هواتف أم جواسيس؟ هكذا تستولي الأجهزة الذكية على حياة مستخدميها وتجعلهم مدمنين دون أن يشعروا

الهواتف المحمولة تجمع بيانات عن مستخدميها بشكل مستمر
الهواتف المحمولة تجمع بيانات عن مستخدميها بشكل مستمر (رويترز)

تتزايد فترات استخدام الهواتف المحمولة يوميا، خصوصا بين المراهقين والشباب، في ظاهرة تثير القلق على مستوى العالم، مما دفع إلى اتخاذ قرارات بحظر الهواتف المحمولة في المدارس في كندا والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية مثل السويد وبلجيكا وهولندا.

وأوضح ستيفن مونتيرو، مؤلف كتاب “التعلّق بالميديا: كيف تغزو التكنولوجيا الحياة الشخصية”، التأثير الكبير للهواتف المحمولة في حياتنا، بقوله إنها “أصبحت كائنات حية تتوغل في حياتنا”، إذ لديها القدرة على بناء صلة عاطفية مع المستخدم من خلال تفاعلها مع احتياجاته.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وأضاف مونتيرو، في مقال على موقع “ذا كونفرسيشن”، أن الهواتف الذكية تتميز بعدد من التقنيات “التي تستهدف الثغرات الحسية والنفسية لدى الإنسان، فتخلق رابطًا وثيقا يدفع إلى الشعور بالحاجة المستمرة إليها”.

“امتصاص بياناتنا”

واشار مونتيرو إلى أن الهواتف الذكية مصممة بميزات تخاطب عاطفة المستخدم وتُشعره بأنها بحاجة إلى اهتمامه، في حين أنها واقعيًّا، “تقوم بامتصاص بياناتنا”.

وأفاد المقال أن التقنيات الموجودة في الهواتف الذكية، مثل بصمة الوجه وتحديد الموقع الجغرافي والإشعارات والتنبيهات الصوتية، تؤدي دورا مهما في جذب انتباه المستخدم.

ويرى الكاتب أن تقنية بصمة الوجه تُشير إلى اتصال عميق بين المستخدم والجهاز، فهو يضيء ويُفتح عندما يرى الوجه المعروف والموثوق به.

وأوضح أن “تقنية تحديد الموقع الجغرافي تُحوّل الإشارات الشبكية إلى نقطة على الخريطة تُمثل الشخص، وليس الجهاز تمامًا كما نرى نقاط هواتف أصدقائنا على الخريطة كأنها هم أنفسهم”.

دول كثيرة فرضت قيودا على استخدام الأطفال للهواتف المحمولة
دول كثيرة فرضت قيودا على استخدام الأطفال للهواتف المحمولة (غيتي)

“متلازمة الذبذبات الوهمية”

ويؤكد الكاتب أن الإشارات الحسية الصادرة عن أجهزة الهواتف، ومن بينها الإشعارات والذبذبات الصوتية، تؤدي دورا حاسما في العلاقة بين الهاتف وصاحبه.

ويضيف أن هذه الإشارات تجعل المستخدم متنبها لأبسط حركة أو صوت من الجهاز، وهو ما يخلق حالة شبيهة بما يُسمّى “متلازمة الذبذبات الوهمية”، إذ يتخيل المستخدم أن هاتفه يطلب انتباهه بصوت أو إشعار حتى عند عدم حدوث ذلك.

وأفاد الكاتب أن معظم هذه التقنيات ليست جديدة، فقد تطور نظام تحديد المواقع العالمي، المعروف اختصارا بـ”جي بي إس” أساسا لأغراض عسكرية في سبعينيات القرن الماضي، بينما كانت الإشعارات الصوتية مخصصة لأجهزة النداء الآلي (البيجر) التي يستخدمها الأطباء ورجال الأعمال.

أما الصوتيات والتنبيهات، فتعود إلى تسعينيات القرن الماضي مع انتشار ألعاب مثل “تاماغوتشي”، التي يرى مونتيرو أنها أدت دورا فاعلا في بناء ارتباط عاطفي مع الأجهزة اليدوية لدى جيل الألفية.

اختراق الخصوصية دون قيود

وأشار الكاتب إلى أن الهواتف الذكية تطرح تساؤلات جدية حول الخصوصية، ولا سيما ما يتعلق بتتبُّع حركات وسلوك المستخدم. إذ إن هذه الأجهزة لا تتوقف عن رصد أصواتنا وحركاتنا.

وأكد الكاتب أن الهواتف الذكية أصبحت قادرة على مراقبة الأشخاص حتى خلال نومهم، من خلال تقنية الاستشعار الصوتي والحركي، إذ تستطيع تخزين بيانات المستخدم البيولوجية عبر تطبيقات الصحة المثبّتة مسبقًا.

ومضى إلى القول إن ميزة التعرف على الوجه تتطور لتتجاوز مجرد التعرف على الهوية، وتصل إلى تحليل تعبيرات الوجه لفهم مزاجنا أو درجة انتباهنا. وكل هذه البيانات تُجمع لتُكوّن صورة مفصلة عن السلوك البدني للمستخدم وعلاقاته وحالته النفسية، ليتم استغلالها تجاريًّا بشكل قد يؤثر في قراراته ومستقبله دون إدراك منه.

كيف نتحكّم في التعلق بالهاتف؟

بعيدًا عن إغلاق الهاتف أو تركه جانبا، أفاد المقال أن هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها للتقليل من الاعتماد على الهواتف الذكية، من بينها “مراجعة الإعدادات وتفعيل الميزات التي نحتاج إليها فقط، مع تعديلها كل فترة حسب نمط حياتنا”.

ويقترح الكاتب تفعيل الموقع الجغرافي فقط عند الحاجة، لتقليل تتبع موقع المستخدم بشكل دائم، وكذلك تقليل التنبيهات الصوتية والاهتزازية، وهو ما يمكن أن يُخفف من التعلّق بالجهاز.

وأوضح أنه “حتى استخدام كلمة مرور بدلا من بصمة الوجه يُعيد العلاقة مع الهاتف إلى كونها علاقة مع آلة، لا صديق يتعرف علينا”.

ويرى الكاتب أن على شركات التصنيع اتخاذ خطوات مسؤولة، مثل ضبط الإعدادات التي تنتهك الخصوصية على وضع “غير مفعّل”، وتقديم شفافية حول كيفية استخدام بيانات المستخدم.

ويعتقد أنه، ما لم يكن هناك تنظيم حكومي صارم يضع مصلحة المستخدم وخصوصيته أولًا، فمن غير المرجح أن تتخذ الشركات هذه الإجراءات من تلقاء نفسها.

ويخلص مونتيرو إلى أنه علينا توسيع دائرة النقاش حول التعلق بالأجهزة، فالمشكلة في رأيه لا تكمن فقط في وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب والذكاء الاصطناعي، بل في الهاتف نفسه، الذي أصبح قادرًا على خطف انتباهنا وبناء روابط عاطفية معنا.

المصدر: مواقع بريطانية

إعلان