من المعاناة إلى الأمان.. مستشفى للفيلة في الهند يوفر ملاذا للعلاج والتقاعد (فيديو)

تدير منظمة “الحياة البرية إس أو إس” مستشفى مخصصا للفيلة في الهند، إلى جانب مركز إنقاذ في متورا بولاية أوتار براديش شمالي الهند، حيث توفر المنظمة ملاذًا آمنًا للفيلة التي تعرضت للاستغلال في السياحة، والتسول، والأسر غير القانوني.

ووفقًا لوزارة البيئة والغابات وتغير المناخ الهندية فقد نفق أكثر من 1160 فيلًا لأسباب غير طبيعية خلال العقد الماضي. ورغم المكانة المقدسة التي تحظى بها الفيلة في الثقافة الهندية، فإنها كثيرًا ما تتعرض لسوء المعاملة وتخضع لأساليب تدريب قاسية تجردها من غرائزها الطبيعية، بدءًا من المواكب الدينية إلى حفلات الزفاف، حيث تتعرض هذه الحيوانات لصدمات نفسية وجسدية شديدة.

ويتصدر المستشفى جهود إنقاذ الفيلة وإعادة تأهيلها، حيث تمكن من إنقاذ مئات الفيلة من أوضاع قاسية، وتستضيف المنظمة حاليًّا 40 فيلًا، جميعها تعاني من إصابات جسدية واضطرابات نفسية، وإرهاق شديد.

ولا تُطلق السلطات على هذا المستشفى اسم مركز علاج فحسب؛ بل تعتبره أيضًا دار تقاعد للفيلة، حيث يُعد منزلًا دائمًا للفيلة الناجية. فبمجرد وصول الفيلة إلى المستشفى لتلقي العلاج، لا يمكن إطلاق سراحها في الغابة بسبب فترات الأسر الطويلة واعتمادها على البشر.

حياة جديدة

مستشفى الفيلة في الهند

أفاد هيمانشو سود، أحد مسؤولي الحفاظ على الأفيال في المستشفى، للجزيرة مباشر بأن مركز الحفاظ على الأفيال ورعايتها، تأسس عام 2010 في ماثورا بولاية أوتار براديش، بهدف تقديم العناية الطبية اللازمة للأفيال التي تخلى عنها أصحابها ومشغلوها بعد سنوات من المعاناة والمعاملة الوحشية؛ مما أدى إلى إصابتها بالهزال، والعمى، والأورام. ويضم المستشفى اليوم أكثر من 40 فيلًا ناجيا.

وقال سود: “جرى إنقاذ جميع الأفيال الموجودة في المركز من ظروف قاسية. كان بعضها مملوكًا للقطاع الخاص ويُستخدم في التسول، بينما أمضت فيلة أخرى حياتها في الأسر كأفيال معابد أو أُجبرت على تقديم العروض في السيرك”.

ويضم المرفق مركزين رئيسيين هما: المستشفى، الذي يقدم رعاية طبية متقدمة تحت إشراف أطباء بيطريين باستخدام أحدث التقنيات لعلاج الأفيال المصابة بجروح خطيرة، ومركز الرعاية، الذي يُعنى بالأفيال التي تعاني من مشكلات صحية طفيفة.

مساحات خضراء

مستشفى للفيلة في الهند يوفر ملاذا للعلاج والتقاعد

بمجرد إنقاذها، تبدأ الأفيال في المركز التعافي من آثار ماضيها القاسي. وأوضح سود: “لم تعد هذه الأفيال مضطرة إلى حمل أحمال ثقيلة أو السير على الأرصفة الحارقة؛ فهي هنا تستمتع بالاستحمام المتكرر، والتغذية السليمة، والرعاية الممتازة”.

وجرى تصميم المركز بحيث يحاكي البيئة الطبيعية للأفيال، إذ يضم مساحات خضراء شاسعة، وحقولًا مفتوحة للمشي اليومي، وبرك مياه حيث يمكن للأفيال الاستحمام واللعب بحرية. ويقع المركز على ضفاف نهر يامونا، مما يتيح للأفيال فرصة الاستمتاع بحمامات طويلة مريحة.

من جهتها قالت جيتا سيشاماني، مؤسسة المستشفى: “إنه أول مستشفى مخصص للأفيال في الهند، حيث يضم أحدث المعدات الطبية، ونحن نتعلم ونتطور باستمرار، ونحرص على دراسة كل فيل لتقديم العلاج والرعاية المخصصة له”.

نحو 3 آلاف فيل في الأسر

جهاز تخفيف الألم على الفيل-وأضافت أنه رغم الجهود المبذولة للحفاظ على الأفيال، فإنها ما زالت تواجه تهديدات خطيرة، حيث يدفع فقدان الموائل الطبيعية، نتيجة التوسع العمراني السريع ومشاريع التنمية، الأفيال البرية إلى بيئات غير مناسبة؛ مما يجعلها مهددة بالانقراض.

وتدير الحكومة الهندية “مشروع الفيل”، الذي يُجري إحصاءً دوريًّا لأعداد الأفيال في جميع أنحاء الهند كل خمس سنوات باستخدام تقنيات العد المباشر وتحليل الروث.

ووفقًا للبيانات الحكومية، لا يزال هناك أقل من 30 ألف فيل في البرية، بحسب إحصاء عام 2017 بزيادة أكثر من 2000 فيل مقارنة بإحصاء عام 2007، إضافة إلى نحو 3 آلاف فيل في الأسر.

ولم تنشر وزارة البيئة إحصاء بعدد الأفيال في الهند عام 2022، بسبب صعوبات في التعداد. ويخشى خبراء من أن يكون عدد الأفيال قد انخفض بنسبة 20% خلال السنوات الخمس الماضية.

“كسر الروح”

علاج الأفيال

رغم حجمها الهائل، لا تزال الأفيال خاضعة لسيطرة البشر، فقد استُخدمت لعدة قرون في الحروب والنقل والترفيه. ولا يزال الاتجار غير المشروع بالأفيال والأسر القسري لها يشكلان تهديدات كبيرة. وغالبًا ما تدخل الفيلة حياة الأسر عبر اختطاف صغارها من البرية وفصلها عن أمهاتها لاستخدامها في السيرك وحفلات الزفاف والمواكب وطقوس المعابد. وفي كثير من الحالات، تُقتل الأمهات أثناء محاولتهن حماية صغارهن.

وكشف سود للجزيرة مباشر أن تحويل الفيل البري إلى كائن مطيع للأوامر البشرية يتم عبر عملية وحشية تُعرف باسم “فاجان”، يعني “كسر الروح”. وفي هذه العملية، يُحبس الفيل الصغير في مكان ضيق دون طعام أو ماء، ويتعرض للضرب المبرح حتى يصبح خاضعًا تمامًا لمدربه. ويتسبب هذا التعذيب الجسدي والنفسي في صدمة نفسية واضطرابات دائمة للفيل.

ويستخدم المدربون، المعروفون باسم “ماهوات”، أساليب قاسية لإجبار الأفيال على الطاعة، مثل ضربها بقضبان حديدية، أو وخزها في المناطق الحساسة كالعينين والأذنين؛ مما يؤدي إلى العمى والإصابات الخطيرة. كما أن الأفيال غير مهيأة للمشي على الطرق الإسفلتية، ورغم ذلك تُجبر على ذلك؛ مما يؤدي إلى التهابات مزمنة في الأقدام ومشكلات صحية خطيرة.

تحديات علاج الأفيال

كما أكد الطبيب البيطري راهول براساد التحديات التي تواجه علاج الأفيال الناجية؛ قائلًا: “تعاني معظم الأفيال التي نعالجها من التهابات القدم، والعمى، وإصابات جلدية عميقة. كما يعاني بعضها من سوء التغذية، في حين يعاني البعض الآخر من السمنة بسبب تناولها لأطعمة غير مناسبة يقدمها لها السائحون، مثل الشوكولاتة والبسكويت”.

وأضاف براساد: “علاج الأفيال مهمة شاقة للغاية. لدينا معدات متخصصة لرفع الأفيال، وإجراء الأشعة السينية، وتسكين الآلام. ومع ذلك، فإننا نعتمد في المقام الأول على طرق العلاج الطبيعية لضمان تعافيها بأفضل شكل ممكن”.

وسلّط سود الضوء على التوسع في إنشاء مستشفيات الأفيال في الهند، قائلًا: “عندما بدأ هذا المستشفى، لم تكن هناك مستشفيات مخصصة للأفيال في الهند. أما الآن، فقد أُنشئت عدة مستشفيات، من بينها مستشفى تديره عائلة (الملياردير الهندي) موكيش أمباني”.

وشدد سود على ضرورة تشديد تطبيق قوانين حماية الحياة البرية لمكافحة تجارة الأفيال غير القانونية، موضحًا: “معظم الأفيال الأسيرة في الهند مملوكة بشكل غير قانوني، وبدون فرض قوانين صارمة لحماية الحياة البرية، سيستمر استغلالها بشكل مأساوي”.

ورغم الجهود المكثفة تفقد العديد من الأفيال حياتها أثناء العلاج بسبب خطورة إصاباتها. وأوضح سود أن “نقل الأفيال المصابة إلى المستشفيات يُشكّل تحديًا كبيرًا. في كثير من الأحيان، نُضطر إلى نقلها بواسطة الشاحنات، وهي عملية صعبة وتنطوي على مخاطر جمّة. ورغم أننا تمكنا من إنقاذ العديد من الأفيال، فإن 15 فيلًا لقت حتفها أثناء خضوعها للعلاج”.

وأضاف سود: “معظم الأفيال التي ننقذها كانت خاضعة لسيطرة البشر طوال حياتها؛ مما أدى إلى تطور ارتباط قوي بينها وبينهم. وإذا أطلقنا سراحها في البرية، فلن تتمكن من البقاء على قيد الحياة بمفردها. نأمل أن يأتي يوم تعيش فيه الأفيال في غاباتها الطبيعية فقط، بعيدًا عن الأسر والاستغلال”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان