الهند تبني سدًّا لحماية تاج محل بعد انتقادات لتجاهله لارتباطه بالمسلمين

في خطوة تهدف إلى حماية قصر تاج محل في الهند، أحد عجائب الدنيا، وأيقونة الحب والتذكار الذي يخلد قصة إمبراطور مغولي عاشق لزوجته، من التهديدات البيئية المتزايدة، أعلنت الحكومة في ولاية أوتار براديش الهندية مشروعا لبناء سد مطاطي على نهر يامونا، الذي يتعرض للتلوث والجفاف؛ مما يُضعف أساسات هذا المعلم التاريخي الشهير.
سيتم بناء السد على بُعد 1.5 كيلومتر من تاج محل، بميزانية تبلغ 600 مليون روبية (حوالي 7.27 ملايين دولار)، وفقًا لما ورد في أحدث ميزانية لولاية أوتار براديش.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsانتقادات واسعة بين مسلمي كشمير لمصادرة الحكومة الهندية كتب المودودي
البسمتي.. حرب بين الهند وباكستان على العلامة التجارية للأرز الأشهر عالميا
عمدة لندن يضيء أنوار رمضان وسط العاصمة البريطانية (شاهد)
وتعاني المنطقة المحيطة بتاج محل من تلوث نهر يامونا؛ مما يهدد البنية التحتية لهذا الصرح المعماري الفريد، حيث يحتاج خشب السال المستخدم في أرصفة تاج محل إلى رطوبة دائمة للحفاظ على متانته، ولكن بسبب جفاف النهر المستمر، تتآكل تلك الأساسات تدريجيًّا، وهو ما قد يعرض المبنى لخطر الانهيار على المدى الطويل.
وحسب ما أفادت الحكومة في المجلس التشريعي “يهدف بناء سد مطاطي بارتفاع ثلاثة أمتار إلى إعادة تدفق المياه في النهر؛ مما يساعد في الحفاظ على الرطوبة اللازمة لأساسات تاج محل المبنية على الآبار”.

تحفة معمارية
يُعد تاج محل تحفة معمارية تجسد قصة حب خالدة، حيث شيده الإمبراطور المغولي شهاب الدين محمد خرم، المعروف بشاه جهان، تكريمًا لذكرى زوجته أرجمند بانو بيغم، الشهيرة بممتاز محل، التي فارقت الحياة عام 1631 أثناء ولادة طفلها الرابع عشر، بينما كان شاه جهان يخوض معركة ضد المتمردين.
يذكر المؤرخ الهندي باناراسي براشاد ساكسينا في كتابه بالأردية “تاريخ شاه جهان” أن تاج محل هو المكان الثاني لدفن ممتاز محل، إذ دُفنت أولًا في برهان بور في مادهيا برديش، قبل أن ينقل شاه جهان رفاتها إلى أغرا.
وعهد بتصميم الضريح إلى المهندس الإيراني عيسى شيرازي، رغم أن كتاب بادشاه ناما يشير إلى أن الإمبراطور نفسه شارك في وضع تصميمه.
واستغرق بناء تاج محل 25 عامًا، بين 1632 و1653، وشارك فيه نحو 20 ألف عامل، بتكلفة تقدر بنحو 32 مليون روبية في ذلك الوقت، وتعادل حوالي 780 مليون دولار أمريكي في 2025.
يتميز تاج محل بجدرانه الرخامية المنحوتة، المكسوة بأحجار كريمة وزخارف إسلامية، إلى جانب آيات قرآنية نقشت على مدخل القبر.
يرتفع تاج محل 200 قدم، ويبلغ عرضه 130 قدمًا، ويقوم على منصة مرتفعة من الحجر الرملي الأحمر. تحيط به 4 مآذن مائلة قليلًا إلى الخارج، لضمان سقوطها بعيدًا عن الهيكل الرئيسي في حال وقوع زلزال.

المسجد مغلق
يضم ضريح تاج محل مسجدًا تاريخيًّا كان يستخدم للصلاة، لكن اللافتات الموجودة عند مدخله اليوم تشير إلى حظر إقامة الصلوات فيه. وعلى الجانب الغربي من الضريح، يقع مسجد كبير، ويوجد على الجانب الآخر بيت ضيافة يشبه المسجد.
ويحتوي المسجد على قاعة للصلاة، وكذلك بيت الضيافة. وعندما زار مراسل الجزيرة مباشر تاج محل، لاحظ أن المسجد كان مغلقًا، وأن قاعة الصلاة فيه يغطيها الغبار، مع لافتات تشير إلى منع الصلاة داخله.

تجاهل الإرث الإسلامي
لكن ثمة أبعادا سياسية للتحديات التي يواجهها تاج محل، حيث تُوجَّه اتهامات إلى رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث، بتعمد إهمال هذا الصرح بسبب كونه معلما إسلاميا.
ولا يكتفي أديتياناث بتجاهل تاج محل، بل يهينه علنًا، مصرحًا بأن تاج محل يمثل إرثًا من “العبودية” تحت حكم الملوك المسلمين.

ويؤكد أستاذ التاريخ والصحفي أزهر عمري للجزيرة مباشر أن أديتياناث، المعروف بمواقفه القومية الهندوسية المتشددة، أظهر مرارًا ازدراء لتاج محل.
ورغم أن المعلم التاريخي يدرّ إيرادات سياحية ضخمة، فقد استُبعد من الميزانية الدينية والثقافية للولاية عام 2017؛ مما أثار انتقادات واسعة.
كما فرض أديتياناث قيودًا على تقديم نماذج مصغرة من تاج محل هدايا رسمية، واستبدل بها كتبًا هندوسية مقدسة مثل الجيتا والرامايانا.
إعادة كتابة التاريخ
الناشط السياسي جان دايال يرى أن هذا العداء مدفوع بأجندة سياسية تهدف إلى تقويض إرث المغول المسلمين في الهند. ويشير إلى أن منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، التي تؤثر بشكل كبير في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، تصف الحكم المغولي بأنه “فترة استعباد”، على عكس نظرتها الأكثر تساهلًا إلى الاستعمار البريطاني.
ويضيف أزهر عمري أن هذا التوجه كان واضحًا في إيقاف مشروع متحف مخصص للتاريخ المغولي بالقرب من تاج محل.
وكان المتحف، الذي اقترحه رئيس وزراء أوتار براديش السابق أخيليش ياداف عام 2015، يهدف إلى تسليط الضوء على التراث المغولي، لكن أديتياناث عدل المشروع وأعاد تسميته تكريمًا لمحارب هندوسي يدعى شتربتي شيواجي مهاراج، حارب المغول لكنه فشل.
ويؤكد أزهر عمري أن هذا الموقف لا يقتصر على تاج محل، بل يشمل مواقع تاريخية أخرى ذات صلة بالإرث الإسلامي.
8 ملايين زائر سنويًّا
ويستقطب تاج محل سنويًّا ما بين 7 و8 ملايين زائر، من بينهم أكثر من 800 ألف سائح أجنبي، وهو ما يجعله أحد أكثر المعالم السياحية جذبًا في الهند.
وتتركز الزيارات بشكل ملحوظ خلال الأشهر ذات الطقس المعتدل، خاصة في أكتوبر ونوفمبر وفبراير، حيث يفضل السياح استكشاف هذا الصرح التاريخي بعيدًا عن حرارة الصيف الحارقة.
ويواجه هذا الصرح الفريد تهديدات بيئية متزايدة، أبرزها تلوث الهواء ونهر يامونا المجاور، كما أن العدد الكبير من السياح والحركة المستمرة يلحقان ضررًا كبيرًا بالمبنى. فكل يوم، يسير آلاف الزوار على الرخام الأبيض ويدخلون الضريح.