تحقيق لـ”رويترز”: نظام الأسد نقل آلاف الجثث سرا لإخفاء جرائم قتل جماعي

كشفت وكالة “رويترز” في تحقيق موسع عن تنفيذ نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد عملية سرية امتدت لعامين، هدفت إلى نقل آلاف الجثث من إحدى أكبر المقابر الجماعية المعروفة قرب دمشق إلى موقع سري في صحراء الضمير، يبعد أكثر من ساعة بالسيارة عن العاصمة.
وأكد التحقيق أن الجيش السوري في عهد الأسد قام بحفر مقبرة جماعية في القطيفة، ثم أنشأ أخرى ضخمة في صحراء خارج بلدة الضمير. واستند التحقيق إلى شهادات 13 شخصا لديهم معرفة مباشرة بالعملية، بالإضافة إلى مراجعة مستندات رسمية وتحليل مئات صور الأقمار الصناعية للموقعين.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4هيئة البث: إسرائيل ترفض طلبا للرئيس السوري
- list 2 of 4“عذبوا ابني أمامي”.. شهادات مروعة لسوريات عن التعذيب والانتهاكات في سجون نظام الأسد
- list 3 of 4سوريا.. جلسات علنية لمحاكمة المتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل
- list 4 of 4سوريا: لجنة تحقيق تكشف حقائق جديدة في أحداث السويداء (فيديو)
وأُطلق على عملية النقل اسم “عملية نقل الأتربة”، واستمرت بين 2019 و2021، وأوضح الشهود أنها كانت تهدف إلى التستر على جرائم نظام الأسد وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي.
المقبرة الجماعية الجديدة في الضمير
وتوصل فريق التحقيق إلى أن المقبرة الجماعية في صحراء الضمير تضم على الأقل 34 خندقا بطول كيلو مترين، مما يجعلها من أكبر المقابر التي أنشئت منذ عام 2011. وبحسب شهادات الشهود، يُحتمل دفن عشرات الآلاف في الموقع الجديد.
وبدأت عملية دفن الموتى بالقطيفة عام 2012، حيث ضمت المقبرة جثث جنود وسجناء قضوا في سجون الأسد ومستشفياته العسكرية.
وفي عام 2014، نشر ناشط حقوقي صورا للمقبرة كشفت موقعها العام، بينما تم تحديد الموقع الدقيق لاحقا من خلال شهادات وتقارير قضائية وإعلامية.

تفاصيل عملية النقل
وبين عامي فبراير/شباط 2019 وإبريل/نيسان 2021، نُقلت من القطيفة إلى الضمير 6 إلى 8 شاحنات محملة بالتراب والرفات البشري أسبوعيا، على مدار 4 ليال.
وأشار المشاركون في العملية إلى الروائح الكريهة التي لا تُنسى، بينهم سائقون وفنيون وضابط سابق في الحرس الجمهوري.
وقال ضابط سابق من الحرس الجمهوري إن فكرة نقل آلاف الجثث وردت في أواخر 2018، عندما اقترب الأسد من تحقيق النصر ضد فصائل المعارضة المسلحة، وأضاف الضابط أن الأسد كان يأمل في استعادة الاعتراف الدولي بعد تهميش لسنوات جراء العقوبات ومزاعم الوحشية.
وفي ذلك الوقت، توجهت أصابع الاتهام للأسد باحتجاز آلاف السوريين. لكن لم تسطع أي جماعة سورية مستقلة أو منظمة دولية الوصول إلى السجون أو المقابر الجماعية.
وقال سائقان والضابط لـ”رويترز” إن القادة العسكريين أبلغوهم بأن مغزى عملية النقل هو تطهير مقبرة القطيفة الجماعية وإخفاء أدلة على عمليات قتل جماعي.
وبحلول الوقت الذي سقط فيه نظام الأسد، كانت كل الخنادق الـ16 التي وثقتها “رويترز” في القطيفة قد أخليت.

آثار اختفاء عشرات الآلاف من السوريين
وبحسب منظمات حقوقية، اختفى أكثر من 160 ألف شخص تحت جهاز أمن الأسد، ويُعتقد أن كثيرا منهم مدفونون في مقابر جماعية أمر بحفرها.
وذكرت أن عمليات التنقيب المنظمة وتحليل الحمض النووي قد تكشف مصير هؤلاء الأشخاص، لكن الموارد المحدودة تعيق العمل على المقابر حتى اليوم.
ورغم المطالبات المستمرة من عائلات المفقودين، لم تصدر الحكومة الجديدة بعد إسقاط الأسد أي وثائق تتعلق بالمدفونين.
وقال محمد رضا جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين: “التحدي الآخر أننا نتعامل مع عدد كبير من المفقودين غير محدود لكن قد يتجاوز عشرات الآلاف، والحاجة اليوم إلى تأهيل كوادر متخصصة لأننا نتعامل مع ملف علمي يحتاج إلى كوادر متخصصة في الطب الشرعي والبصمة الوراثية، وهذا يحتاج إلى وقت لبناء هذه الكوادر”.
وقال محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة: “تجميع هذه الجثث معا حتى يتسنى إرجاع الرفات كاملا إلى العائلات سيكون أمرا معقدا للغاية”، ووصف إنشاء لجنة المفقودين بأنه خطوة إيجابية لكنها بحاجة لدعم وخبرات إضافية.
وأكد سائقون وفنيون وموظفون شاركوا في النقل أن إفشاء أمر العملية كان يعني الموت الحتمي.
وقال أحد السائقين: “ما في حد يقدر يخالف الأوامر، وإلا أنت نفسك تنتهي في الحفر”.