بعد ظهور شاب صعيدي أسير لدى أوكرانيا.. كيف وقع مصريون بمصيدة التجنيد في روسيا؟

أثار ظهور شاب مصري في الأسر لدى الجيش الأوكراني تساؤلات عن الظروف التي أوصلته إلى هذا المصير، وسط تقارير تشير إلى أن العديد من مواطني بلده سلكوا الطريق ذاته، بعد ذهابهم إلى روسيا للدراسة أو العمل، فسقطوا في مصيدة التجنيد لدى الجيش الروسي أمام إغراءات من بينها الحصول على الجنسية ورواتب شهرية.
وظهر الشاب المصري في فيديو نشره صانع محتوى أوكراني يُدعى “ديميتري كاربينكو”، وهو معروف بإجراء مقابلات مع أسرى الحرب الروس.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحرب أوكرانيا وغزة تعيد تشكيل التحالفات العالمية
مستشار الأمن القومي الأمريكي: الإهانات التي وجهتها كييف لترامب غير مقبولة (فيديو)
ماكرون: هذا ما سأقوله لترامب بشأن بوتين خلال زيارتي لواشنطن
كيف سقط “محمد” في الفخ؟
في المقابلة، عرَّف محمد نفسه بأنه من محافظة قنا جنوبي مصر، وأجرى خلال المقابلة مكالمة فيديو مع والدته ليطمئنها عليه.
محمد شاب من أسرة صعيدية متوسطة، يعمل والده عاملًا بالأجر اليومي، كان يطمح إلى دراسة الطب، لكنه لم يحصل على المجموع المطلوب في مصر، فقرر الالتحاق بإحدى كليات الطب في روسيا، التي لا تشترط درجات عالية في الشهادة الثانوية.
غير أنه بعد سفره، اكتشف أنه لا يستطيع دفع المصروفات الدراسية، فعمل في توصيل الطلبات بجانب الدراسة، ومع ذلك لم يتمكن من تغطية تكاليف دراسته، مما أدى إلى فصله من الجامعة وإلغاء تأشيرة دخوله لروسيا.
لم يتمكن محمد من العودة إلى مصر بسبب ضيق الحال، وفي أثناء عمله في التوصيل، جرى إلقاء القبض عليه أثناء نقل طرد يحتوي على مواد مخدرة دون علمه، وحُكم عليه بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، حسب ما روى في المقابلة مع كاربينكو.
بعد نحو عام في السجن، عرضت عليه السلطات الروسية خيارين: إكمال العقوبة أو الانضمام إلى الجيش الروسي مقابل الحصول على الجنسية الروسية وراتب شهري، فاختار محمد القتال، لكنه وقع أسيرًا لدى الجيش الأوكراني، ليجد نفسه قد خسر كل شيء.
ليس الوحيد في الفخ
في يوليو/تموز 2024، كشف نداء استغاثة وجَّهه شاب يُدعى محمد جمال، عبر موقع “نوفوستي فولوغوغرادا” المحلي في مدينة فولغوغراد جنوب روسيا، عن تجربة قاسية يمر بها.
جمال الحاصل على الجنسية الروسية بموجب مرسوم رئاسي، تقديرًا لمشاركته في الحرب ضد أوكرانيا ضمن صفوف القوات الروسية، وقع ضحية لثغرات قانونية، إذ انتهى عقده السنوي مع القوات الروسية في إبريل/نيسان 2023، ولكن تم إخطاره بأن عقده غير محدد المدة.
وأوضح محمد جمال (27 عامًا) أنه قرر الاستنجاد بوزارة الدفاع الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر وسائل الإعلام بسبب تخاذل المسؤولين المحليين عن تقديم شرح له، يتعلق بأسباب عدم الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في عقد أداء الخدمة العسكرية، مشيرًا إلى أنه أدى على مدى عام مهام قتالية ضمن قوات المشاة الآلية على الجبهة الأمامية في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، لكنه تعرَّض للتضليل، ولم يحصل على المعلومات الكاملة وقت التعاقد.
كما نشر الموقع الروسي صورة وثيقة تفيد بأن جمال تلقى ردًّا من وزارة الدفاع الروسية مفاده “ليست هناك إمكانية لتسريحكم بسبب انتهاء فترة سريان عقد أداء الخدمة العسكرية”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصدر، في سبتمبر/أيلول 2022، مرسومًا يقضي بمنح جنسية الدولة للأجانب الذين يتطوعون للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، بحيث لا تقل فترة تطوعهم عن عام.

مصير غامض
ورفض مسؤولون في وزارة الخارجية المصرية طلب الجزيرة مباشر التعليق على تجنيد المصريين وحصولهم على الجنسية الروسية، لكن مصدرًا في المجلس المصري للشؤون الخارجية قال في تصريح مقتضب للجزيرة مباشر إن مصير عودة هؤلاء الشبان إلى الوطن يكتنفه الغموض “فأمثال هؤلاء لن يكونوا حاضرين تقريبًا في أي تبادل محتمل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا”.
وذكر المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه نظرًا لحساسية الأمر، أن التنازل عن الجنسية المصرية يعقّد الموقف، مشيرًا إلى أن وزارة التعليم قررت تسهيل عودة الطلاب الدارسين في روسيا إلى مصر خلال شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار المقبلين، حتى لو كانوا قد فقدوا أوراقهم الثبوتية.
تجنيد متزايد للأجانب
وتضمنت تقارير نُشرت في وسائل إعلام أوكرانية ما قالت إنها مقابلات مع شبان مصريين تتشابه قصصهم مع قصة محمد، مما يشير إلى أن الشاب الذي ينحدر من أقصى جنوب مصر لم يكن حالة فردية، بينما تحدثت وسائل إعلام غربية عن تجنيد شبان عرب من الجنسيتين اليمنية والسورية وآخرين من نيبال وكوبا ودول إفريقية وآسيوية.
ونشر موقع “آر بي سي أوكرانيا”، في ديسمبر/كانون الأول 2024، تقريرًا تحدَّث فيه عن تصاعد وتيرة تجنيد الجيش الروسي للأجانب منذ يناير/كانون الثاني 2024، وخصوصًا الذين يعانون ضائقة مالية.
وقال التقرير إن الجيش الروسي يجبر الأجانب والمهاجرين في روسيا على التجنيد، ويعرض عليهم توقيع عقد للخدمة العسكرية، مع ضمانات بعدم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية، ليكتشفوا لاحقًا أنهم خُدعوا بعد إرسالهم إلى الخطوط الأمامية في الحرب ضد أوكرانيا.
وذكر التقرير أن المهاجرين من آسيا الوسطى، الذين جُلبوا في البداية إلى الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا، يُجبَرون على توقيع عقود مع الجيش الروسي تحت الضغط.
استقطاب شباب من الشرق الأوسط
وفي تصريح للجزيرة مباشر، قال خبير مصري ومحاضر سابق في التدريب العسكري، اشترط عدم نشر اسمه لحساسية الأمر، إن الاندفاع الروسي لتجنيد آلاف المرتزقة ليس جديدًا على خلفية عدم القدرة على حسم المعركة مع الجانب الأوكراني. وأضاف أن الجديد هو استقطاب العشرات من الشباب القادمين من منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا من العراق وسوريا والمغرب ومصر.
وأشار الخبير العسكري إلى أن “الضغوط المعيشية والظروف القاسية أمام الطلاب الذين دخلوا روسيا من باب الدراسة الجامعية كانت السبب الأبرز في نجاح مهمة التجنيد”.
ولفت إلى أن هؤلاء المقاتلين “لا يمكن أن يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة لعدم حصولهم على الوقت الكافي من التدريب، فضلًا عن غياب ما تُسمى العقيدة القتالية، فالمرتزق يقاتل فقط من أجل راتب شهري خلال فترة تعاقد إجبارية”.