قس هندي يكشف بالأدلة: هكذا تواطأت الشرطة مع متطرفين هندوس وأجبرتنا على الاختباء (فيديو)

قال قس مسيحي في الهند للجزيرة مباشر إنه اضطر إلى الاختباء هو وعائلته بعد تعرُّضهم لهجوم عنيف خلال قداس في الكنيسة الشهر الجاري في ولاية تشهاتيسغره الهندية، في حادث أثار مخاوف متجددة بشأن تصاعد التعصب الديني وتواطؤ الشرطة مع الأغلبية الهندوسية ضد الأقليات في الهند.

وقال القس خوسيه توماس (62 عاما)، الذي يدير مدرسة “مملكة الرب” والكنيسة التابعة لها منذ أكثر من عقدين، إنه يواجه حملة استهداف منظمة انتهت باعتداء عنيف شنه متطرفون من الجماعات الهندوسية اليمينية عليه وعلى الكنيسة في 18 مايو/أيار.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة حشدا من المتطرفين الهندوس، العديد منهم مرتبطون بمنظمة “باجرانغ دال” وجماعة “آر إس إس” الهندوسيتين المتطرفتين وغيرهما، وهم يقتحمون المدرسة مرددين شعارات هندوسية، ويعتدون على المصلين.

أدلة واضحة

وقال توماس لقناة الجزيرة مباشر “ضربوا زوجتي وأولادي، وحتى الفتيات القاصرات”، مؤكدا وجود أدلة واضحة بالفيديو وأقوال شهود عيان، لكنه قال إن الشرطة رفضت تسجيل قضية ضد المهاجمين، وبدلا من ذلك احتجزته مع آخرين، وأجبرهم ضباط الشرطة على توقيع إفادات مكتوبة سلفا، وهددوهم باتخاذ إجراءات ضدهم إذا لم يوقفوا الأنشطة الدينية في المنطقة.

القس خوسيه توماس

نزاع بشأن رسوم مدرسية

وأوضح توماس للجزيرة مباشر أن المشكلة بدأت، في 28 إبريل/نيسان، عندما طالبه رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في المنطقة راجيندرا تشاندرافانشي بشهادة نقل لطالب من عائلة شيندي ذات النفوذ السياسي، رغم تراكم رسوم دراسية غير مدفوعة بقيمة 150 ألف روبية (حوالي 1800 دولار).

وقال توماس “رفضت إصدار الشهادة دون دفع الرسوم. فهددني بإغلاق المدرسة، ثم بدأ بشتمي وشتم والديَّ”.

وبعد ذلك كرر ضابط شرطة محلي الطلب نفسه، مدعيا أنه يتصرف بناء على أوامر من مسؤولين كبار. وبعد أيام، اندلع احتجاج أمام المدرسة أثناء غياب توماس، ووجَّه أعضاء من الجماعات الهندوسية، من بينهم أقارب الطالب، اتهامات للمدرسة بإجبار طلاب على اعتناق المسيحية.

“دفعوهم إلى الاختباء”

قال توماس “لقد حولوا نزاع الرسوم إلى قضية (دفعوهم للاختباء). اتهامات لجماعات هندوسية بالاعتداء على مدرسة مسيحية وكنيسة بسبب مزاعم بالتبشير. قدَّموا مذكرة إلى الإدارة المحلية زعموا فيها كذبا أنني قلت للطلاب إنهم لن يحصلوا على الشهادة إلا إذا قبلوا بالمسيح مخلّصا”.

وتعليقا على القضية، قال رئيس منتدى المسيحيين المتحدين في الهند مايكل ويليامز للجزيرة مباشر “الجميع يعلم أن الأمر لا علاقة له بالتنصير. إنه مجرد رغبة من أحد قادة حزب بهاراتيا جاناتا للحصول على شهادة نقل لطالب لم يدفع والداه الرسوم لمدة عامين”.

وأضاف “إذا بدأت المدارس والمؤسسات التعليمية تتعرض لهجمات من الجماعات التي توجه اتهامات زائفة بالتنصير إلى القائمين على هذه المدارس، فإن هذا وضع محزن وخطر للغاية”.

هجوم على الكنيسة

وروى توماس تفاصيل الهجوم الذي وقع على الكنيسة في 18 مايو، وأوضح أنه وقع خلال قداس الأحد المعتاد الذي يقام في المدرسة منذ أكثر من 30 عاما، إذ اقتحم حشد من المتشددين الهندوس الكنيسة، وقال إن الشرطة كانت حاضرة لكنها لم تتدخل. وأضاف “ضربوا ابني أمام قائد الشرطة دارمندرا سينغ”.

وبحسب رواية توماس، فقد جرى اقتياده مع مصلين آخرين إلى مركز الشرطة، وقال إن الضباط كانوا على وشك ضربهم بأحزمتهم. وأضاف “قال لي أحد الضباط إن عليَّ توقيع تعهد بعدم إقامة الصلوات مجددا. رفضت. فقال لي إنني سأُسجن إن لم أوافق”.

وفي اليوم التالي، استُدعي توماس إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، وقال ابنه جوشوا للجزيرة مباشر “أخذوا هاتفه، وفتشوه دون إذن، وأجبروه على توقيع وثائق دون إبلاغه بالتهم”.

ورغم هذا فقد أُفرج عن القس توماس بكفالة، وكاد يتعرض لهجوم ثانٍ أمام المحكمة، لكنه فر مختبئا في صندوق سيارة، بحسب ابنه جوشوا.

والآن، أصبحت العائلة في حالة اختباء، وتتنقل بين أماكن متعددة، وتتجنب أي اتصال رقمي، خشية تعقبها والاعتداء عليها من جديد.

وقال يوسف توماس (18 عاما) “لا يمكننا العودة إلى منزلنا، ولا الذهاب إلى المدرسة. كان من المفترض أن أحتفل بنتائج كليتي، لكنني أعيش في خوف دائم من الاعتداء أو القتل”.

كيف ردت الجماعات الهندوسية؟

وردا على هذه الاتهامات، دافع قادة قوميون هندوس محليون عن الاحتجاجات، مدعين وجود أدلة على ممارسة المدرسة للتنصير.

وقال راج كومار يادا، وهو زعيم محلي في جماعة “دارم جاغران راكشا منش” الهندوسية، لوسائل إعلام محلية “ضحايا التنصير قالوا إنهم عُرض عليهم مبلغ 50 ألف روبية (نحو 385 دولارا) ووعود بالشفاء”.

وأضاف يادا “هؤلاء الناس يضرون بالهندوتفا (الأيديولوجيا الهندوسية) ويحظون بدعم من بعض المسؤولين في الإدارة. هم متهمون بالتنصير لكنهم يتجولون بحرية. هذا مصدر قلق للهندوتفا وللأمة. إذا كان الهندوسي آمنا فالأمة تكون آمنة”.

من جانبه، نفى ساغات ساهو -وهو زعيم هندوتفا آخر- وقوع أي عنف خلال الحادث، وقال في تصريحات لوسائل إعلام محلية “لم نعتدِ عليهم. الاتهامات التي يوجهها القس توماس غير صحيحة. هو الآن خائف لأن متجره -الذي يدير من خلاله التنصير- على وشك الإغلاق”.

نمط من الاضطهاد

ويقول القادة المسيحيون إن ما جرى في كاورداه ليس حالة فردية، وقال ويليامز “المجتمع المسيحي بأكمله يشعر بقلق بالغ إزاء ما حدث في تشهاتيسغره مع مدرسة مملكة الرب. نحن جميعا نقف إلى جانب القس خوسيه في هذا الوقت”.

وأضاف “عدم اتخاذ الشرطة ومن يُفترض بهم حماية القانون أي إجراء، يمثل مصدر قلق كبير”.

وأشار ويليامز إلى ارتفاع حاد لهجمات الجماعات الهندوسية المتشددة ضد المسيحيين على مستوى الهند، وأضاف “نرصد تزايد الاضطهاد الديني بحق المسيحيين في أنحاء البلاد. في عام 2014، سجلنا 124 حالة عنف واضطهاد. أما في عام 2024، فعدد الحالات يقارب 900 سنويا. هذا يعني أكثر من حالتين يوميا”.

ورغم الأدلة المتزايدة، فقد سعت الشرطة للتقليل من شأن الأمر، وقال بوشبيندرا سينغ باجهايل -وهو مسؤول رفيع في الشرطة- لوسائل الإعلام إن الجماعات الهندوسية قدَّمت شكوى تتعلق بإجبار أشخاص على تغيير دينهم، وأضاف “نحقق في الأمر. كانت هناك مشادات، لكن لم ترد تقارير عن اعتداءات”.

لكن القادة المسيحيين يرون أن هذا التجاهل يشجع على الإفلات من العقاب.

وقال ويليامز “نناشد الحكومة ووزير الداخلية وكل قادة المعارضة وكل مواطن في الهند أن يدركوا خطورة ما يجري، ويتخذوا إجراءات بحق من يرتكب هذه الانتهاكات. هذا لا يضر التعليم فقط، بل يسيء إلى صورة البلاد”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان