قتلوا والدها وحرقوا قريتها.. الحاجة غالية تستعيد ذكريات النكبة والتهجير (فيديو)

من بين أزقة مخيم العروب للاجئين شمال مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، تخرج كلمات الحاجة غالية مقبل مشبعة بالحنين إلى مسقط رأسها.

سبعة وثمانون عاما عاشتها اللاجئة الفلسطينية وهي تحمل على كتفيها ذاكرة النكبة، لحظة اقتلاعها من قريتها عراق المنشية، التابعة لقضاء المجدل-عسقلان في أراضي عام 1948.

كانت الحاجة غالية تبلغ من العمر 10 سنوات فقط عندما اقتحمت العصابات الصهيونية قريتها عام 1948، وشهدت لحظة استشهاد والدها سلطان ماضي برصاص العصابات الصهيونية أمام ناظريها.

لحظات التهجير الأولى

تتذكر الحاجة غالية لحظات التهجير الأولى، وهي في عمر العاشرة، وتقول للجزيرة مباشر “هجّرونا، رحّلونا اليهود. طلعونا من البلاد في سيارات، ورمونا زي الحيوانات، كل أربع عائلات في سيارة، كانوا يدخلوا علينا البيوت ويقتلونا، قتلوا أبوي، طخوه أول شي في رجله، وأنا رحت عليه مع أخي الصغير، طردونا اليهود صرنا نركض، إلا هما طاخين أبوي في راسه، وتركوه، مخه على الأرض، دفنوه في الصحراء، ونفسي أزور قبره، بس حرقوا البيوت وحرقوا الصحراء”.

تأخذ الحاجة غالية نفسا عميقا، قبل أن تكمل الرواية التي يبدو أنها لم تفارق ذاكرتها رغم تقدم سنها، وتقول “النكبة كانت كبيرة، لو مسكوك بيطخوك”.

ذكريات الأرض التي أحبتها

تحكي الحاجة غالية بحرقة عن الأرض التي أحبتها، وزرعتها عائلتها بالعدس والقمح والذرة، وعن والدتها التي كانت تخبز في الطابون “بحب أرضي لأنها وطني، كنا نزرع الأرض، ونأكل ونشرب من الأرض، وأمي تخبز في الطابون رغيف كبير طيب، اليوم لا نعرف أين بيوتنا. لقد هدموها وبنوا عليها وخربوا ديارنا. لم يتبق لنا شيء”.

ورغم تقدمها في العمر، تحتفظ الحاجة غالية بذكريات طفولتها بكل تفاصيلها الصغيرة، وتستذكر أيام العيد، فتقول “في أيام العيد كنا نلعب، ونخرج ونضع الحنة على كفوف أيدينا، وكنت أركب الحمار مع شقيقي ونذهب للتسوق في سوق قرية الفالوجة، وأشتري أي شيء بقرش واحد: البصل أو التين المجفف أو البندورة”.

وتتذكر غالية والدها الذي كان يعمل في تجارة المواشي والبقر، وتحاول غناء ما تتذكره من أهازيج شعبية تراثية فلسطينية، بعد أن كانت في طفولتها حافظة لهذه الموروثات الشعبية، لكن اليوم، لم تعد صحتها تسمح لها بالسير مسافات طويلة للمشاركة في الأعراس وغناء هذه الأهازيج كما كانت تفعل في شبابها.

تحث أهل غزة على الصمود

وإذ تبصر الحاجة غالية اليوم ما يحدث في غزة، تشعر أن التاريخ يعيد نفسه. يتحول صوتها إلى رجاء ممزوج بالحزن والألم، وتحث أهل القطاع على الصمود.

وتعبّر الحاجة غالية عن ألمها حين ترى صور الشهداء، وتقول “أنا بحب يضلوا في الأرض، وما يطلعوا من غزة. لما أشوف الشهداء ببكي، بتذكر اللي صار معنا أيام النكبة”.

أهل غزة يتعرضون لحرب إبادة إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023
أهل غزة يتعرضون لحرب إبادة إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (رويترز)

ولا تزال الحاجة غالية تحتفظ ببعض مقتنيات منزل عائلتها في عراق المنشية، لتكون ذكرى تعاند النسيان، وتصر على البقاء في حنين إلى ذلك البيت الذي أُحرقت جدرانه وهُدمت بأيدي العصابات الصهيونية، وبقي مفتاحه بين يديها.

وعن حلم العودة إلى قريتها المهجرة، تتساءل الحاجة غالية عما إذا كان ما تبقى في عمرها يكفي كي تشهد لحظة العودة إلى ديارها، لكنها تأمل أن تتحقق أمنيتها بالعودة إلى أبنائها وأحفادها.

قصة قرية عراق المنشية

وبحسب الموقع الإلكتروني لموسوعة القرى الفلسطينية، فقد كانت قرية عراق المنشية تابعة لقضاء المجدل-عسقلان في الوثائق الانتدابية الإنجليزية، وتبعد عن مدينة غزة نحو 32 كيلومترا إلى الشمال الشرقي.

وتُعَد عراق المنشية من أواخر القرى التي سقطت بأيدي العصابات الصهيونية بعد عام كامل من النكبة. وظلت القرية صامدة حتى مارس/آذار عام 1949 رغم القصف والدمار، بفضل المتطوعين من القرية والجيش المصري والمتطوعين السودانيين.

وقامت العصابات الصهيونية المسلحة بعد اتفاقية رودس بهدم القرية وتشريد أهلها، وأقامت على أنقاضها مستعمرة “كريات جات” التي تُعَد من أضخم مدن الاحتلال الصناعية حاليا.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان