في الهند.. التجمعات الدينية بالأماكن العامة مسموحة للجميع ما عدا المسلمين

مع اقتراب عيد الفطر، يواجه المسلمون في الهند تهديدات غير مسبوقة من السلطات، التي حذّرت من اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي مسلم يؤدي الصلاة في الأماكن العامة، وسط أجواء متوترة منذ شهور بين المسلمين والسلطات الهندية، بسبب ممارسات حكومية عدّها المسلمون تمييزًا ضدهم.
وأصدرت شرطة مدينة سامبال بولاية أوتار براديش شمال الهند تحذيرًا صارمًا للمسلمين، يوم الخميس، بعدم الصلاة في الأماكن العامة، وأكّدت الشرطة أن صلاة الجمعة في الشوارع والتجمّعات فوق المنازل ستكون ممنوعة تمامًا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsاحتجاجات واسعة لمسلمي الهند بسبب مشروع قانون يهدد الأوقاف الإسلامية
منع مسلمين في الهند من أداء صلاة الجمعة بسبب مهرجان هندوسي
متشددون هندوس يهاجمون مسجدا خلال احتفالات “هولي” غربي الهند (فيديو)
كما أعلن شريش تشاندرا، قائد فريق شرطة سامبال -الذي سبق أن وُجهت إليه اتهامات بالمشاركة في حماية المتورطين في إطلاق النار على المسلمين خلال أعمال شغب سابقة بالمدينة- أن الصلاة في الأماكن العامة لن يُسمح بها تحت أي ظرف.
حظر الصلاة في الشوارع
وقبل يوم واحد من ذلك، أعلنت شرطة مدينة ميروت، وهي مركز صناعي بارز بولاية أوتار براديش وتضم عددًا كبيرًا من المسلمين، أنها ستتخذ إجراءات قانونية صارمة بحق من يؤدون صلاة عيد الفطر في الشوارع، قد تصل إلى إلغاء جوازات سفرهم وسحب رخص القيادة الخاصة بهم.

كما شددت السلطات على منع إقامة الصلوات في الأماكن العامة، وخصوصًا في الميادين والساحات، إلا بعد الحصول على تصريح رسمي، وهو ما يراه السكان المحليون شرطًا شبه يستحيل تحقيقه من الناحية العملية.
ولا يقتصر هذا التضييق على مدينة أو مدينتين فقط، بل أعلنت ولايات هندية عدة يقودها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم فرض حظر واسع على الصلاة في الأماكن العامة، وفي السنوات الأخيرة، تعرض العديد من المسلمين للملاحقة القانونية لمجرد أدائهم الصلاة في الشوارع.
ملاحقة المسلمين قانونيًا
المحامي نياز الفاروقي قال للجزيرة مباشر “إن كثيرين لا يزالون يتذكرون واقعة مظفرنغر في ولاية أوتار براديش، حيث أدى انتشار مقطع فيديو لمسلمين يؤدون الصلاة في الشارع عام 2023 إلى حملة قمع واسعة من قبل الشرطة، انتهت بمحاكمة نحو 25 شخصًا”.
وأضاف، قبل أيام تزامن مهرجان هولي الهندوسي مع يوم الجمعة، فأصدرت السلطات أوامر للشرطة بمنع المسلمين من أداء صلاة الجمعة في الأماكن العامة، كما دعا مسؤولون المسلمين إلى عدم صلاة الجمعة والصلاة في منازلهم، كما رفعت قضايا ضد مسلمين حاولوا الصلاة فوق المنازل.

الشوارع متاحة ولكن ليس للمسلمين
ولفت الفاروقي إلى أن السلطات تتعامل بمعايير مزدوجة، مضيفًا للجزيرة مباشر “المسلمون يُمنعون من أداء صلاة العيد أو الجمعة في الأماكن العامة، بينما يرون الهندوس يستخدمون الطرق والساحات يوميًا لممارسة شعائرهم الدينية دون أي قيود”.
وتابع “يحتفل الهندوس بعيد هولي في الشوارع، وينظّمون المواكب الدينية، ويحملون الأصنام، بل ويلقونها في النهر ضمن طقوسهم، وهذا الاستخدام المفرط للمجال العام واضح لدرجة أن الحديث عن حظر صلاة المسلمين يبدو مثيرًا للسخرية، ولا شك أن هذه الإجراءات ليست سوى وسيلة لفرض التمييز، ودفع المسلمين إلى الشعور بالتهميش والاضطهاد”.
وتساءل الفاروقي “إذا كانت الحكومة تريد فرض قيود على الاحتفالات الدينية في الأماكن العامة، فهل ستطبقها على الجميع دون استثناء؟ أم أن هذا الحظر يستهدف المسلمين فقط؟”.

“كراهية للمسلمين وغسل أقدام الهندوس”
الصحفي البارز وسيم تياغي، المعروف بتغطيته لجرائم الكراهية ضدّ المسلمين، استشهد بحادثة وقعت في دلهي العام الماضي، حيث التقطت صورة لأحد رجال الشرطة وهو يركل مصلين مسلمين أثناء تأديتهم الصلاة في الشارع.
وعلّق على ذلك قائلًا “الكراهية التي تُكنّها الشرطة للمسلمين واضحة لدرجة أنها لا تتردد في الاعتداء عليهم حتى وهم في حالة صلاة، وفي المقابل، نرى العكس تماما مع الهندوس، إذ تقوم الشرطة بغسل أقدام الحجاج الهندوس من طائفة ‘كانوار ياترا’ الذين يقطعون أميالا طويلة عبر الشوارع حاملين الماء المقدس، بل وتُلقي الزهور عليهم تكريمًا لهم”.

قلة المساحات المخصصة
وأضاف الصحفي تياغي، في حديثه للجزيرة مباشر “شخصيًا، لا أفضّل أن يصلي المسلمون في الشوارع، لكن هذا ليس خيارًا، بل هو اضطرار، فالمسلمون في المدن الكبرى يضطرون لأداء صلاة العيد في الشوارع بسبب قلة المساحات المخصصة لصلاة العيدين”.
وأوضح أنه “على مدى السنوات العشر الماضية، أصبح بناء المساجد أو توسعتها أمرًا شبه مستحيل، إذ نادرًا ما تمنح السلطات تراخيص لبناء مساجد جديدة، وفي كل مرة يحاول المسلمون بناء مسجد، تصل الجرافات سريعًا لهدمه بحجة عدم قانونية البناء أو عدم استيفاء التراخيص، ولكن الواقع أن المسلمين يسعون للحصول على التراخيص، ورغم ذلك تُرفض طلباتهم بشكل ممنهج”.

وتابع تياغي “أي شخص لديه الحد الأدنى من المنطق سيدرك ما تسعى الحكومة لتحقيقه، فهي تمنع توسيع المساجد أو بناءها، وفي الوقت ذاته، تحظر الصلاة في الأماكن العامة، حتى في المناسبات الكبرى مثل صلاة العيد أو الجمعة. إنها ببساطة سياسة تستهدف التضييق على المسلمين وإقصاءهم من المشهد العام”.
ويشير الصحفي البارز تحديدًا إلى العشر سنوات الماضية وهي الفترة التي وصل فيها حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتشدد إلى السلطة بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي عام 2014.

“المعايير تتغير مع المسلمين”
هاراش ماندار، ضابط الشرطة السابق، استنكر مساعي الحكومة لملاحقة المسلمين إذا استخدموا الأماكن الخاصة، في حين أن الهند “اشتهرت بتقاليدها الغنية في التجمعات الدينية العامة، حيث تُقام المواكب، والاحتفالات، والمهرجانات الكبرى في الشوارع والميادين. وتُسلط وسائل الإعلام العالمية الضوء على الاحتفالات والمواكب الهندوسية في الأماكن المفتوحة دون أي قيود حكومية تُذكر”.

ورغم أن العديد من الممارسات الدينية الهندوسية تتضمن إشغال الطرق والمساحات العامة بالكامل، فإن السلطات نادرًا ما تتدخل لمنعها، بحسب ماندار.
واستشهد ماندار بما يعرف بمسيرة “كانوار ياترا”، حيث يقطع آلاف الحجاج الهندوس أميالًا سيرًا على الطرق السريعة، ويُقيمون المخيمات على جانبي الطرق، وتوفر لهم الحكومة الدعم، والمأوى، والطعام.
كذلك، عند إقامة مهرجان كومبه ميلا، الذي يُوصف بأنه أكبر تجمع بشري في العالم، تعمل الحكومة الهندية جاهدة على تجهيز مدينة براياغراج لاستيعاب ملايين الحجاج، دون فرض أي قيود تُذكر على استخدام الأماكن العامة، ويستدرك “ولكن عندما يتعلق الأمر بالتجمعات الدينية للمسلمين، يبدو أن المعايير تتغير تمامًا”.

حتى الفعاليات الانتخابية تقام في الشوارع
أشار ماندار في حديثه للجزيرة مباشر أيضًا إلى الفعاليات السياسية التي تُفسح لها الشوارع، وقال “باتت المسيرات والفعاليات الانتخابية في الشوارع جزءًا ثابتًا من المشهد السياسي الهندي، حيث تتغير أنظمة المرور بالكامل خلال الحملات الانتخابية، وتخضع العديد من الولايات لإغلاقات مرورية وتحويلات تستمر لشهرين، دون أي قيود تُفرض على هذه التجمعات”.
ويضيف “أما في حالة المسلمين، في المدن التي تفتقر إلى المساجد، فإنهم حين يُضطرون للصلاة في الطرقات لفترة وجيزة لا تتجاوز عشر دقائق، يجدون أنفسهم مهددين من جانب السلطات، وقد يواجهون خطر السجن، في مشهد يكشف بوضوح عن ازدواجية المعايير في تطبيق القوانين”.