“الأرز الأسود” يظهر في مصر.. لماذا تحظر الحكومة زراعته؟

فرق مركز البحوث الزراعية تكثف جهودها للحفاظ على الأرز الأبيض (صورة من الصفحة الرسمية لمركز البحوث الزراعية)

كان مجرد طرح تساؤل عن الأرز الأسود بمصر كفيلا بإنهاء حوار مع عدد من المزارعين بمحافظة البحيرة غرب الدلتا، لكن المزارع محمد قاسم كشف للجزيرة مباشر عن زراعات محدودة تتم “خلسة”، وعلى نطاق محدود جدا، بعد أن قررت الحكومة حظره رسميا وتوعدت المخالفين بالعقوبات.

وأوضح قاسم أن الأرز الأسود قابل للزراعة بمصر مثل الأرز الأبيض، وأنه يستهلك كميات المياه نفسها تقريبا، مشيرا إلى أنه لا يفهم سبب الحظر، ويسعى لزراعته بعد أن طلبته بعض الشركات التي تستورده من الهند وتايلاند، ويباع بالسوق المحلية بسعر يتجاوز الألف جنيه للكيلو الواحد (19.7 دولارًا).

وعلى أرفف مراكز التسوق الكبرى فقط تظهر عبوات الأرز الأسود المستورد حيث لا يجد إقبالا إلا من “ميسوري الحال” على حد وصف سامي عباس، موظف مبيعات، للجزيرة مباشر.

وأوضحت شعبة المواد الغذائية أن الحكومة منعت زراعة الأرز الأسود وتداوله بالأسواق نهائيًا داخل البلاد حفاظًا على الاقتصاد الوطني، وحماية صحة المواطنين، فضلًا عن الحفاظ على البيئة.

وقال حازم المنوفي، عضو الشعبة، متحدثا في الورشة الدولية لتمكين صغار المزارعين، إن سبب حظر زراعة الأرز الأسود يعود إلى تأثير زراعته على استهلاك المياه “إذ يحتاج الأرز الأسود إلى كميات أكبر مقارنة بالأرز التقليدي، وهو ما قد يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وإهدار الموارد المائية”، كما أشار إلى أن زراعته تقتصر على الأغراض البحثية.

لكن في مقابل ذلك، وبينما يكثف مركز البحوث الزراعية الجهود للحفاظ على الأرز الأبيض قال عبد التواب بركات، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، للجزيرة مباشر إن الأرز الأسود يحاط بمجموعة مغالطات علمية تروج لكونه شرها لاستهلاك المياه “لكنها مبررات لمحاربة زراعته”، على حد تعبيره.

وأشار بركات إلى أن زراعة الأرز الأسود في مصر وفي غيرها من الدول قد تعطي نصف إنتاجية الأبيض، الذي يتضرر إذا تجاورت زراعتهما، حيث سينتج عن ذلك “أرز خليط يحمل صفات إنتاجية أقل في مقاومة الأمراض النباتية”.

ظهور الأرز الأسود بمراكز التسوق يكشف عن انتشار متوقع
ظهور الأرز الأسود بمراكز التسوق يكشف عن انتشار متوقع (الجزيرة مباشر)

طعم غير مستساغ

ولفت بركات إلى أن المستهلك المصري ينفر من اللون الأسود لهذا النوع من الأرز فضلا عن “طعم غير مستساغ لدى كثير من المستهلكين”. أما ارتفاع سعره فيرجع كما يقول بركات لاستيراده بالدولار، وهو ما يرفع سعر السلع الغذائية المستوردة عموما.

وأوضح بركات أن الأرز الأسود يحتوي على صبغة “الأنثوسيانين الداكنة”، ومن لونها جاءت تسميته، ولها فوائد صحية لأنها من مضادات الأكسدة”، مضيفا أن “الأرز الأسود يتميز باحتوائه على نسبة عالية من الحديد والزنك، والتي يمكن أن تعالج التقزم عند الأطفال”.

ورغم فوائده الصحية يرى بركات أن “هناك بعض المبالغة، فهذه الصبغات المضادة للأكسدة، والعناصر المعدنية موجودة بكثرة في البقوليات والخضروات الورقية”.

وظهر الأرز الأسود بداية في الصين حيث كان حكرا على الطبقات الحاكمة دون عامة الناس، وعرف باسم “أرز الملوك”، ثم انتشر بعد ذلك مدفوعا بتأكيدات من خبراء التغذية بأنه يحتوي على نسب عالية من الألياف والمعادن، ونسبة منخفضة من السكر، وأنه قد يفيد في الوقاية من أمراض القلب والسرطان.

وقال الباحث في علوم الأغذية عمار ياسر للجزيرة مباشر إن الأرز الأسود غير مقبول للذوق المصري، ويتميز بقوام لزج قليلا عند الطهي لكنه يتميز بعدد من الخصائص الأخرى من بينها:

  • غني بمضادات الأكسدة ويساعد في مقاومة الشيخوخة والأمراض المزمنة.
  • مصدر مهم للألياف ويعزز صحة الأمعاء.
  • مفيد لمرضى حساسية الغلوتين.
  • يحتوي على نسب جيدة من البروتين والحديد.
  • يعزز الطاقة وصحة الدم.
  • يساعد في تنظيم مستوى السكر بالدم.
شركات الأرز المستورد تبيع الكيلو جرام بنحو 1200 جنيه (صورة من عروض صفحة إحدى شركات الاستيراد)
شركات الأرز المستورد تبيع الكيلو جرام بنحو 1200 جنيه (صورة من عروض صفحة إحدى شركات الاستيراد)

خيار أكثر صحة

وفي تواصل للجزيرة مباشر مع شركات لتسويق وبيع هذا الطبق المحظور تحدثت مايسة جابر، وهي مندوب تسويق بمنطقة المعادي في القاهرة، للجزيرة مباشر عن إقبال متزايد على شراء الأرز الأسود، لكنها “من جانب الطبقات الغنية” نظرا لأن سعر الكيلو غرام يتجاوز 1200 جنيه (نحو 24 دولارا)، وتشدد المندوبة على أن “فوائده الكبيرة في التخسيس ضاعفت الإقبال عليه”، مشيرة إلى أن “المنتج المتاح حاليا مستورد وسط توقعات بوجود منتج محلي قريبا”.

ولسنوات عديدة، كان الأرز البني أو الأسمر، هو الخيار الأكثر صحة لعديد المستهلكين مقارنة بالأرز الأبيض، لكن “المستقبل للأسود” كما تقوله مندوبة التسويق “عندما ينخفض السعر”، وتعترف بأن بعض الشركات تبيع الأرز الأبيض على أنه “الأسود بعد صبغه” وهو ما يعزز المخاوف الصحية.

من جهة أخرى وفي إطار سياسات ترشيد المياه، أعلنت وزارة الري عن تحديد المساحات المخصصة لزراعة الأرز (الأبيض) بحوالي مليون فدان، تشمل 250 ألف فدان للأصناف التجريبية والمقاومة للملوحة، دون أي ذكر للأرز الأسود، ما يعني استمرار حظره رسميا.

وتحتاج زراعة الأرز إلى وفرة في المياه، وهو ما دفع الحكومة إلى تقليص المساحة المزروعة بشكل تدريجي منذ عام 2015، كما حظرت زراعته بمحافظات الوجه القبلي.

وطبقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء كانت المساحة المزروعة من الأرز مليونًا و400 ألف فدان عام 2015-2016، بينما بلغت في السنوات الأخيرة أقل من 1.1 مليون فدان.

وبالمخالفة للقرارات الحكومية تجاوزت المساحة الفعلية التي تمّت زراعتها بالأرز خلال الموسم الماضي 1.6 مليون فدان، وسط مخاوف من تحديات تواجهها الموارد المائية في مصر بسبب تبعات إنشاء سد النهضة الإثيوبي، ويبدأ موسم الزراعة في شهر مايو/أيار من كل عام، فيما يكون الحصاد عادة خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان