الطفل محمد الحلاق.. كان يحلم أن يصبح طبيب قلب فصار شهيدا برصاص الاحتلال (فيديو)

على سرير طفلها الشهيد محمد الحلاق (10 أعوام) في قرية الريحية جنوب الخليل بالضفة الغربية المحتلة، تجلس والدته عالية تتفقد حقيبته المدرسية وبعضا من ملابسه، وخصوصا تلك العباءة البيضاء التي كان قد جهزها ليرتديها في صلاة الجمعة المقبلة، لكن الاحتلال اغتال أحلامه، وأرداه بالرصاص، وترك أمه مفطورة القلب على ابنها.
وبصوت مرتجف وعيون مثقلة بالدموع التي لم تجف منذ لحظة تلقيها نبأ استشهاده، قالت الأم المكلومة للجزيرة مباشر “كان يحب اللعب، ويحب الحياة والفرح. في ذلك اليوم، لبس ملابسه ليستعد للذهاب إلى المدرسة، وكعادته أوصل شقيقته إلى مدرستها أيضا، لكنها اليوم ترفض الذهاب للمدرسة لأن محمد غير موجود”.
وتابعت وهي تتحدث وبجوارها بقية أطفالها يحاولون حبس دموعهم “عندما عاد من المدرسة، لم يكمل وجبة الغداء، ذهب مسرعا للعب مع أصدقائه، وعاد وهو ممسك بعصفور بعد أن اصطاده معهم، وكان سعيدا جدا. ثم جاء أخوه الأكبر حاملا معه بعضا من ثمار الزيتون، وأصر محمد أن يدقّه لي، وفعلا جهَّزه ليكون جاهزا للكبس، ثم عاد مرة أخرى للعب رغم محاولاتي الحثيثة ألا يذهب. وكانت هذه آخر لحظاته معي في البيت”.
واختتمت الأم حديثها وهي تتحسر على أمنياته التي كان يحلم بها، وكانت تتمنى أن تحققها له “كان يطلب مني أن أشتري له دراجة وحصانا، كان يحب اللعب، لكنه حُرم من طفولته. كان مجتهدا في مدرسته، ويحلم أن يكون طبيب قلب”.
أما والده، ماجد الحلاق، فقال للجزيرة مباشر إن طفله الشهيد كان لا يفارقه إلا قليلا، وأضاف “محمد كان محبوبا ومعروفا بين أهل البلدة، كان يحب العصافير وكرة القدم والرحلات. كان ينتظر من عمه أن يعود من رحلة العمرة كي يرتدي العباءة البيضاء مع باقي أطفال العائلة”.
وعبَّر الأب المكلوم عن افتقاده الشديد لابنه، وتابع قائلا “كان متعلقا بي كثيرا، يذهب معي في أغلب مشاويري. نفتقده في البيت، اليوم لم أصدّق أنه ليس نائما بجانب إخوته. أينما أذهب أشعر أنه في البيت، لا أصدّق أنه استشهد”.
ثلاث محاولات لإنقاذه
وفي ملعب المدرسة، الذي كان يقضي فيه الطفل الشهيد محمد لحظاته الأخيرة وهو يلعب كرة القدم مع أصدقائه، يروي صديقه إبراهيم الحلاق، الذي كان شاهدا على لحظة استشهاده، للجزيرة مباشر تفاصيل ما حدث قائلا “كنا نلعب هنا في ملعب المدرسة، وسمعنا أن الجيش اقتحم القرية، وكنا في طريقنا نريد العودة إلى بيوتنا. لم نكد نصل حتى بدأ الاحتلال بإطلاق النار عشوائيا”.
وأضاف إبراهيم “محمد كان واقفا يشاهد الجيش، فأصيب بالرصاص. حاولنا إنقاذه أول مرة، لكن سرعان ما بدأ الاحتلال بإطلاق النار علينا. حاولنا مرة ثانية بعد أن لاحظنا توقف إطلاق النار، ثم بدأ الجيش إطلاق قنابل الغاز علينا بشكل كثيف. عندما خفّ الغاز قليلا عدنا مرة ثالثة لإنقاذه، وآخر كلمة قالها لنا ونحن نحاول سحبه هي: اسحبني”.
مقعده ما زال فارغا في الصف
وفي مدرسة الفاروق الأساسية، حيث كان يدرس الشهيد محمد، قال العديد من أفراد إدارة المدرسة إنه كان مجتهدا وطموحا، يحلم بأن يصبح طبيبا في المستقبل.
وفي صفه الدراسي، إلى جوار مقعده الفارغ، روى زميله الطفل عيسى النجار، للجزيرة مباشر، ذكرياتهما معا وأحلامهما المشتركة، وقال “كنا نلعب معا ونأكل معا، ولما جيت على المدرسة اليوم حسّيت إن محمد مش جنبي، ونار شعلت بقلبي. كنا نرسم ونخطط شو بدنا نعمل لما نكبر مع بعض”.
وقرأ عيسى رسالة كتبها بخط يده، موجها حديثه إلى صديقه الشهيد “مقعدك فارغ وصوتك ساكت، بس صورتك في قلبي ما راحت. أنا زعلان، بس كمان فخور فيك. أنت مشيت في طريق الأبطال والشجعان، واختارك الله تكون شهيد، وهاي أعلى منزلة. راح أضل أتذكرك كل يوم، وأكمّل الحلم يلي كنا نحلم فيه سوا، راح أدرس وأتعلم وأصير شخص تفتخر فيه، مثلك تماما. الله يرحمك يا صاحبي، ويصبّرنا على فراقك”.
وأقر جيش الاحتلال، يوم الجمعة، بقتل الطفل محمد الحلاق، زاعما أن ذلك وقع “خارج تعليمات إطلاق النار”، وذلك في بيان نشرته هيئة البث الإسرائيلية، بشأن استشهاد الطفل محمد بهجت الحلاق (11 عاما) في بلدة الريحية جنوب مدينة الخليل. وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاده برصاصة إسرائيلية اخترقت منطقة الحوض.