إنقاذ أم “هندسة للتهجير”.. ما الذي نعرفه عن الخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات في غزة؟

بينما يواجه سكان غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، بتصاعد خطر المجاعة والتهجير ودمار البنى التحتية، جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت الإدارة الأمريكية -بمباركة وموافقة إسرائيلية- خطة جديدة لإدخال المساعدات إلى القطاع.
لكن هذه المبادرة، التي ستشرف عليها مؤسسة ناشئة تُعرف باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، قوبلت برفض قاطع من الأمم المتحدة ومعظم منظمات الإغاثة الدولية، فضلا عن الفصائل الفلسطينية التي حذرت منها واعتبرتها طريقة لتهجير أهالي غزة.
اقرأ أيضا
list of 4 items3 سنوات فقط على الكارثة.. حرارة الأرض تقترب من “الخط الأحمر”
تهديد أمريكي للدول المشاركة في مؤتمر للأمم المتحدة
فرانشيسكا ألبانيزي تطلق استغاثة دولية.. أفرجوا عن طاقم “مادلين” ودعوة لبريطانيا للتحرك
فما هذه الخطة؟ وما الذي نعرفه عنها؟ وما الذي يدفع الأمم المتحدة والفلسطينيين إلى رفضها؟
ما هي خطة المساعدات الأمريكية الجديدة؟
- تأسيس كيان جديد: إنشاء مؤسسة خاصة باسم “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) لتتولى توزيع المساعدات، بدلا من منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية التقليدية.
تعتمد على تعاقدات مع شركات أمنية خاصة مسلحة لتأمين مراكز التوزيع وتوفير الخدمات اللوجستية. - مراكز توزيع محدودة ومراقبة: بناء عدد محدود من مراكز توزيع المساعدات (4 مبدئيا) في جنوب غزة، مع إمكانية التوسع، ويُلزم المدنيون الفلسطينيون بالذهاب إلى تلك المراكز لتسلُّم المساعدات.
ويُشترط التحقق من الهوية لتلقي المساعدة، إضافة إلى احتمال استخدام تقنيات بيومترية (بصمة أو وجه) للفحص الأمني. - تبديل نموذج التوزيع: إقصاء النظام القائم المعتمد على الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وحصر التوزيع عبر النموذج الجديد الذي تسيطر عليه “مؤسسة غزة الإنسانية” ويشرف عليه القطاع الخاص.
الاعتراضات على الخطة
وتواجه الخطة انتقادات دولية وفلسطينية، إذ إن هناك مخاوف من أن تستغل إسرائيل توزيع المساعدات لدفع سكان شمال غزة إلى المغادرة إلى الجنوب وعدم العودة.

المخاوف الدولية
وتقول الأمم المتحدة إن خطة التوزيع المدعومة من الولايات المتحدة لا تفي بمبادئ المنظمة الراسخة المتمثلة في النزاهة والحياد والاستقلالية.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إنه لا ينبغي إضاعة الوقت على الاقتراح البديل.
وفي إفادة قدَّمها فليتشر إلى مجلس الأمن، أوضح أن المشكلات في الخطة التي كانت إسرائيل أول من طرحها هي أنها “تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتقصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة، ولا تلبي الاحتياجات الماسّة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، وتجعل التجويع ورقة مساومة”.
وكان مسؤولون إسرائيليون ومقربون من الجهات المنظمة للمشروع قد روجوا لمزاعم بشأن انضمام منظمات إنسانية كبرى -بينها المطبخ المركزي العالمي والأمم المتحدة- إلى خطة المساعدات الجديدة، لكن هذه المنظمات سارعت إلى نفي أي صلة لها بالمبادرة، وأكدت عدم مشاركتها فيها.
رفض فلسطيني
بدورها، أكدت حركة حماس في بيان سابق “حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في الحصول على المساعدات الإنسانية بكرامة، ووفقا للآليات المعتمدة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية”.
وأضافت أن “المواقف التي عبّرت عنها الأمم المتحدة ووكالاتها، إلى جانب منظمات إنسانية دولية، والتي أكدت رفضها المشاركة في أي خطط تنتهك المبادئ الإنسانية في قطاع غزة، توجب على المجتمع الدولي التحرك العاجل لمنع عسكرة المساعدات وتحويلها إلى أداة لإدارة التجويع وانتهاك صارخ للمعايير الإنسانية”.
من جهتها، ذكرت الجبهة الديمقراطية أن الخطة “ستؤدي إلى تحويل القطاع إلى معتقلات جماعية، بذريعة الحصول على طعام، وفرض الرقابة الأمنية والعسكرية على السكان، وإخلاء مناطق الشمال وتحويلها إلى مناطق عسكرية”.
وقالت الجبهة الشعبية “هذه الخطة هدفها نشر الفوضى في غزة، وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وإعادة هندسته بما يخدم أجندات الاحتلال، خصوصا عبر توجيه المساعدات إلى مناطق معيَّنة، وربطها بالوجود العسكري، وتحويلها إلى وسيلة ابتزاز ومعاقبة جماعية”.

تمويل وإدارة غامضة
ولم تُكشف إلى الآن مصادر تمويل رئيسية واضحة، في حين تراجعت دول عدة مقترحة للدعم.
وكانت المؤسسة قد أعلنت الحصول على تمويل مبدئي بقيمة 100 مليون دولار، لكنها تواجه صعوبة في استقطاب جهات إنسانية كبرى أو مانحين دوليين.
دور الشركات الأمنية
وقال مصدر مطلع على الخطة لوكالة رويترز إن المؤسسة تعتزم العمل مع شركتين أمريكيتين خاصتين للأمن واللوجستيات، هما “يو.جي سولوشنز” و”سيف ريتش سولوشنز”.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست أن شركة “سيف ريتش سولوشنز” يقودها ضابط سابق في الـCIA، وستتولى تأمين المراكز ومتابعة العمليات ميدانيا وتقنيا، بما يشمل استخدام كاميرات وطائرات مسيَّرة.
إشكالات لوجستية واستراتيجية
ولا يبدو أن الخطة متفق عليها بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، إذ إن هناك جدلا داخل الجيش الإسرائيلي بشأن الجدوى والهدف الاستراتيجي للمشروع، ومدى قدرته على منع الفوضى أو التهريب. كما أن هناك تحفظات بشأن إمكانية نقل أعداد كبيرة من المدنيين أو خلق طوابير طويلة وأخطار تدافع، وفقا لـ”واشنطن بوست”.
وخلص تحقيق نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن تحقيق مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “اختار جهة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة خلف ظهر المؤسسة الأمنية”.