التمور.. كيف تحولت إلى سلعة تتنافس الدول في إنتاجها وتصديرها؟

في الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، نعى مجلس النخيل والتمور الفلسطيني نائب رئيس المجلس، الدكتور مفيد البنا وزوجته اللذين استشهدا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
لم يكن البنا مجرد مسؤول زراعي، بل كان أحد أعمدة تطوير إنتاج التمور الفلسطينية في قطاع غزة، الذي يواجه تحديات هائلة في القطاع وفي الإقليم عموما.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأفضل أفكار هدايا العيد ورمضان 2025.. دليل شامل لخيارات تلائم الجميع
ملك بريطانيا وزوجته يعبئان تمور رمضان (شاهد)
عمدة لندن يضيء أنوار رمضان وسط العاصمة البريطانية (شاهد)
فرغم القيمة الغذائية والاقتصادية للتمور فإن “الذهب الحلو” لم يحظَ بالاهتمام الكافي في ظل صراع قائم على إنتاجه وتصديره.
وتحظى التمور بأهمية خاصة في الدول التي تعتمد على وارداتها لسد احتياجاتها الغذائية، مثل بعض الدول الأوروبية والآسيوية، كما تؤدي دورًا محوريًّا في الدول الإسلامية، التي تستهلكها بكثافة، وخصوصا خلال شهر رمضان.
وتُعَدّ التمور مصدرًا غنيًّا بالألياف والعناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والمغنيسيوم؛ مما يجعلها عنصرًا مهمًّا في تعزيز الأمن الغذائي، وخصوصًا في المناطق الجافة والصحراوية التي تعاني من شح الموارد الغذائية.
سوق عالمية كبيرة للتمور
وتشير إحصاءات المجلس الدولي للتمور إلى أن القيمة السوقية للإنتاج تتجاوز 3 مليارات دولار، وأن الصادرات السنوية تصل إلى نحو 1.8 مليون طن، تُنتَج بشكل أساسي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث توجد أكثر من 200 مليون نخلة تغطي مساحة 3.7 ملايين فدان.
تتربع 10 دول على رأس قائمة الدول المنتجة للتمور، هي مصر والسعودية والجزائر وإيران وباكستان والعراق والسودان والإمارات وسلطنة عمان وتونس، حيث تساهم هذه الدول العشر بنحو 8.6 ملايين طن من إجمالي 9.8 ملايين طن تُنتَج عالميًّا.
الصراع على تصدير التمور
الصراع الدولي على تصدير التمور جزء من تفاعلات الاقتصاد الزراعي العالمي، حيث تتداخل مصالح تجارية، وسياسات حكومية، وعوامل بيئية، فضلا عن التكنولوجيا الزراعية.
وعن استخدام ورقة التمور في العلاقات بين الدول، قال الخبير والباحث الزراعي رضوان عبد الحليم “هناك تباين بين التمور وسلع استراتيجية كالنفط والقمح من حيث التأثير الاقتصادي، وتوفر البدائل بين الدول المنتجة”.
وأوضح عبد الحليم للجزيرة مباشر، أن “الفروق بين الدول المنتجة متنوعة، وتشمل جودة الأصناف، وطرق الفرز، وعمليات التعبئة”، مشيرًا إلى أن “القيود التجارية تركز على معايير النظافة، وطرق التعليب، وخلو المنتجات من الآفات الضارة بالصحة، وهي عوامل أساسية في التجارة الدولية”.
ورغم أهمية التمور فإنها لا تملك التأثير المباشر للسلع الاستراتيجية كالنفط، الذي تعتمد عليه الدول الصناعية في مجالات الطاقة والنقل والصناعة، لكن التمور يمكن أن تصبح ورقة ضغط في سياق أزمات غذائية عالمية، كما يقول رئيس جمعية منتجي التمور الأردنية المهندس أنور حداد.
أهمية التمور خلال الأزمات
وأوضح حداد للجزيرة مباشر أن “التمور سلعة ذات قيمة اقتصادية وغذائية، وقد تتحول إلى ورقة مؤثرة عند حدوث أزمات غذائية حقيقية، فضلًا عن تأثيرها النسبي على الأمن الغذائي العالمي في الظروف العادية”.
وخلال جائحة كورونا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، وزاد الطلب على الأغذية ذات القيمة الغذائية العالية، القابلة للتخزين لفترات طويلة، كالتمور، وقد شكلت هذه الأزمة فرصة للدول المنتجة للتمور لتعزيز موقعها التفاوضي في الأسواق الدولية.
وحول استغلال صادرات التمور لتعزيز العلاقات التجارية والسياسية، أوضح حداد أن “بعض الدول تلجأ إلى التفاوض لتحقيق شروط تفضيلية في التبادل السلعي، واستخدام التمور كهدية دبلوماسية لتعميق الروابط الثقافية، إضافة إلى تعديل الصادرات للتأثير على الأسواق”.
وأشار على سبيل المثال إلى أن تونس وظفت إنتاجها من التمور لتعزيز علاقتها التجارية مع أوروبا، في حين تستخدم السعودية التمور ضمن مساعداتها الإنسانية لدعم علاقاتها مع دول إسلامية، وتسعى الجزائر إلى توظيف صادراتها لتعزيز علاقاتها مع إفريقيا.
كما شهدت السنوات الأخيرة توقيع بروتوكولات تصدير مثل الاتفاق بين مصر والصين؛ مما ساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 13.8 مليار دولار.
وأكد حداد “وجود محاولات للتحكم في تجارة التمور عالميًّا عبر أساليب متعددة، مثل التأثير على سياسات الإنتاج والتصدير، والسيطرة على أجزاء من الأسواق لتحديد الأسعار وتقليل المنافسة، إضافة إلى اللجوء إلى أساليب كالاحتكار، والتهريب، والتلاعب بالعرض والطلب، بل واستخدام تجارة التمور في غسيل الأموال”.
التمور.. المنافسة مستمرة
ومع تزايد الطلب العالمي على التمور، تشتد المنافسة بين المنتجين؛ مما يؤدي إلى نشوء حروب تجارية للسيطرة على الأسواق وتعزيز الحصص التصديرية.
وبعيدًا عن معارك التجارة الرسمية، تنشط تجارة غير مشروعة للتمور في مناطق النزاع، حيث تتحول هذه السلعة الاستراتيجية إلى ورقة رابحة لشبكات التهريب التي تستغل غياب الرقابة وغياب الاستقرار السياسي، وفقًا للمهندس أنور حداد.
وتحاول إسرائيل استغلال اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي لتصدير تمور المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة على أنها “منتج إسرائيلي”، متجاوزة بذلك القيود المفروضة على منتجات المستوطنات.

التمور وتهديد المناخ
من جانبه أكد الدكتور فاضل الزغبي، السفير السابق بمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن “التغير المناخي يشكل تهديدًا حقيقيًّا لزراعة النخيل وإنتاج التمور، إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الإجهاد الحراري؛ مما يخلّ بعملية التمثيل الغذائي للنبات، ويؤثر سلبًا على جودة الثمار ونسبة الإخصاب”.
وفي حديثه للجزيرة مباشر، أوضح الزغبي أن “الجفاف يزيد من معدلات التبخر وملوحة التربة والمياه؛ ما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية. كما أن الظواهر المناخية القاسية، مثل العواصف الرملية والفيضانات، تلحق الضرر بالثمار والجذور، وتساهم في تفشي الأمراض الفطرية وانتشار آفات كالسوسة الحمراء”.
وأضاف أن “تغير المناخ لا يقتصر تأثيره على الإنتاج فقط، بل يمتد إلى مواعيد النضج، حيث تؤدي الحرارة المرتفعة إلى انخفاض نسبة السكريات الطبيعية، وهو ما يضعف الجودة التصديرية للتمور”.
وأشار الزغبي إلى أن “التكيف مع هذه التحديات يتطلب تطوير تقنيات متقدمة، مثل أنظمة الري الحديثة بالتنقيط، واستنباط أصناف جديدة مقاومة للجفاف والحرارة عبر التهجين الوراثي، إضافة إلى اعتماد ممارسات زراعية مستدامة لتحسين إدارة التربة وتقليل ملوحتها”.