من غزة إلى أوروبا.. رحلة لجوء مدهشة على دراجة مائية (فيديو)

في رحلة لا تشبه سواها، اجتمع اليأس والأمل وروح المغامرة على سطح دراجة مائية صغيرة (جيت سكي)، لتشقّ طريقها عبر البحر المتوسط في ظلام الليل. محمد أبو دقة وضياء الدين إبراهيم، شابان فلسطينيان من غزة، قرّرا أن يبحرا نحو المجهول بحثاً عن حياة جديدة، بعد أن ضاقت بهما الخيارات مع الحرب.

تحدث ضياء للجزيرة مباشر عن دوافعه للقيام بهذه الرحلة قائلا “قلت لنفسي بدل ما أتعب في الصحراء شهرين، أغامر في البحر ليوم واحد، إما أموت أو أعيش، والتوفيق من الله”.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وبهذه الكلمات اتخذ قراره الذي لا عودة فيه، قرارٌ قاده إلى عرض البحر المتوسط في رحلة استمرت 12 ساعة من الظلام والرعب.

البداية من السواحل الليبية

انطلق ضياء مع محمد وثالثهما باسم من السواحل الليبية عند الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، على دراجة مائية (جيت سكي) تجرّ خلفها قارباً مطاطياً محمّلاً بالوقود.

كانت الأمواج عاتية، والبحر مظلماً، والوقود شحيحاً، وفق وصف  ضياء الذي قال “انقطع الحبل مرتين، والقارب المطاطي كاد يغرق، وأنا جسمي ما عاد يحتمل. ظهري،  يديّ، كل شيء تعب. حتى البنزين لما كنا نعبيه بوسط البحر، تفاعل مع ألمي وسبب لي حروقا والتهابات ظلت أسبوعين”.

أما محمد، فكانت رحلته إلى هذا البحر أطول وأقسى من أن تُختصر في ساعات. فهو شاب في الحادية والثلاثين من عمره، أسس مشروعاً ناجحاً في بلدته عبسان الجديدة، في خان يونس، وامتلك بيتاً وسيارة وشركة صغيرة.

“كل شيء راح بسبب الحرب”

وروى محمد قصته للجزيرة مباشر قائلا “بنيت حياتي من الصفر، وكنت على وشك أن أسافر للصين قبل الحرب بأيام، بس فجأة كل شيء راح.. البيت، المشروع، السيارة، والمستقبل”.

تمكن الشباب الثلاثة من الوصول لقرب جزيرة لامبدوزا الإيطالية حيث تم إنقاذهم
تمكن الشباب الثلاثة من الوصول لقرب جزيرة لامبدوزا الإيطالية حيث تم إنقاذهم (رويترز)

مع اندلاع الحرب، فقد محمد بيته ومصدر رزقه، واستُشهد أكثر من 200 من أفراد عائلته، نزح مع عائلته من عبسان إلى بني سهيلا في خان يونس، قبل أن يستقر في خيمة بمنطقة الميراج في رفح، وبعد شهور، ألحّت عليه والدته بالمغادرة خوفا على حياته. ورغم أنه لم يكن يريد مغادرة غزة، أطاعها على أمل أن يجد طريقًا يوصله لاحقًا إلى إنقاذ عائلته.

في 22 أبريل/نيسان 2024، غادر غزة إلى مصر، ومنها إلى الصين، حيث قدّم طلب لجوء عبر المفوضية الأممية، لكن السلطات الصينية لاحقته واحتجزته قبل أن ترحّله إلى ماليزيا، ثم ذهب إلى إندونيسيا، فمصر مجدداً، وصولاً إلى ليبيا، لكن “كل باب كنت أطرقه كان يُغلق لأن جواز سفري من غزة.. ما في بلد بدها تستقبلنا”، وفق قوله.

في ليبيا، حاول محمد أن يبدأ من جديد فأسّس مشروعا بسيطا، لكن الفوضى الأمنية والاضطرابات هناك، إلى جانب أخبار الحرب المستمرة على عائلته، جعلته ينهار، “بيتي انقصف، أولادي مرضى، ما في مأوى ولا علاج، دفعت كل اللي بملكي وقلت بدي أطلع على أوروبا بأي طريقة”.

كان هدفه واضحًا: الوصول إلى أوروبا لمحاولة إجلاء عائلته من الحرب وعلاج طفليه، سند ومحمود، “سند عنده كهرباء ومشاكل في الأعصاب، ومحمود عنده مشكلة في العين. حاولت أتواصل مع جهات تساعدنا، بس ما في حد سمعني”.

مغامرة غير معتادة

بعد أكثر من عشر محاولات فاشلة مع المهربين، قرر محمد الاعتماد على نفسه، “قلت لصاحبي باسم: ليش ما نطلع بـ (جيت سكي)؟ نغامر مرة، يمكن ربنا يكتب لنا النجاة”.

بحث على الإنترنت حتى وجد دراجة مائية معروضة للبيع في سوق الجمعة بطرابلس، فاشتراها بخمسة آلاف دولار، وجهّزها بخزان وقود إضافي، وهاتف “ثريا”، ونظام توجيه أو “جي بي إس”، وكل ما يمكن أن يمنحهم فرصة للبقاء أحياء وسط البحر.

انضم إليه صديقه باسم، ثم لاحقاً ضياء الدين، الذي لم يتردد في خوض المغامرة رغم إدراكه لخطورتها، مضيفا “أنا قرأت يمكن نص القرآن وإحنا ماشيين.. الرهبة في البحر الساعة واحدة ونص بالليل لا يمكن تخيلها، يمينك بحر، وجنبك بحر، وأمامك بحر، وضع مأساوي جداً،” وفق وصف ضياء للمشهد الذي عاشه في ظلام البحر.

أما محمد فقال “كنا ندعي: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، كما أنقذت يونس من بطن الحوت أنقذنا من هذا البحر”. واستمرت الرحلة 12 ساعة، حتى نفد البنزين في منتصف البحر.

“دورية رومانية أنقذتنا”

وتابع محمد وصف مغامرته قائلا “كان المفروض أبلغ صديقي في ألمانيا بموقعنا كل ساعة، لكن لما انقطع الاتصال ظن إننا متنا. وبعد ما كلمته بنص ساعة وصلت دورية رومانية وأنقذتنا”.

نُقل الشابان إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية عبر الصليب الأحمر، حيث قضيا ثلاثة أيام، قبل أن يُرحلا إلى مدينة جنوة، ومن هناك، واصل محمد طريقه إلى ألمانيا، بينما قرر ضياء البقاء في إيطاليا.

اليوم، يعيش الشابان في أوروبا بأمان نسبي، لكنّ قلبيهما ما زالا في غزة.. محمد الذي لا يزال يحاول لمّ شمل عائلته المحاصرة، اختتم حديثه للجزيرة مباشر قائلاً: “ما كان عندي غير حلّ واحد، يا بلحق شهداء غزة، يا بوصل لأنقذ أطفالي”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان