العناية المركزة في مصر تحتاج إلى “عناية”.. هل ينقذها المشروع القومي؟

في مربع جغرافي واحد بقلب القاهرة يتجاور مستشفى قصر العيني، أحد أكبر وأقدم المستشفيات في مصر مع معهد الأورام القومي، ومستشفى “أبو الريش” للأطفال. تختلف معاناة المرضى هنا وهناك، لكن القاسم المشترك الأبرز لدى الكثيرين هو البحث المُضني عن وحدة عناية مركزة كما يقول ضياء عبد الواحد، المهندس بأحد أحياء محافظة الجيزة، للجزيرة مباشر.
ويروي عبد الواحد رحلة معاناته مع ابنه المولود حديثا الذي يعاني من ثقب في القلب بداية من مستشفى “أبو الريش” ومرورا بمستشفى خاص طلب 25 ألف جنيه لليوم الواحد (نحو 500 دولار)، وانتهاءً بمستشفى تابع للجمعية الشرعية، وهي إحدى أكبر الجمعيات الأهلية وأوسعها انتشارا في مصر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكيف تحافظ على طاقتك وصحتك طوال شهر رمضان؟ نصائح عملية لوجبتَي السحور والإفطار
“روضة الصيام” في موريتانيا.. حين يجتمع الطبيب والفقيه لخدمة الصائم (فيديو)
جمع 10 ملايين دولار.. الجعفراوي يروي قصة حملة التبرع لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة (فيديو)
ولفت ضياء إلى أن رحلة المعاناة تبدأ مع الخط الساخن “137” وبعد محاولات متكررة يتم الرد ثم تسجيل بيانات المريض بالرقم القومي، ثم يمر الوقت صعبا مع قائمة انتظار طويلة، لا يُدرَج المريض بها إلا عبر طبيب متخصص يقرر درجة الرعاية المطلوبة، ثم انتظار آخر على سرير عادي بالمستشفى لحين توفير “السرير الحلم”.
وبينما دفع ضياء لمستشفى الجمعية الشرعية أقل من نصف التكلفة التي طلبها المستشفى الخاص أوضح عضو الجمعية مجدي حسن للجزيرة مباشر أن توفير سرير في العناية المركزة أمر صعب للغاية بسبب ارتفاع التكلفة العالية التي يتحمل معظمها المتبرعون. ولفت حسن إلى أن ارتفاع أسعار الخامات يعقد جهود الجمعيات الأهلية.
أصل المشكلة
ويرى طبيب العناية المركزة خالد صادق في حديثه للجزيرة مباشر أن معضلة تلك الوحدات تتمحور حول التكلفة العالية، ونقص الأدوية والمعدات الصحية، إضافة إلى العجز في الكادر الصحي.
ولفت صادق إلى أن مريض العناية المركزة يكون في حالة حرجة، وتتوقف حياته معظم الأوقات على التدخلات الطبية الدقيقة التي يجب توفيرها في الوقت المناسب، مع ملاحظة فائقة على مدار الساعة.
وشدد صادق على أن التكلفة العالية لوحدة العناية المركزة تحتاج إلى إنفاق حكومي، مشيرا إلى أن تلك الوحدات عبارة عن “مستشفى مصغر”، يتطلب كادرا صحيا متخصصا من أطباء وممرضين على مستوى عال من التدريب، يضاف إلى ذلك، بحسب صادق، احتياج عدد كبير من المرضى إلى تدخلات جراحية وأشعة وتحاليل مستمرة؛ مما يجعل تكلفة تشغيل سرير عناية مركزة أمرًا باهظ الثمن، ويستعصي على كثيرين في مصر.
وعلى باب غرفة العناية المركزة بالمعهد القومي للأورام تتعدد صور معاناة الواقفين، لكنهم أسعد حظا ممن تطول بهم قوائم الانتظار في الخارج، حسبما قالت سمية إبراهيم، التي تنتظر زيارة أبيها، للجزيرة مباشر، موضحة أن سرير العناية الذي توفر لهم كان بمساعدة عضو في البرلمان.
وكشف محمد عاطف، وهو صاحب مخبز، للجزيرة مباشر عن وفاة والدته نتيجة التأخر في إدخالها وحدة رعاية مركزة لعلاجها من حروق متعددة، متهما وزارة الصحة بالتقصير في رعاية الفقراء.

مشروع قومي
وبينما تنفي الحكومة التقصير، قال مصطفى العسال، طبيب جراحات التجميل المسؤول بالإدارة المركزية للرعاية الحرجة بوزارة الصحة، للجزيرة مباشر: “لا يوجد نقص بالرعاية المركزة لكن الزيادة السكانية هي سبب الأزمة”.
وأشار العسال إلى أنه وفقًا لبيانات عام 2024، فقد أضيف 278 سريرا جديدا للرعاية المركزة بمستشفيات الهيئة العامة للرعاية الصحية، بزيادة 47% في عدد الأسرّة المتاحة، وسجلت نموا بنسبة 88% مقارنة بالأعوام الأربعة السابقة.
وتحدث العسال عن تقديرات حكومية تشير إلى تقليص الانتظار بأقسام الطوارئ بنسبة 25%، كما لفت إلى الدور الحيوي للقطاع الخاص، موضحا أنه يضم 1484 مستشفى، تحتوي على 35 ألف سرير، وهو ما يمثل نحو 26.3% من إجمالي الأسرّة العلاجية في مصر.
وقبل أيام شدّد وزير الصحة خالد عبد الغفار في تصريح لوسائل إعلام محلية على التزام الحكومة بالمشروع القومي للرعايات الحرجة، مع ميكنة المنظومة، لتحقيق أفضل طاقة تشغيلية بجميع المستشفيات بالكشف الفوري عن الأسرّة الشاغرة وتحديد المكان الأنسب للعلاج.
لكن عبد الغفار حمل الزيادة السكانية المسؤولية عن أزمة نقص الأسرّة بشكل عام، وليس أسرة الرعاية المركزة فقط، وقال إن هناك 1.4 سرير لكل ألف مواطن، وهي نسبة تساوي نصف المعدل العالمي الذي يبلغ 2.8 سرير لكل ألف مواطن.
مخالفة دستورية
وارتفع إنفاق الموازنة على القطاع الصحي من 304.5 مليارات جنيه (نحو 6 مليارات دولار) خلال العام المالي 2022/2023 إلى 397 مليار جنيه (7.8 مليارات دولار) خلال العام المالي 2023/2024 بنسبة نمو تبلغ نحو 30.4%، وزاد إلى 496 مليار جنيه (نحو 9.78 مليارات دولار) خلال السنة المالية 2024/2025.
ويتمتع نحو 66% من المصريين بتأمين صحي وفقا لتقديرات حكومية لعام 2023، مما يعني أن الملايين ليس لديهم تغطية تأمين صحي، فيما تشير تقديرات وزارة الصحة إلى أن المتوسط العالمي للاستجابة لتوفير الرعاية المركزة يبلغ 6 ساعات بعد الإبلاغ، بينما وصل في مصر إلى 24 ساعة بعد الإبلاغ، بعد أن كان ثلاثة أيام قبل عامين.
ووفقا للمعدلات العالمية هناك حاجة إلى سرير رعاية مركزة لكل 7 آلاف شخص، مما يعني أن مصر في حاجة إلى 17 ألف سرير حاليا على أقل تقدير لتصل إلى المعدل العالمي لأسرة العناية المركزة.
وطبقا لدراسة أعدها مركز “حلول للسياسات البديلة” التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة فقد تقلص الإنفاق الحكومي على الصحة، “فمنذ عام 2016 لم يتجاوز الإنفاق الحقيقي على القطاع الصحي كنسبة من الناتج المحلي 1.6%، في مخالفة صريحة للدستور المصري الذي ينص على ألا تقل هذه النسبة عن 3%”.