انتقادات واسعة بين مسلمي كشمير لمصادرة الحكومة الهندية كتب المودودي

الشرطة الهندية تلاحق بائعي كتب المودودي في مدينة سيرنجار
الشرطة الهندية تلاحق بائعي كتب المودودي في مدينة سريناغار (غيتي)

في صباح 15 فبراير/شباط الجاري اقتحمت الشرطة الهندية المكتبات في مختلف أنحاء الجزء الذي تسيطر عليه الهند من إقليم كشمير، وصادرت مئات النسخ من الكتب التي ألفها أبو الأعلى المودودي، العالم الإسلامي الشهير ومؤسس الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، ما أثار غضب العلماء والمثقفين المسلمين وجماعات الحقوق المدنية، الذين رأوا في هذه الخطوة هجومًا مثيرًا للقلق على الحريات الدينية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الحكومة الهندية إرث المودودي في كشمير، ففي عام 2019 حظرت الحكومة “الجماعة الإسلامية”، التي أسسها المودودي عام 1941.

وجاء الحظر بموجب قانون منع الأنشطة غير القانونية في الهند، وبررت السلطات الحظر حينئذ بزعم أن الجماعة لها صلات بأنشطة انفصالية، وهو الاتهام الذي نفته الجماعة باستمرار.

والآن، وبعد 5 سنوات من حظر الجماعة، تطارد الحكومة الهندية كتب مؤسسها وتمنعها من التداول العام.

وقال عالم إسلامي مقيم في كشمير، طلب عدم ذكر اسمه خوفًا من انتقام حكومي، للجزيرة مباشر إن “الحكومة لا تحظر منظمة فحسب؛ بل تمحو أيديولوجية بأكملها. إنهم يريدون السيطرة على ما نقرأه ونفكر فيه ونؤمن به. هذا لا يتعلق بالقانون والنظام، إنه يتعلق بالقمع الفكري”.

“محاولة لمحو الهوية الإسلامية الكشميرية”

أثارت الحملة المفاجئة على كتب المودودي العديد من التساؤلات، فقد كانت أعماله متاحة في كشمير لعقود من الزمن دون مصادرة، فما الذي دفع الحكومة الآن إلى تصنيفها بالخطرة؟

عدد من المحللين السياسيين اعتبروا هذه الخطوة جزءا من إستراتيجية أوسع من جانب الحكومة الهندية لإعادة تشكيل المشهد الفكري والديني في كشمير، بعدما جردت الإقليم من وضعه شبه المستقل بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي عام 2019، وهي المادة التي كانت تضمن الاستقلال الذاتي لإقليم كشمير.

وقال معلق سياسي مقيم في دلهي، طلب عدم ذكر اسمه، للجزيرة مباشر “هذه محاولة لمحو الهوية الإسلامية الكشميرية قطعة قطعة؛ فهم حظروا الجماعة الإسلامية أولًا، ثم استهدفوا المساجد والجمعيات الخيرية المرتبطة بها، والآن، يلاحقون الكتب”.

بائعو الكتب الإسلامية يتعرضون لملاحقة الشرطة الهندية
بائعو الكتب الإسلامية يتعرضون لملاحقة الشرطة الهندية (غيتي)

مخاوف بائعي الكتب

حملة المداهمات الحكومية تركت أصحاب المكتبات في حالة من الذعر، حيث يخشى العديد منهم اتخاذ المزيد من الإجراءات من قِبَل الشرطة إذا استمروا في الاحتفاظ بالأدبيات الدينية التي تصنفها الحكومة بالخطرة، بينما وصف بعضهم الحملة الحكومية بأنها “عدوانية ومخيفة”.

وقال أحد بائعي الكتب الذي رغب في عدم الكشف عن هويته، للجزيرة مباشر “دخلت الشرطة دون سابق إنذار، وفحصت الأرفف، وأخذت كل ما اعتبرته غير مناسب. لم يظهروا أي أمر قانوني بالتفتيش، ولم نحصل على أي إيصالات للكتب المصادرة. بدا الأمر وكأنه غارة إجرامية”.

الخطوة المفاجئة دفعت بعض أصحاب المتاجر الآن إلى التفكير في إزالة كتابات الأدب الإسلامي أيضا من أرففهم خوفًا من الإجراءات الحكومية.

وقال بائع آخر للجزيرة مباشر “إذا كان بوسعهم أن يحظروا كتب المودودي اليوم، فما الذي يمنعهم من حظر أعمال سيد قطب، أو ابن تيمية، أو حتى علماء الإسلام الكلاسيكيين غدًا؟”.

مسلمو كشمير يتعرضون لمحاولات لطمس هويتهم من قبل الحكومة الهندية
مسلمو كشمير يتعرضون لمحاولات لطمس هويتهم من قبل الحكومة الهندية (غيتي)

سابقة خطرة

العديد من العلماء المسلمين في كشمير رأوا في هذه الخطوة سابقة خطرة، وقالوا إن حظر الكتب ليس حلًا لمكافحة ما تصنفه الحكومة بالتطرف، بل إنه يخلق بيئة من القمع الفكري.

وقال أستاذ للدراسات الإسلامية في جامعة كشمير، طلب عدم الكشف عن اسمه “الحكومات لا تستطيع هزيمة الأفكار عبر حظرها. بل على العكس من ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات تجعل الناس أكثر فضولًا بشأن المواد المحظورة. وبدلًا من أن تتعامل الدولة مع وجهات نظر مختلفة، فإنها تختار محوها”.

وأشار خبراء قانونيون إلى أنه لم يصدر أي إعلان رسمي يصنف كتب المودودي ضمن المواد غير القانونية، مما يثير المخاوف بشأن الطبيعة التعسفية للحملة الحكومية.

وقال محامٍ حقوقي في مدينة سريناغار للجزيرة مباشر “إذا تم حظر كتب معينة، فيجب أن تكون هناك عملية قانونية، وحكم قضائي، وإخطار عام. لكن هذا يتم بالقوة، دون شفافية”.

وأضاف طالب جامعي في سريناغار، للجزيرة مباشر “الأمر لا يتعلق فقط بالجماعة الإسلامية. بل يتعلق بالحق في القراءة والتفكير والمناقشة بحرية. وإذا سمحنا بحدوث هذا دون مقاومة، فما الذي سيفرضون عليه الرقابة بعد ذلك؟”.

إدانة من العلماء والقادة

مصادرة الكتب قوبلت بإدانة العديد من قادة الجماعة الإسلامية الذين خاضوا الانتخابات المحلية الأخيرة في كشمير، الذين وصفوا الإجراءات الحكومية بأنها “غير عادلة وغير دستورية وتمثل انتهاكا للحقوق الأساسية” مؤكدين أن الكتب المصادرة “منشورة بشكل قانوني” في دلهي.

وقال أحد قادة الجماعة للجزيرة مباشر “إذا كانت لدى الحكومة أي مخاوف أمنية، فنحن مستعدون تمامًا للتعاون مع أي تحقيق”.

كما انتقد عمر فاروق، كبير رجال الدين في كشمير، هذه الخطوة، واصفًا الحملة على الأدب الإسلامي بأنها “مستهجنة وسخيفة”.

وقال فاروق “أي نوع من النهج هذا؟ هل هذا ما تسميه الديمقراطية؟ أعتقد أنه كلما فرضت حظرًا على شيء ما، كلما أصبح أكثر شعبية. إن مراقبة الفكر من خلال مصادرة الكتب أمر سخيف، وخصوصا في عصر تتوافر فيه المعلومات مجانًا عبر الإنترنت”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان