إسرائيل و”أم القنابل”.. ما السيناريوهات والتداعيات المحتملة لاستخدام أقوى قنبلة غير نووية؟

في إبريل/نيسان 2017، هزَّ انفجار هائل ولاية “ننغرهار” الأفغانية، وتبيَّن لاحقًا أن الجيش الأمريكي استخدم ما أصبح يعرف بـ”أم القنابل”، وهي القنبلة “جي بي يو- 43/بي إم أو أيه بي”، في تدمير أنفاق لتنظيم ولاية خراسان، التابع لتنظيم الدولة، بموافقة الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
وهناك توجه من إدارة ترامب حاليًا إلى تزويد إسرائيل بالقنبلة المعروفة بـ”أم القنابل” غير النووية، ذات القوة التدميرية الكبيرة، وإن كانت إسرائيل لم تتسلمها حتى الآن، في سياق تصعيد عسكري غير مسبوق في المنطقة منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اقرأ أيضا
list of 4 items“طوارئ” رفح: الاحتلال قتل 20 مواطنا منذ بدء الهدنة في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار
“أكثر ما يدمي القلب”.. أهالي كفركلا بجنوب لبنان يعودون مشيا إلى قريتهم وهكذا بدت (شاهد)
بالأعلام والهتاف والأغاني الشعبية.. جماهير البوسنة تناصر فلسطين خلال مباراة للهوكي مع إسرائيل (فيديو)
يأتي هذا التوجه في إطار إستراتيجية أمريكية إسرائيلية تعتمد على التلويح بالقوة واستعراض القدرات الهجومية المتطورة، مثل القاذفات الشبحية والأسلحة الخارقة للتحصينات، خاصة منذ بداية الحرب في غزة.
وكانت إسرائيل حصلت مؤخرًا على قنابل ثقيلة “إم كيه- 84″، وهي مخصصة لتدمير المواقع الاستراتيجية.

تساؤلات وتداعيات
وتعد القنبلة “جي بي يو- 43/بي إم أو أيه بي”، التي تزن نحو 9.8 أطنان، سلاحًا مصممًا بالأساس لتدمير الكهوف والمخابئ الجبلية العميقة، كما حدث في “ننغرهار” الأفغانية، لكن وجود هذا السلاح، أو حتى مجرد احتمالات استخدامه، في مناطق سكانية كثيفة بالشرق الأوسط يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ويعود القلق الإقليمي إلى أنه منذ تصنيع القنبلة قبل حوالي 22 عامًا، كان لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحفظ على تصديرها إلى إسرائيل، ما يعني أن التوجه الجديد قد يكون مرتبطًا باستراتيجية أمريكية مختلفة تجاه المنطقة في عهد ترامب، وفقًا للخبير العسكري اللبناني اللواء علي شحرور.
وقال شحرور للجزيرة مباشر “في تقديري، هناك متغير مهم سمح لأمريكا بالتوجه إلى إعطاء هذا النوع من القنابل لإسرائيل، رغم أكثر من عقدين من التحفظ على تصديرها لتل أبيب”.
وأوضح شحرور أن “التحفظ الأمريكي كان مرتبطًا بدول تقع في مناطق ساخنة أو متوترة، لكن تجاوز المعايير مع إسرائيل يوضِّح أنها تعيش مرحلة غير مسبوقة من التوتر وسط محيطها، ونواياها المبيَّتة في المنطقة، وخصوصا ضد حزب الله ومنشآت نووية إيرانية”.
سيناريوهات “أم القنابل”
ورجح شحرور أن “هذا النوع من القنابل قد يُستخدم ضد أحد هدفين: إما منشآت نووية إيرانية، أو تحصينات تابعة لحزب الله في السلسلة الشرقية في لبنان، باعتبارها هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل”.
وتمتلك إيران، وفقًا لما أعلنه الحرس الثوري الإيراني، منصات إطلاق صواريخ باليستية قصيرة المدى وبعيدة، تعمل ضمن نظام آلي تحت الأرض في كهوف محصنة، حيث يتم تحريك مجموعات الصواريخ الجاهزة للإطلاق بشكل آلي.
ويستبعد، شحرور إقدام إسرائيل على استخدام “أم القنابل” في الداخل الفلسطيني، موضحًا أن “الضفة الغربية لا تضم أهدافًا تستدعي استخدامها، كما أن قطاع غزة لم يعد يحتوي على أهداف عسكرية تتطلب قنبلة بهذه القوة التدميرية”.
ولفت شحرور إلى دلالة التوقيت بقوله “إذا قررت إدارة ترامب تزويد إسرائيل بهذه القنابل، فهذا مؤشر على تحرك عسكري وشيك”.
وتبدو احتمالات استخدام “أم القنابل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضعيفة، عسكريًا وتكتيكيًا، في ظل انتشار الجيش الإسرائيلي في نقاط استراتيجية داخل غزة، وتداخل التجمعات الاستيطانية والفلسطينية في الضفة، كما أن “استخدامها في بيئة مكتظة بالسكان سيكون كارثيًا”، وفقًا لشحرور.

ويُعد قطاع غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية عالميًا، حيث يتجاوز عدد سكانه 2.3 مليون نسمة موزعين على مساحة تُقدَّر بنحو 360 كيلو مترًا مربعًا، مع تمركز النسبة الأكبر منهم، خلال أشهر الحرب في جنوب القطاع.
“الأرجح أن إيران هي الهدف”
وقال الأكاديمي الفلسطيني البريطاني مكرم خوري-مخول للجزيرة مباشر “لا يمكن استبعاد تفكير ترامب ونتنياهو في استخدام القنبلة لتدمير جزء أكبر من غزة أو استهداف لبنان في حال عدم رضوخ المقاومة وفشل محاولات تقويضها، لكن الأرجح أن الهدف الأساسي هو إيران“.
وأوضح خوري-مخول، مدير مركز كيمبريدج لدراسات فلسطين، أن “التصريح بنيّة إرسال أقوى القنابل إلى إسرائيل يندرج تحت ما يمكن اعتباره جرائم إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا وخصوصا في ظل التلويح بتوسيع نطاق الصراع إقليميًا”.
وأشار إلى أن لهذه الخطوة 3 أهداف رئيسة “أولها، استخدامها كأداة في الحرب النفسية ضد إيران، لدفعها إلى قبول شروط ترامب ونتنياهو بشأن مشروعها النووي. وثانيًا، تفعيل عامل الردع إلى مستوى قد يجبر طهران على إعادة النظر في إستراتيجيتها لدعم المقاومة”.
أما الهدف الثالث، بحسب خوري-مخُّوُل، فهو “تقويض القدرات العسكرية لجبهة المقاومة فعليًا، إذ إن ترامب ونتنياهو يسعيان إلى تحقيق انسجام تام في عدوانهما على فلسطين، ما يجعلهما في حالة توافق تام ضد إيران والمقاومة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية”.
حسابات وقدرات
من جانبه، يرى الخبير العسكري الأردني، اللواء علي الصمادي، في حديثه للجزيرة مباشر، أن “اتجاه إدارة ترامب لتزويد إسرائيل بأم القنابل لا يمكن فصله عن السياق الإستراتيجي والسياسي الأوسع، حيث تُرسم السياسات الأمنية والإقليمية وفق حسابات معقدة تشمل الردع والتحذير”.
وحول قدرات هذه القنبلة يوضح الصمادي أنها “سلاح ذكي، مزود بنظام توجيه دقيق يعتمد على نظام جي بي إس، إضافة إلى زعانف تثبيت ونظام للتحكم في زاوية الانحدار والانزلاق. حيث يبلغ طولها 9.1 مترا، وقطرها نحو 103 سنتيمترا”.
وأضاف “أن هذه القنبلة الارتجاجية تصل تكلفتها إلى حوالي 16 مليون دولار، وتزن نحو 9800 كيلو غراما، وتعادل قوتها التدميرية أكثر من 8 أطنان من المتفجرات، ما يجعلها قادرة على اختراق التحصينات الأرضية بفعالية كبيرة، وخصوصًا في التضاريس الجبلية والكهوف، حيث يصل عمق اختراقها إلى 60 مترًا عند انفجار رأسها الحربي”.
أما عن تأثيرها الانفجاري، فيشير الصمادي إلى أنها “مصممة للانفجار قبل ملامسة الأرض، مما يعزز تأثير موجة الصدمة، التي قد تمتد حتى 150 مترًا، وهو ما يضاعف قدرتها التدميرية عند إطلاقها من طائرات متخصصة، مزودة بأنظمة ملاحية متطورة لضمان دقة إصابة الأهداف”.
وتتوفر هذه القدرات في سلاح الجو الأمريكي، ويمكن حملها عبر طائرات النقل العسكري “سي- 130 هيركليس” و”سي-17 غلوب ماستر 3»، بالإضافة إلى القاذفات الاستراتيجية من طراز “بي-52 ستراتوفورتريس”.
مخاطر “أم القنابل”
تتعدد الآثار البيولوجية المترتبة على تفجير هذه القنبلة، وخصوصا في التربة والمياه والهواء، لأن مكوناتها تحتوي على مركبات كيميائية مثل “تي إن تي وآر دي إكس” التي تبقى جزيئياتها في البيئة لفترات طويلة، وفقا لما ذكره الصمادي.
وأفاد الصمادي بأن انفجار قنبلة زنة 2000 رطل (907 كيلو غرامات) يقتل أي شخص على بُعد 30 مترًا، فيما تمتد الشظايا القاتلة حتى 365 مترًا، متسببة في القتل والتشويه والإصابات البالغة، إضافة إلى أضرار جسدية ونفسية طويلة الأمد.
وبيئيا، حذر الصمادي من أن “القنابل الحرارية الفراغية، والفسفورية الحارقة، واليورانيوم المستنفد، تتسبب في أضرار كبيرة، بعد تفكيك هذه المركبات نتيجة التفجير، حيث تنبعث جزيئات دقيقة سامة وشديدة الخطورة من المواد الكيميائية” تضر بالتربة والمياه والتنوع البيولوجي والأنظمة البيئية.
مأزق القنبلة العملاقة
رغم أن إسرائيل لم تحصل بعد على “أم القنابل”، فإن كشف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن ملامح الصفقة يثير تساؤلات حول قانونيتها.
ورغم أن القنبلة ليست محظورة بموجب القوانين الدولية، فإن استخدامها يخضع لقيود إنسانية وعسكرية صارمة.
وتتعامل التشريعات الدولية مع القنبلة من منظورين، الأول عسكري، حيث لا يوجد قانون يحظر استخدام القنابل التقليدية ذات القدرات التدميرية الكبيرة، والثاني إنساني، حيث يشدد القانون الدولي على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، مع الالتزام بمبدأ التناسب بين الأثر العسكري والضرر الجانبي.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان من استخدام الأسلحة ذات التأثير واسع النطاق في المناطق المأهولة، مؤكدة ضرورة اتخاذ الاحتياطات الممكنة جميعها لتجنب وقوع إصابات جماعية.
وتثير تصريحات ويتكوف عن إمكانية تسليم هذه النوعية من القنابل إلى إسرائيل تساؤلات كثيرة، من أهمها التساؤل حول إمكانية أن يمضي ترامب قدما في إتمام الصفقة كأداة ردع، أم أنه يستخدمها فقط كورقة ضغط إعلامية وسياسية.
هذا علاوة على تأثير مثل هذه الخطوة في التحالفات الإقليمية والدولية، إذ قد تدفع دولًا كروسيا والصين إلى تعزيز دعمها العسكري للأطراف التي قد تستهدفها إسرائيل، مثل إيران.