضحا للجزيرة مباشر أن المطاردات التي يتعرضون لها يوميا من السلطات المحلية تكلفهم الكثير، مطالبا الحكومة بتسهيلات حقيقية.
وطبقا لتقديرات لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، فقد واجه قانون التراخيص الذي صدر عام 2019 عزوفا كبيرا وصادما، مشيرة إلى أن ما بين 80% و90% من المحال ما زالت تعمل من دون ترخيص وترفض القانون.
وأصدرت الحكومة المهلة تلو الأخرى لتقنين أوضاع المحال التجارية حتى مرت خمس سنوات كاملة بنهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم كانت المهلة الأحدث حتى ديسمبر من عام 2026.
ونفى مجدي تبارك، عضو اللجنة العليا للتراخيص بمحافظة القاهرة، في حديثه للجزيرة مباشر وجود عراقيل، قائلا إن القانون الجديد استحدث لأول مرة “الترخيص بالإخطار” الذي يمكّن التاجر من ممارسة نشاطه فورا “إذا كان النشاط لا ينطوي على درجة كبيرة من المخاطر الصحية والبيئية” إضافة إلى الالتزام “بقواعد الأمن”.
وذكر تبارك أن الترخيص يُمنح خلال 60 يوما، مشيرا إلى أن على التاجر مراجعة اشتراطات الحماية المدنية قبل التقدم بالطلب. وأضاف “يمكن أيضا الحصول على رخصة مؤقتة لمدة خمس سنوات للمحال المقامة بعقارات غير مرخصة لحين تقنين أوضاعها”.
وفي هذا السياق، أشار جمال الصيفي -صاحب محل تصنيع أبواب حديدية غير مرخص بمدينة 6 أكتوبر جنوب القاهرة- إلى أنه مستمر في العمل من دون ترخيص منذ سنوات، موضحا للجزيرة مباشر أنه يمارس نشاطه داخل كتلة سكنية وعقار مخالف لاشتراطات البناء.
ولفت الصيفي إلى ما يسميها “تفاهمات خاصة” مع مسؤولي الإدارة المحلية، تنتهي باستمرار الوضع على ما هو عليه رغم شكاوى السكان من الإزعاج.

عقوبات مشددة
وطبقا للمادة 30 من القانون رقم 154 لسنة 2019، يعاقَب كل من قام بتشغيل محل دون ترخيص بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه (نحو 400 دولار) ولا تجاوز 50 ألف جنيه (ألف دولار)، وفي حالة العودة تكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلا عن غلق المحل على نفقة المخالف (الدولار يعادل 51 جنيها تقريبا).
وتبدأ رسوم الترخيص بألف جنيه (نحو 20 دولارا) ولا تزيد على 100 ألف جنيه، لكن التخوف الأكبر يكون من الضرائب التي تُفرض لاحقا بعد تسجيل المحل، حسب عضو مجلس النواب مصطفى خالد في تصريح للجزيرة مباشر، موضحا أن قانون التراخيص الجديد للمحال هو الخطوة الأهم لدمج هذا القطاع في الاقتصاد الرسمي.
ورأى خالد أن العزوف عن التراخيص يرجع إلى أسباب نفسية يجب إزالتها وليس عقبات بيروقراطية أو رسوما مالية، مبديا دهشته من حرص أصحاب المتاجر على عدم دفع الرسوم والضرائب، مشيرا إلى أنه بالإمكان مراجعة بعض النصوص من خلال البرلمان لضمان أداء حق المجتمع.
انعدام الثقة
وتتفق الباحثة في علم النفس الاجتماعي بجامعة حلوان هالة أبو المجد مع الرأي القائل بوجود بُعد نفسي في التعامل مع القوانين، موضحة أن هناك شعورا متراكما بعدم الثقة والخوف من الإجراءات التنظيمية على مر السنين بمصر.
وأوضحت هالة أبو المجد للجزيرة مباشر أن السبب في ذلك هو “غياب الثقافة الاجتماعية والقانونية”، مشيرة إلى أن الحكومة مطالبة بعرض القوانين للحوار المجتمعي والاستماع لمطالب الناس قبل إقرارها.
ولفتت إلى أن “الخوف المتراكم من الضرائب كان وما زال له ما يبرره”، مشيرة إلى أن تردد الحكومة في تطبيق قانون المحال التجارية رغم مرور 5 سنوات، ومنح مهلة إضافية مدة عامين يكشف عن عدم دراسة القانون بشكل جيد. وأضافت “عزوف 90% عن التقنين أمر يثير الدهشة”.
وأعرب فتحي الجوهري -صاحب متجر مرخص للمواد الغذائية- عن شعوره بـ”الندم” على ترخيص محله، قائلا للجزيرة مباشر إنه يدفع رسوما لأكثر من جهة، بداية من الدفاع المدني، ومرورا بالبيئة وسلامة الغذاء، وانتهاء بمصلحة الضرائب، بخلاف تكلفة الكهرباء والمياه والنقل والعمالة. وأضاف “كل ذلك يتم تحميله على المستهلك”.
ورأى الجوهري أن الحكومة “كافأت” المتاجر غير المرخصة بالتراخي بتطبيق القانون لأكثر من 5 سنوات، كما لفت إلى انضمام فئة أخرى من المحال إلى قائمة الإعفاء من أي رسوم، مثل تلك التي تحمل شعار “أمان” وتتبع وزارة الداخلية أو القوات المسلحة، وبعضها يحتل أرصفة الشوارع والميادين من دون تراخيص، على حد قوله.
ويُلزم القانون الصادر عام 2019 لجان التراخيص بإبلاغ كل من مأمورية الضرائب ومكتب التأمينات المختصَّين خلال مدة لا تزيد على شهر من تاريخ الترخيص “وذلك حتى يتم ضم أنشطة هذه المحال للاقتصاد الرسمي للدولة”.
يشار إلى أن القانون الأول للتراخيص في مصر صدر عام 1954، لكنه ظل مفتقرا إلى التفعيل لأسباب بيروقراطية، وتضارب إجراءات التراخيص، وعزوف المواطنين عن التقنين، وهو السيناريو نفسه الذي تجدد مع القانون المعدَّل، رغم تبسيط الإجراءات، واختصار الدورة المستندية، كما يقول بيان لوزارة التنمية المحلية.
وقدَّرت الوزارة أعداد المحال بنحو 10 ملايين محل على مستوى مصر، مشددة على أهمية دمجها في الاقتصاد الرسمي، وتوفير موارد ضريبية متوقعة بنحو 4 مليارات جنيه سنويا (نحو 80 مليون دولار).
وطبقا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الاقتصاد غير الرسمي يضم نحو 31.1% من قوة العمل في مصر، وبلغت حصة هذا القطاع عام 2023 من الناتج المحلي نحو 53%، في حين تصل خسائر عدم دمجه بالاقتصاد الرسمي إلى نحو 400 مليار جنيه (نحو 8 مليارات دولار) سنويا. كما يمثل هذا الدمج مضاعفة للعوائد الضريبية التي تستهدف الحكومة زيادتها خلال عام 2025 إلى تريليوني جنيه (نحو 40 مليار دولار).