جدل في مصر بعد منشور لدبلوماسي سابق ينكر الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني

أثار الأكاديمي والدبلوماسي المصري السابق عز الدين فشير جدلا واسعا بعدما زعم أن مصر بتياراتها الوطنية لم تحمل السلاح ضد الاحتلال البريطاني.
وقال فشير، وهو محاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط بكلية دارتموث في الولايات المتحدة، في منشور على “فيسبوك” شهد تفاعلا واسعا: “ليه الحركة الوطنية المصرية تجنبت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال البريطاني الغاشم من بدايته سنة 1882 لغاية 1951، واختارت التفاوض والضغوط والاحتجاجات الشعبية رغم فشلها في إنهاء الاحتلال؟”.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4تفاكر.. مصطفى المرابط يناقش كتاب “الفيلسوف ابن ساعته”
- list 2 of 4المخرجة شيرين دعيبس تروي رحلتها لإيصال فيلمها إلى العالم والترشح للأوسكار (فيديو)
- list 3 of 4شاهد: مقتنيات توت عنخ آمون تُعرض أول مرة في المتحف المصري الكبير
- list 4 of 4بأصالة تراثها وإبداع حرفييها.. الخليل على قائمة المدن المبدعة في اليونيسكو (فيديو)
وأضاف، فشير وهو دبلوماسي سابق في السفارة المصرية بإسرائيل، بسخرية تفسيرات محتملة: “كانوا خونة؟ ولا ما كانش فرانز فانون كتب عن أهمية العنف؟ ولا ما كانوش عارفين أنهم تحت الاحتلال؟ ولا كانوا بيصحوا متأخر؟”.

“فشير يشعل الجدل”
المنشور أثار ردود فعل رافضة بين مثقفين ومؤرخين مصريين أكدوا أن تاريـخ الحركة الوطنية زاخر بأمثلة المقاومة المسلحة ضد المحتل البريطاني حتى الجلاء عام 1954، معتبرين أن ما قاله فشير “يتنافى مع الوقائع التاريخية الثابتة”.
وتفاعل المحامي والناشط الحقوقي خالد علي مع المنشور قائلا في تعليق: “الحديث عن التاريخ يعني الحديث عن وقائع حدثت أو لم تحدث، وبالتأكيد فصائل من المقاومة المصرية حملت السلاح ضد الاحتلال الإنجليزي، والرئيس السادات نفسه كان ضمن تنظيم مسلح بالحرس الحديدي، وتم القبض عليه مع آخرين، وذكر ذلك في مذكراته”.
وبعد موجة الانتقادات، كتب فشير تعليقا إضافيا قال فيه إن “ردود الفعل الخاصة بفلسطين مهمة ووجيهة”، لكنه رأى أن “الاستعمار البريطاني لمصر يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي بوصفه حركة استيطانية، ولا مجال للمقارنة بين الحالتين”.

المصريون قاوموا كل المحتلين
الروائي البارز يوسف القعيد عبّر عن استغرابه الشديد من كلام فشير، مؤكدا في تصريح للجزيرة مباشر أن “ما قاله فشير مرفوض شكلا ومضمونا، ولا يتسق مع الشخصية المصرية تاريخيا وواقعيا”، مضيفا أن “المصريين مارسوا حقهم المشروع في مقاومة أي محتل بالسلاح والعصيان والمظاهرات منذ فجر التاريخ وحتى الاحتلال البريطاني، وهذه المواقف لا تحتاج لإثبات”.
وأكد القعيد، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2008، أن إنكار حق الفلسطينيين في المقاومة “أمر لا يحتاج إلى نقاش”، مشيرا إلى أن “الجيش المصري نفسه خاض معارك مشرفة إلى جانب الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فكيف يُنكر على أصحاب الأرض أنفسهم حق التحرير بكل الوسائل المشروعة؟”.

صفحات من الكفاح الوطني
من جانبهه، أوضح الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، أن “الحركة الوطنية المصرية شهدت مقاومة مسلحة متواصلة ضد الاحتلال البريطاني منذ بدايته”، مشيرا إلى “جمعية الانتقام” التي تشكلت عام 1883 واتُّهم بالانضمام إليها الزعيم سعد زغلول.
وأضاف أن المقاومة المسلحة استمرت في معارك الإسكندرية وكفر الدوار والتل الكبير، مرورا بثورة 1919 وحادثة دنشواي، وصولا إلى العمليات الفدائية في القناة ومعركة الإسماعيلية الشهيرة عام 1952 التي واجهت فيها الشرطة المصرية الجيش البريطاني رغم فارق التسليح.
ودلل أستاذ التاريخ الحديث محمد عفيفي على تبني الحركة الوطنية المصرية للكفاح المسلح بحادثة اغتيال السير لي ستاك، قائلا: “تمسك الشعبان المصري والسوداني حينها بوحدة وادي النيل ورفض محاولات الاحتلال لفصل الجانبين، ما دفع الحركة الوطنية لاغتيال السير لي ستاك، سردار الجيش المصري وحاكم السودان العام، في نوفمبر/تشرين الثاني 1924، وهي من أبرز عمليات الاغتيال السياسي لضابط بريطاني رفيع، وكان لها أثر كبير في مسار التحرر الوطني”.
وأشار عفيفي أيضا إلى التنظيم السري لعبد الرحمن فهمي، الذي عمل من خلاله حزب الوفد أثناء ثورة 1919 على مقاومة الاحتلال عبر نشاط سياسي وعسكري، وأسس “جمعية اليد السوداء” التي استهدفت اغتيال المسؤولين البريطانيين والوزراء المصريين المتعاونين مع الاحتلال.
ولفت عفيفي إلى أن “المجال لا يتسع لسرد معارك التحرر الوطني المصري، لكن المثير أن هذا التحليل الغريب لم يكن من آراء فشير قبل مغادرته مصر”، مؤكدا أن “كل حركات التحرر بالعالم، من الجزائر إلى فيتنام، اعتمدت جناحين: سياسيا للتفاوض، ومسلحا لانتزاع الحقوق، وهو ما أقره القانون الدولي”.
دعوات لتصحيح الوعي التاريخي
أما الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، فرأى أن “الكفاح المسلح جزء أصيل من الحركة الوطنية المصرية لا يمكن إنكاره”، مؤكدا أن “ثورة عرابي كانت شرارة أولى لمقاومة عسكرية، تبعها رموز وطنية مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول والضباط الأحرار، وصولا للحركات الفدائية التي واجهت الاحتلال البريطاني بالسلاح”.
وأوضح شقرة أن “ثورة 1919 لم تكن مجرد احتجاجات سلمية، بل شهدت أعمال مقاومة عنيفة ضد الاحتلال حتى إعلان تصريح 28 فبراير 1922 بالاستقلال، ثم معاهدة 1936، وإلغاؤها عام 1951 إيذانًا بانطلاق حركة فدائية واسعة ضد الإنجليز في القناة، وصولا إلى ثورة يوليو 1952 وجلاء آخر جندي بريطاني عن مصر عام 1956”.
وختم المؤرخ المصري حديثه بالتأكيد أن “محاولات تشويه التاريخ الوطني وضرب الرموز لا تتوقف، وعلينا تحصين النشء بالوعي التاريخي حتى لا تختلط عليهم الحقائق”.