“كل مواجهاتها انتهت بالتعادل”.. هآرتس تكشف بالأدلة: إسرائيل لم تفز بأي حرب منذ 1967 حتى الآن

رغم قوتها الهائلة، فشلت إسرائيل في إرغام “أعدائها البسطاء الذين يرتدون النعال ويقودون الشاحنات” على الاستسلام، هذه خلاصة تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تناول بالتفصيل الفشل في حرب غزة، عبر إسقاطات تاريخية تمتد منذ حرب 1967 حتى اليوم.
وقال أمير أورين، وهو أحد أبرز المعلقين العسكريين في الصحيفة، إنه “عندما صاغ قائد مشاة البحرية الأمريكية تشارلز كرولاك في نهاية القرن الماضي مصطلح ‘العريف الاستراتيجي’، كان يقصد أن الجندي البسيط -وليس قادة الدولة أو الجيش- هو من قد يشعل عمليات كبرى تؤثر في التاريخ”.
وتابع أنه لم يكن يقصد أن هذا الجندي هو الذي يصنع الحدث المعقد بيده، بل أن فعله أو امتناعه عن الفعل قد يشعل فتيلا يضخّمه الآخرون بردودهم، فيتحول من تكتيكي إلى استراتيجي، على حد وصف المعلق.

“القشة التي قصمت ظهر البعير”
واعتبر الكاتب أن عملية القدس الأخيرة التي قُتل فيها 6 إسرائيليين في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد ساعات من مقتل 4 جنود في غزة، حسب المقال، “هو ما دفع نتنياهو إلى اتخاذ قرار متهور بمهاجمة قيادة حماس في الدوحة”، وزاد “في محاولة يائسة لصرف الأنظار عن فشله المتواصل في حماية الجبهة الداخلية وهزيمة حماس”.
وتضيف الصحيفة أن “ما لم تستطع 23 شهرا من القتال تحقيقه، أنجزه فشل الهجوم على الدوحة”، إذ كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير”، مؤكدا أن حرب غزة انتهت فعليا باتفاق مفروض على نتنياهو الضعيف، وأن إسرائيل، رغم قوتها الهائلة، فشلت في إرغام “أعدائها البسطاء الذين يرتدون النعال ويقودون الشاحنات” على الاستسلام.
ويرى أن هذا الفشل ليس استثناء، بل حلقة في سلسلة طويلة منذ عام 1967، إذ “لم تفز إسرائيل بأي حرب فوزا حاسما”، بل انتهت كل مواجهاتها بـ”تعادل”، وعبَّر الكاتب عن ذلك بالقول “لا نفوز بالبطولة”، على حد تعبيره.
واستحضر الكاتب كيف أن سلاح الجو والمدرعات والمظليون ولواء جولاني في مجدهم، هاجموا وأغرقوا زورقين مصريين قرب سواحل سيناء، في حين لم يكن ذلك ضروريا، ولكن بعد أن حدث، جاء الرد سريعا، عبر إغراق المدمرة الإسرائيلية “إيلات” في أكتوبر/تشرين الأول 1967.

إهمال وغرور
ويتابع الكاتب المتخصص في الشؤون العسكرية أن ما كُشف لاحقا من وثائق ومذكرات ضباط غاضبين أظهر أن ما حدث كان نتيجة إهمال وغرور صادمين: دوريات استفزازية لسفن ضعيفة الحماية تحمل مئتي جندي، انقطاع التواصل بين قيادة البحرية في حيفا وهيئة الأركان وسلاح الجو، وتأخر في إيصال التحذيرات من وحدة الاستخبارات (قبل تأسيس الوحدة 8200) بأن المصريين يستعدون للهجوم.
وزاد الكاتب أنه “بعد الضربة الأولى التي عطلت المدمرة دون أن تغرقها، جاءت ضربة ثانية بعد ساعة ونصف، قتلت نحو 50 جنديا. وكالعادة، جرى التغطية على الفشل بتصعيد عسكري جديد، عملية “أبوكا” لقصف مصافي النفط والمدن المصرية على قناة السويس، ثم سلسلة اشتباكات تحولت لاحقا إلى حرب استنزاف طويلة”.
ويعود المقال ليحلل جذور الخلل التاريخي في التفكير الإسرائيلي منذ نشوة النصر في 1967، مرورا بإغراق المدمرة “إيلات”، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، وصولا إلى حرب لبنان، فغزة.
سلسلة كوارث
ومضى قائلا “سلسلة الكوارث بين خريف 1967 وربيع 1968 -إيلات، وغرق الغواصة “داكار”، ومعركة الكرامة- حصدت نحو 150 قتيلا”.
ومن المثير للغضب، كما يروي الكاتب، مداولات رئيس الأركان الجديد حاييم بار-ليف أمام الحكومة بعد الفشل المكلف في الكرامة، حين حاول التبرير قائلا “صحيح أننا لم نتوقع هذا العدد الكبير من الضحايا، لكنه يعادل تقريبا عدد القتلى خلال الأشهر السابقة”، ثم وصف العملية بأنها “نجاح كبير”.
ورغم ذلك، أُقيل قائد المنطقة الوسطى اللواء عوزي نركيس، الذي لم تُحسب له لا القدس ولا الضفة الغربية في إنجازاته السابقة.

“دولة بلا بوصلة”
وزاد الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية “في رؤية نتنياهو للعالم، لا وجود إلا للقادة في القمة. يتباهى باغتيال نصر الله وقادة حماس وضباط في إيران ونصف حكومة الحوثيين، كما لو أن ذلك حسم الحرب فعلا”.
واستطرد “لكن وفق هذا المقياس نفسه، فإن هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس أزاح من مواقعهم وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ورئيس الشاباك، ورئيس الاستخبارات العسكرية، وقائد المنطقة الجنوبية، وقائد الفرقة، وعددا من قادة الألوية”.
ويختتم الكاتب مقاله بالهجوم على نتنياهو، معتبرا أنه حوَّل إسرائيل إلى “دولة بلا بوصلة”، وأنه حتى لو قتل زعماء حماس أو حزب الله، فلن يكون ذلك انتصارا حقيقيا، لأن “حماس لا تزال واقفة على قدميها بعد عام من الحرب”، وأن خلاص إسرائيل لن يتحقق إلا عندما “يتحرر عنقها المتعب من ذلك الرأس الذي يثقلها”، في إشارة واضحة إلى نتنياهو نفسه.