سوريا بين ركام الحرب وإعادة الإعمار: تحديات كبيرة وأرقام صادمة

سوريا بين ركام الحرب وإعادة الإعمار: تحديات كبيرة وأرقام صادمة (الفرنسية)

وسط أنقاض منزله في حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق، وقف عثمان جحى متأملًا كومة الحجارة التي كانت تضم ذكرياته وأحلامه.

وقال عثمان جحى للجزيرة مباشر -وهو واقف على أنقاض منزله في حي جوبر- “لم أستطع حتى زيارة قبر والدي، كان شعورًا قاسيًا عندما رأيت بيتي وقد تحول إلى ركام، لم يعد هناك مجال للعودة”.

وحال حي جوبر ليس استثناءً، إذ تعرضت العديد من المدن السورية لدمار هائل، جعل من إعادة الإعمار تحديًا يفوق قدرة الاقتصاد السوري المنهك.

ورقة نقدية سورية جديدة من فئة 1000 ليرة سورية ونسخة قديمة تحمل صورة حافظ الأسد (الفرنسية)

أرقام ضخمة وتقديرات متباينة:

تُقدر تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بين 300 إلى 500 مليار دولار، وفقًا لمصادر، منها تقارير الأمم المتحدة وتصريحات لمياء عاصي، وزيرة الاقتصاد السورية السابقة.

وصرحت لمياء عاصي للجزيرة مباشر، أن “الرقم الدقيق لإعادة الإعمار غير واضح، لكنه يتجاوز 5 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا عام 2010، والذي كان يبلغ 61 مليار دولار.. التحدي الأكبر ليس فقط التمويل، بل أيضًا التوافق الوطني حول الأولويات”.

من جانبه، أكد المهندس المدني بشار الحلبي أن حجم الدمار يشمل ما يتراوح بين 150 ألف و300 ألف وحدة سكنية، مشيرًا إلى أن 30% من إجمالي البناء في سوريا قد تضرر.

وقال للجزيرة مباشر “يمكن خفض تكلفة الإعمار من خلال إعادة تدوير الأنقاض، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب التمويل اللازم”، وأضاف أن “الاقتصاد السوري قد يحتاج إلى نحو قرن كامل ليتمكن من إعادة الإعمار بشكل مستقل”.

وأضاف قائلا “بينما قد تختصر المدة إلى ما يتراوح بين 10 سنوات و25 عامًا في حال وجود دعم من الدول المانحة”.

قطاعات بأكملها خارج الخدمة

كان للحرب آثار مدمرة على قطاعات كاملة، أولها القطاع السكني والبنية التحتية، وقال نقيب المهندسين المدنيين السابق غياث القطيني، إن الحرب دمرت مليون وحدة سكنية في 16 مدينة رئيسة.

وكانت نسبة الدمار على النحو التالي: 20-25% دمار كلي، و30-35% دمار بالغ لا يمكن إصلاحه، و45-50% دمار جزئي يمكن إصلاحه.

أما البنية التحتية، فقد تضررت بنسبة 70%، وشملت هذه الأضرار 50% من الطرق والجسور، و40% من المستشفيات والمرافق الصحية، و80% من المدارس، وأكثر من 80% من حوامل الطاقة والمياه.

مشاكل قطاع الكهرباء

قطاع الكهرباء، الذي تضرر بشكل كارثي، أكدت بيانات وزارة الكهرباء السورية أن 59 محطة تحويل كهرباء قد دُمرت بالكامل، بينما خرج 129 خط توتر عالٍ عن الخدمة، وهو الحال نفسه مع 80% من حوامل الطاقة في المدن المدمرة.

وأوضح تقرير لوزارة الكهرباء السورية، حصلت عليه الجزيرة مباشر، أن التوزيع الجغرافي للأضرار جاء كالتالي: الشمال (حلب وإدلب) 36 محطة مدمرة، تمثل 59% من محطات الشمال.

وفي الشرق (دير الزور والرقة) 7 محطات مدمرة، تمثل 12% من محطات الشرق، أما في الوسط (حمص وحماة) فهناك 5 محطات مدمرة، تشكل 9% من محطات الوسط، بينما في الجنوب (دمشق وريفها ودرعا) هناك 11 محطة مدمرة، تشكل 20% من المحطات في الجنوب.

وقال التقرير إن “عصابات تابعة لنظام الأسد قامت بسرقة محتويات المحطات وبيعها في أسواق الخردة”.

عدد قليل من النازحين السوريين في لبنان عادوا لسوريا بعد سقوط النظام
عدد قليل من النازحين السوريين في لبنان عادوا لسوريا بعد سقوط النظام (رويترز)

القطاع الصناعي

وفيما يخص القطاع الصناعي، قال رجل الأعمال الذي يعمل في مجال الصناعة (وليد طيفور) إن الحرب أعادت سوريا صناعيًا إلى ما قبل عام 2000.

وأضاف في تصريح للجزيرة مباشر: “توقفت آلاف المصانع عن العمل بسبب الدمار، بينما تعاني المصانع المتبقية من ارتفاع الضرائب وأسعار الكهرباء والمياه”.

ورأى طيفور أن هناك تحديات اقتصادية تواجه القطاع الصناعي، من أبرزها فقدان السيولة المالية نتيجة تدمير رأس المال المحلي، وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والضرائب بشكل غير منطقي، ونقص اليد العاملة بسبب الهجرة والتهجير القسري.

وقدر طيفور أن استئناف الإنتاج يحتاج إلى عدد من الإجراءات، من بينها تقديم تمويلات ضخمة للمصنعين والمقاولين، وحوافز ضريبية، وخفض فواتير الكهرباء والمياه والمحروقات، وتسهيل إجراءات التصدير.

الشيباني يسعى لرفع العقوبات الغربية على سوريا
الشيباني يسعى لرفع العقوبات الغربية على سوريا (غيتي)

من يدفع فاتورة إعادة الإعمار؟

مع تراجع القدرات الاقتصادية السورية، يرى خبراء أن تمويل إعادة الإعمار سيعتمد على 3 عناصر وهي: الدول المانحة، والقروض والمساعدات الدولية، وإعادة تدوير الأنقاض.

وأولى هذه الدول المانحة هي قطر وتركيا، لخبرتهما في مشاريع إعادة الإعمار في مناطق الحروب، والاتحاد الأوروبي، لأن لديه برامج تمويل لدول ما بعد النزاعات، لكنه يربط الدعم بشروط سياسية، والولايات المتحدة، التي قد تقدم مساعدات عبر برامج إعادة الاستقرار رغم العقوبات التي تفرضها على سوريا.

وعن القروض والمساعدات الدولية قالت لمياء عاصي، للجزيرة مباشر إن هناك خيارات مثل الحصول على قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أو الحصول على منح ومساعدات من الدول العربية، لكنها حذرت من أن القروض قد تؤدي إلى إغراق سوريا بالديون لعقود طويلة.

وبالنسبة لإعادة تدوير الأنقاض، يرى بشار الحلبي أن سوريا قد توفر بعض التمويل عبر إعادة تدوير الأنقاض لتوفير مواد البناء محليًا.

لقاء جمع أحمد الشرع مع الفصائل العسكرية نوقش فيه شكل المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة

كم تستغرق إعادة الإعمار؟

وقدر غياث القطيني أن إعادة الإعمار قد تستغرق ما يتراوح بين 7 و10 سنوات في حال توفر الظروف المثالية، لكنه أضاف قائلا “إذا استمر الوضع السياسي الحالي، فقد تمتد العملية إلى 25 عامًا أو أكثر”.

وأكد بشار الحلبي أن الاقتصاد السوري قد يحتاج لقرن من الزمن ليعيد بناء نفسه دون دعم خارجي، وأوضح أن التعاون مع الدول المانحة يمكن أن يختصر المدة إلى ما بين 10 سنوات و25 عامًا، مشيرًا إلى أهمية التمويل الدولي والتكنولوجيا الحديثة في تسريع وتيرة إعادة الإعمار.

لكن إعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء، بل إعادة حياة لملايين السوريين الذين تضرروا من الحرب بأشكال مختلفة، وفي ظل الوضع الاقتصادي والسياسي الحالي في سوريا والمنطقة، يبقى السؤال: هل هناك إرادة حقيقية لإعادة الإعمار، أم ستظل سوريا تحت ركام الحرب لعقود مقبلة؟

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان