وائل الدحدوح: لهذا السبب اختارت كتائب القسام ساحة السرايا لتسليم أسرى الاحتلال (شاهد)

أعرب الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، عن فرحته بوقف العدوان الإسرائيلي بعد 471 يومًا من القصف والتدمير الإسرائيلي، إلا أنه وصف اللحظة بأنها “عصية على الفهم”، إذ تختلط فيها المشاعر بين الراحة والألم، على حد وصفه.
وقال الدحدوح في مقابلة مع الجزيرة مباشر، إن الصحفيين في غزة عاشوا ظروفًا قاسية، مضيفا “نحن لم نكن مجرد ناقلين للأحداث، بل كنا جزءًا من المعاناة، دفعنا أثمانًا باهظة من دمنا وعرقنا وسهرنا لنقل الصورة الحقيقية إلى العالم”.
وتحدث الدحدوح عن الفقدان الشخصي الذي تعرض له خلال الحرب، جراء استشهاد زوجته وابنه الأكبر حمزة وأطفاله وأحفاده وأفراد من عائلته، قائلًا “أنتظر هذه اللحظة فقط لأتمكن من إلقاء نظرة على قبورهم، لكن حتى هذا غير مؤكد، فقد دمرت الدبابات الإسرائيلية مقابر بأكملها.. ولا أدري هل ما زالوا في قبورهم أم بُعثروا تحت الأنقاض؟”.
المقاومة تؤكد بقاءها
وقال الدحدوح إن مشاهد الاحتفالات في غزة أربكت الكثيرين، خاصة في ظل الحديث عن معاناة الناس بسبب الحرب.
وأضاف “كان هناك من يعتقد أن سكان غزة قد كفروا بالمقاومة بسبب ما مروا به، لكن الواقع كان مختلفًا. الناس احتشدوا لاستقبال عناصر المقاومة، وكتائب القسام عادت بكامل هيئتها وسلاحها، في مشهد لم يكن متوقعًا”.
وقال إن الحشود الضخمة أثبتت أن المقاومة لم تفقد دعمها الشعبي، بل على العكس، أرسلت رسالة قوية بأن غزة لم تُهزم، على الرغم من كل محاولات إسرائيل لطمس وجودها، على حد وصفه.
لماذا ساحة السرايا؟
وقال الدحدوح إن كتائب القسام تعمدت اختيار ساحة السرايا، أهم موقع استراتيجي في غزة، لتكون مكانًا لتسليم الأسيرات الإسرائيليات، من أجل إرسال رسالة رمزية قوية مفادها أن المقاومة لا تزال صامدة في قلب المدينة، رغم الدمار الذي لحق بها.
وأضاف أن هذه المشاهد نسفت الرواية الإسرائيلية التي حاولت تصوير غزة كمكان محطم بلا مقاومة، مشيرا إلى أن “إسرائيل أرادت أن تثبت أنها دمرت المقاومة، لكن خروج المقاتلين بسلاحهم وهندامهم المنظم، وسط ترحيب جماهيري، أكد عكس ذلك تمامًا”.

التعافي رغم الدمار
و شدد الدحدوح على أن سكان القطاع لا يملكون خيارًا سوى التعافي، رغم حجم الدمار والخراب. لكنه أوضح أن إعادة الإعمار تتطلب توفير الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية والبنية التحتية الأساسية.
وقال “اليوم نحن في انتظار عودة النازحين من جنوب القطاع إلى الشمال، لكنهم سيعودون إلى أنقاض منازلهم. المطلوب الآن توفير خيام، وبيوت متنقلة، ومساعدات طبية، وآليات لإزالة الأنقاض، حتى يتمكن الناس من استعادة حياتهم”.
وأشار إلى أن سكان القطاع يتميزون بسرعة التكيف مع الواقع.
وأضاف “في كل مرة نُفاجأ بقدرة الناس على النهوض من وسط الأنقاض. البعض يفضل العودة إلى شمال غزة حتى لو كان عليه العيش في خيمة، فقط ليكون قريبًا من بيته المدمر”.
إسرائيل مصدومة
وتحدث الدحدوح عن حالة الصدمة التي أصابت المسؤولين الإسرائيليين بعد مشاهدة الاحتفالات في غزة، إذ وصف وزير الاتصالات الإسرائيلي المشاهد بأنها “صور قاسية للنازيين” في إشارة إلى سكان غزة الذين كانوا يحتفلون بوقف إطلاق النار.
وعلّق الدحدوح على هذا التصريح قائلًا “إسرائيل لم تتوقع هذا المشهد بعد كل عمليات القتل والتدمير. اعتقدوا أن الناس سيرفعون الرايات البيضاء، لكنهم خرجوا بأعداد كبيرة يهتفون للمقاومة، وكأن الحرب لم تكن”.
وأضاف أن هذه المفاجأة لم تكن فقط للإسرائيليين، بل حتى لبعض الأطراف العربية والدولية، التي لم تكن تتوقع أن يظل الفلسطينيون بهذه الروح المعنوية العالية رغم الكارثة الإنسانية التي تعرضوا لها.
لا خيار سوى الاستمرار
وكشف الدحدوح عن أثر الحرب عليه على المستوى الشخصي، بعد أن فقد زوجته وأطفاله وأشخاصًا آخرين من عائلته. وقال بتأثر واضح “اليوم كنت أُحاور زملائي عبر الشاشة، بعد أن كنا نعيش سويًّا في خيمة تحت القصف. مجرد رؤيتهم أمامي خففت عني الكثير، لكن لا شيء يمكنه أن يعوضني عن فقدان عائلتي”.
وأضاف “في ساعات الصباح، كانت من المرات القليلة التي بكيت فيها كثيرًا.. الحرب أخذت مني كل شيء، لكنها لم تأخذ رسالتي. سنواصل نقل معاناة الناس، لأننا لم نعد مجرد صحفيين، نحن جزء من الضحايا.. نحن من الشهداء الأحياء”.
وأنهى الدحدوح حديثه بالتأكيد على أن غزة، رغم كل الدمار والمعاناة، لم تسقط ولم تُهزم، وأن ما حدث أمس من احتفالات وخروج للمقاومة، هو رسالة واضحة بأن الفلسطينيين سيواصلون صمودهم مهما كان الثمن.