زينة أم خزينة؟ الذهب الصيني ملاذ للمقبلين على الزواج في مصر

لا يصدق أمير حلمي أن تلك القلادة بسعر لا يتجاوز أربعة دولارات (الجزيرة مباشر)
لا يصدق أمير حلمي أن تلك القلادة بسعر لا يتجاوز أربعة دولارات (الجزيرة مباشر)

لا يصدق أمير حلمي، أن سعر قلادة كبيرة تشبه الأصلية تماما من الذهب الحر لا يتجاوز 200 جنيه (4 دولارات تقريبا) ويطلب من البائع المزيد وصولا إلى هدايا خطبة لا تتجاوز 2000 جنيه بعد أن كان عليه أن يشتري “شبكة الزواج” بنحو 100 ألف جنيه (ألفي دولار) على أقل تقدير.

وقال حلمي للجزيرة مباشر “الذهب الصيني أصبح ملاذ المقبلين على الزواج في ظل ارتفاع أسعار الذهب الحر وتراجع القدرة الشرائية للناس”، لافتا إلى أنه بذل جهدا كبيرا في إقناع عائلته بهذا التحول، واختار الشراء من متجر خارج مربعه السكني.

وأوضح حلمي أن سكان حي أرض اللواء -بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة- الذي يعيش به وأحياء شعبية أخرى، لم يعودوا يقدمون الذهب الحر في هدايا الزواج أو الزينة العادية.

تزاحم كبير ومبيعات محدودة من الذهب الحر لصالح الصيني طبقا للتجار (الجزيرة مباشر)
تزاحم كبير ومبيعات محدودة من الذهب الحر لصالح الصيني طبقا للتجار (الجزيرة مباشر)

وفي متجر يبيع الذهب الحر بشارع الحسين بوسط القاهرة تواصل الإقبال بوتيرة أقل من المعتاد، حسب ما قال البائع إبراهيم الرفاعي للجزيرة مباشر، لافتا إلى أن الذهب الحر أصبح يحلق في منطقة أخرى، ولا وجه للمقارنة على حد تعبيره.

وأشار الرفاعي إلى أنه افتتح فرعا لبيع الذهب الصيني استجابة لحركة السوق، موضحا أن المبيعات في تزايد كبير منذ أكثر من عامين، وخصوصا بعد التطور والتحسينات التي أدخلتها ورش تصنيع الذهب الصيني في منطقة شبرا شمال القاهرة. كما أشار إلى أن نوعا من الذهب عالي الجودة يأتي مستوردا من الصين، ولكن بسعر تنافسي للغاية مقارنة بالذهب الحر.

وطبقا لما قاله عضو شعبة الذهب سمير فانوس للجزيرة مباشر فإن الذهب الصيني عبارة عن سبيكة تتكون من النحاس والزنك بنسبة تتراوح بين 70% و80%، وهي تركيبة توفر مظهرا شديد الشبه بالذهب الأصلي، ولكنها تختلف في القوة والصلابة.

ونصح فانوس المستهلكين بضرورة التمييز أو الاستعانة بخبراء لتجنب الغش التجاري، موضحا أن هناك اختلافا في درجة اللون واللمعان بين الذهب الحر والصيني، حيث يكون الأخير أكثر اصفرارا وأقل لمعانا، كما يكون الذهب الصيني أقل وزنا وكثافة، وهذه أشياء، كما يقول فانوس، لا يعرفها إلا الخبراء، مشيرا إلى ضرورة التحقق من العلامات التجارية وشهادات البيع والفواتير والتعامل مع تجار موثوق بهم عند شراء المعدن النفيس.

أسعار الذهب الحر دفعت المقلبين على الزواج إلى التحول للصيني (الجزيرة مباشر)
أسعار الذهب الحر دفعت المقلبين على الزواج إلى التحول إلى الصيني (الجزيرة مباشر)

زينة وخزينة

ويذهب محمود هيبة، وهو صاحب متجر آخر للذهب الحر، إلى أن التحول الشعبي نحو الذهب الصيني والإكسسوارات المقلدة أمر مؤقت يرتبط بالظروف الاقتصادية. كما اعتبر هيبة في حديثه للجزيرة مباشر أن الذهب الحر ظل أهم “مخزن للقيمة” والادخار والزينة لدى المصريين منذ قديم الزمن، فهو كما يقول المثل الشعبي “زينة وخزينة”.

وبينما أقر هيبة بتراجع نسبي للمبيعات لصالح الذهب المقلد، أشار إلى أن ورش تصنيع الذهب الحر تتجه حاليا لإنتاج مشغولات بأوزان خفيفة وأعيرة منخفضة مثل عيار 9 و14 و16، بديلا عن عياري 18 و21 لتنشيط المبيعات بما يناسب القدرات الشرائية المتراجعة للمواطنين.

وعن أسباب التحول تقول سمية إبراهيم، وهي موظفة إدارية بإحدى شركات الاتصالات، إن اقتناء الذهب الصيني ضرورة فرضتها الظروف الاقتصادية، وإنها أسقطت الذهب الحر من حسابات الهدايا الزوجية باستثناء غرامات محدودة للغاية من الذهب الحر.

لكن والد العروس نسرين أسامة، قال للجزيرة مباشر أثناء وجوده في أحد محال البيع، إنه يتمسك بالذهب الحر، وأكد للجزيرة مباشر أنه الضمانة الأهم في الزواج، كما لفت إلى تحذيرات بعض الأطباء من تسبب الذهب الصيني في بعض الأمراض الجلدية، فضلا عن احتمال فقدانه اللمعان والبريق جراء الغسيل المتكرر.

ورأى أسامة أن الذهب يمثل رمزا للمكانة الاجتماعية، أما الصيني فإنه يرسم مكانة مزيفة، على حد تعبيره.

الذهب الصيني بات خيارا وحيدا لكثير من المقبلين على الزواج (الجزيرة مباشر)
الذهب الصيني أصبح خيارا وحيدا لكثير من المقبلين على الزواج (الجزيرة مباشر)

بديل حتى إشعار آخر

وهنا يشير أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان وليد عبد الفتاح إلى أن التقلبات الاقتصادية الحادة أعادت رسم خريطة العادات والتقاليد التي كانت سائدة لفترات طويلة بما في ذلك تقديم الذهب الحر للعروس أو هدايا في المناسبات المختلفة.

ورغم ذلك فقد قال عبد الفتاح للجزيرة مباشر إن اقتناء الذهب الحر ما زال عادة متأصلة في الثقافة المصرية، لا تلبث أن تعود بعد تحسن الظروف. ورأى أن الذهب الصيني يمثل بديلا مقبولا حتى إشعار آخر.

وشهدت أسعار الذهب في مصر ارتفاعات متتالية في الفترة الأخيرة مدفوعة بصعود عالمي نتيجة التوترات السياسية والحروب في مناطق متفرقة من العالم، وكذلك بسبب الحرب التجارية والرسوم الجمركية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا.

كما تأثرت أسعار الذهب في مصر بعامل إضافي هو الضغط المستمر للدولار على الجنيه وتقويم سعر الغرام طبقا لسعر العملة الأمريكية في السوق السوداء، حسبما قال تاجر الذهب إبراهيم الرفاعي، الذي تحدث أيضا عن تأثير العامل النفسي ومستوى الطلب المحلي.

وأضاف الرفاعي: “عندما يشعر المصريون بالخطر وعدم الأمان الاقتصادي يزيد الإقبال على الذهب، وخصوصا مع ارتفاع معدلات التضخم، حيث يمثل الذهب وسيلة لحفظ قيمة مدخراتهم من التآكل. وتابع: “لا مجال هنا للذهب الصيني الذي يسبب بعض الأمراض الجلدية” على حد قوله.

وتعليقا على ذلك قالت طبيبة الأمراض الجلدية رنا هلال للجزيرة مباشر إن النحاس الذي يصنع منه الذهب الصيني والمقلد من المعادن يؤثر سلبا في الجلد، لأنه سريع التأكسد، وربما يتعرض للصدأ مع الغسيل المتكرر، ويعرض البشرة للضرر المباشر.

وكان الذهب قد حقق مستويات قياسية متتالية خلال الشهرين الماضيين في ظل الاضطرابات التي سببتها الحرب التجارية في الأسواق العالمية، والتي قللت شهية المستثمرين تجاه الأصول المحفوفة بالأخطار، وفتحت الباب على مصراعيه للذهب باعتباره ملاذا آمنا.

وقفزت أسعار الذهب الحر في مصر إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، ولامس عيار 21 الأكثر شعبية حاجز 5 آلاف جنيه (100 دولار) للغرام، قبل أن يتراجع مع انحسار التوتر التجاري العالمي ليصل خلال الأيام القليلة الماضية إلى متوسط 4535 جنيها (نحو 91 دولارا) للغرام وسط توقعات بموجة ارتفاعات أخرى.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان