ألف يوم في الزنزانة.. قصة عالم هندي مسلم يعاني ويلات السجن بعد احتجاجه على الإساءة إلى النبي محمد

في صباح بارد، كان معز الدين منشغلًا بتعليم طلابه في مدرسة قريته الصغيرة أميتي شريف، في ولاية أوتار براديش الهندية، عندما تلقى مكالمة غير متوقعة من شقيقه العالم المسلم البارز قمر غني عثماني، المسجون بسبب تعبيره عن غضبه تجاه زعيم هندوسي أساء إلى النبي محمد ﷺ.
وتحدَّث قمر غني عثماني من سجن سابارماتي السيئ السمعة في ولاية غوجارات الهندية، حيث قضى نحو 1000 يوم خلف القضبان.
بصوت ضعيف ومثقل بالمعاناة، تبادل الشقيقان التحية، وسأل كل منهما عن صحة الآخر. لكن ما أدهش معز الدين لم يكن مجرد سماع صوت أخيه بعد هذه المدة الطويلة، بل في الطلب الذي فاجأ شقيقه: طلب أخوه المسجون منه أن يكتب رسالة نيابة عنه إلى رئيسة جمهورية الهند، دروبادي مورمو.
لم يكن طلبه مجرد استغاثة، بل صرخة احتجاج من داخل زنزانة انفرادية، حيث يقضي أيامه في عزلة، محرومًا من أبسط الحقوق الإنسانية.

حُرم حتى من كرسي
وقال معز الدين للجزيرة مباشر “أنا وعائلتي كنا نعلم جيدًا ما كان يمر به أخي في السجن، زنزانة معزولة وضيقة وقذرة وكريهة الرائحة، لا أحد ينظفها. لم تكن هناك أي وسائل راحة أساسية. تعرَّض أخي للتعذيب وعانى معاناة شديدة. بات ضعيفًا للغاية، حتى أنه لم يعد قادرًا على الوقوف أو الجلوس بشكل طبيعي. كان مضطرًّا إلى أداء صلاته على مقعد مرحاض مكسور، لأنه حُرم حتى من كرسي”.
وكتب معز الدين رسالة إلى رئيسة الهند في 22 يناير/كانون الثاني، ينقل فيها معاناة شقيقه (44 عامًا)، وما قاله خلال مكالمته الأخيرة. جاءت هذه الخطوة بعد أن مُنع شقيقه من كتابة أي رسالة أو توثيق لمعاناته داخل السجن.

“تهمة القتل والإرهاب”
أفاد معز الدين للجزيرة مباشر بأن شقيقه قمر غني عثماني، العالم الإسلامي البارز، يواجه ظروفًا قاسية داخل سجن سابرمتي في ولاية غوجارات منذ اعتقاله في يناير 2022. بدأت محنته بعد احتجاجه على تصريحات مسيئة إلى النبي محمد ﷺ أدلى بها كِشَن بارواد، الزعيم الهندوسي المحلي في غوجارات، الذي قُتل لاحقًا في ظروف غامضة.
ورغم أن احتجاجات قمر غني كانت سلمية واقتصرت على منصات التواصل الاجتماعي، فإن شرطة غوجارات اعتقلته ووجهت إليه تهمًا خطيرة، مستندة إلى “قانون الإرهاب”.
وأضاف معز الدين “بدلًا من التحقيق في مقتل كشن بارواد بإنصاف، ألقت شرطة غوجارات القبض على شقيقي واتهمته بالتحريض على القتل، دون أي دليل واضح”.
وذكر معز الدين أن شقيقه تعرَّض خلال مدة احتجازه لنوبة قلبية، كما كشف في رسالة وجَّهها إلى الرئيسة الهندية دروبادي مورمو عن المعاملة المهينة وظروف احتجاز شقيقه غير الإنسانية داخل السجن.
وطالب عثماني في رسالته إلى الرئيسة الهندية باتخاذ إجراءات صارمة ضد قادة هندوس متشددين، وصفهم بأنهم “يحرضون على الكراهية” بسبب تصريحاتهم المسيئة إلى النبي والإسلام.
“ازدواجية” مودي
وانتقد عثماني في رسالته التي نقلها أخوه ما وصفه بازدواجية رئيس الوزراء ناريندرا مودي في تعامله مع المسلمين.
وقال “من ناحية، يحصل رئيس الوزراء على جوائز من قادة الدول الإسلامية، ومن ناحية أخرى، يُضطهد المسلمون في الهند. هؤلاء المتطرفون يواجهون عشرات من التهم، بل إن المحكمة العليا أصدرت توجيهات صارمة ضدهم. ومع ذلك، لا يتم القبض عليهم”.
وأضاف أنه حتى في حال اعتقال هؤلاء المتطرفين بسبب تصريحاتهم التحريضية، فإنه يُطلَق سراحهم سريعًا، إذ توجه إليهم الشرطة تهمًا بسيطة لا تستوجب الاحتجاز مُددًا طويلة، أما الذين يرفعون أصواتهم ضد هذا الخطاب المتطرف، فيجدون أنفسهم متورطين في قضايا ملفقة، أو يتعرضون لهدم منازلهم.
وأشار قمر غني إلى أن العديد من المسلمين زُجَّت أسماؤهم في قضايا وهمية لمجرد مطالبتهم باتخاذ إجراءات قانونية ضد شخصيات معروفة بتصريحاتها المسيئة إلى النبي محمد، مثل نارسيمهاناند وبينكي تشودري.
“لا أمل في الإفراج عنه”
وفي رسالته تحدَّث قمر غني عن التمييز والانتهاكات التي تعرَّض لها في السجن على مدار 3 سنوات، قائلًا “تحت ضغط من شرطة مكافحة الإرهاب، ارتكبت إدارة السجن ظلمًا ممنهجًا بحقي. لقد قدّمت تفاصيل هذه الانتهاكات إلى محكمة الدرجة الأولى في جلسات عدة، ولكن لم أحصل على أي إعفاء من المحكمة”.
ورفضت المحكمة العليا التماس عثماني بالإفراج عنه بكفالة في إبريل/نيسان 2023. وجاءت هذه الانتكاسة بعد سلسلة من المحاولات للحصول على الإفراج بكفالة، إذ رفضت المحكمة الأدنى طلبه، وكذلك المحكمة العليا للولاية، مما جعله يواجه مصيرًا غامضًا داخل السجن دون أي أمل قريب في الإفراج عنه.
وكشفت الرسالة أيضًا عن الظروف الصعبة التي يواجهها عثماني داخل السجن، بما في ذلك احتجازه انفراديًّا مدة 116 يومًا. كما أشار إلى تعرُّضه لإهمال طبي جسيم، إذ لم يحصل على الرعاية اللازمة رغم تدهور صحته وإصابته في ساقيه، وقال عثماني إن تقاريره الطبية جرى التلاعب بها لمنعه من الحصول على الإفراج الصحي المشروط.
“أخي ليس قاتلًا”
يؤكد معز الدين أن شقيقه لم يرتكب أي جريمة، فهو لم يقتل أحدًا ولم يحرض على القتل.
وأضاف “بالنسبة لعائلتي، أصبحت هذه المحنة رحلة طويلة من الألم والمعاناة. فابن شقيقي البالغ من العمر 14 عامًا يدرس القرآن في مدرسة دينية، وابنته البالغة من العمر 10 سنوات تعيش معي. أما زوجته فقد أرسلناها إلى منزل والدتها، لأننا لا نريدها أن تشهد الظلم والمعاملة القاسية التي تتعرض لها عائلتنا من قِبل الشرطة الهندية”.
وتحدَّث معز الدين عن الصعوبات التي يواجهها في زيارة شقيقه المحتجز في سجن سابارماتي، قائلًا “أسافر لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر لزيارة أخي. آخر مرة تمكنت فيها من رؤيته كانت في سبتمبر/أيلول 2024. حاولت زيارته مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول، لكن سلطات السجن منعتني”.
إضراب عن الطعام
ورغم معاناته الشديدة، فقد بدأ العالم قمر غني إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على استمرار قادة هندوس متطرفين في الإدلاء بتصريحات مسيئة إلى النبي محمد في الهند.
وأكد معز الدين أن شقيقه “حتى لحظة الاتصال، لم يُنهِ إضرابه”، مضيفًا “نحن قلقون للغاية لأن حالته الصحية متدهورة بالفعل، وإذا استمر في هذا الاحتجاج فقد تتفاقم حالته أكثر”.