مخاوف في مصر بعد إلغاء شهادة “المنشأ الحلال” عن منتجات الألبان الأمريكية

لم يفكر محمد ربيع المدير المالي بوزارة السياحة المصرية، وزوجته سالي حسين طبيبة الأسنان، يوما في قراءة البيانات المكتوبة بخط صغير للغاية على إحدى عبوات الألبان المستوردة، وسط جدل متزايد بشأن قرار إلغاء العمل بشهادة “المنشأ الحلال” للواردات من منتجات الألبان الأمريكية.
وقال ربيع للجزيرة مباشر إن التساؤل بشأن “الحلال والحرام” حول الواردات من منتجات الألبان لم يكن مطروحا بمصر. كما قالت زوجته إنها كانت تطرح ذلك التساؤل عندما كانت تكمل دراستها بالخارج “أما في مصر فشيء يدعو للقلق”، على حد تعبيرها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالحج.. في زمن انفلات الأسعار!
“قرص الغلة” والمنشور الذي حيّر المصريين.. وصفة غريبة لإنقاذ المنتحرين وتحذيرات من “الترند القاتل”
“طبق الغلابة”.. عواصف الغلاء تهدد عرش الكشري في مصر
وشهادة “المنشأ الحلال” هي وثيقة تثبت أن المنتجات الغذائية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بما في ذلك معايير المواد الخام المستخدمة في إنتاجها.
وكان المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، قد قال في مقابلة مع الإعلام المصري إن قرار الحكومة بإلغاء شهادات المنشأ الحلال الخاصة بمنتجات الألبان المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية ومشتقاتها، يهدف إلى تخفيض الأسعار.
وردا على سؤال “هل معنى إلغاء شهادة الحلال أن منتجات الألبان المستوردة ليست حلالا؟” قال إن “منتجات الألبان أصلا لا تحتاج شهادات حلال، وكانت تطلب في السابق كنوع من إجراء روتيني إضافي، ولكنه غير مطلوب”، مؤكدا استمرار العمل بهذه الشهادات بالنسبة للحوم.
وفي محاولة لوضع حد للجدل المتصاعد، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن جميع المنتجات التي تدخل السوق المصري خاصة الألبان مطابقة للمواصفات وتخضع لرقابة صارمة “ولا يمكن السماح بدخول منتجات محرمة”.
ونقلت الصحف المصرية عن وزير الاستثمار حسن الخطيب أن خطة الدولة تتسارع لجذب الاستثمارات بصناعة الألبان، موضحا أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لإزالة معوقات التبادل التجاري مع الولايات المتحدة.

أضرار محتملة
في المقابل يرى أستاذ الاقتصاد الزراعي بمعهد الإنتاج الحيواني عبد التواب بركات أن إلغاء شهادة “المنشأ الحلال” سيضر بمنتجات الألبان المصرية، موضحا للجزيرة مباشر أن 90% من مكونات الجبن تقريبا يتم استيرادها من الخارج، “وكذلك بروتينات الشرش والزبدة والمنفحة الحيوانية وبادئات الألبان المتخمرة التي ربما تمت تنميتها على بيئات ميكروبية غير حلال”.
كما حذر من اهتزاز ثقة المواطن المصري ونحو مليوني سائح عربي بالمنتج المحلي إضافة إلى التأثير سلبا على سمعة منتجات الصناعات الغذائية المصرية التي يدخل بها مكون من الألبان المستوردة مثل الحليب المجفف، ويتم إعادة تصديرها مثل البسكويتات والمخبوزات والشكولاتة وغيرها.

خطورة الاعتماد على الواردات الأمريكية
ويحذر كامل عبد الله، وهو صاحب مصنع لمنتجات الألبان، من خطورة “الاعتماد على الواردات الأمريكية” ويقول للجزيرة مباشر إن المطلوب تشجيع الإنتاج المحلي بخفض تكلفة الإنتاج وتوفير الأعلاف بأسعار مناسبة.
ولفت عبد الله إلى ارتفاع مستمر في أسعار الأعلاف، بعد تزايد الاعتماد على الاستيراد من الخارج، معتبرا أن استيراد الأعلاف خاصة الذرة، وهي المكون الرئيسي لها، يعد السبب الرئيسي لأزمات الإنتاج الحيواني.
وعلى الجانب الآخر، يدافع مساعد وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب جمال بيومي عن القرار بوصفه فرصة استثمارية مهمة.
وقال للجزيرة مباشر إنه “من قبيل تسهيل الإجراءات وخفض التكلفة، وكلها أمور تصب في مصلحة المستهلك والمنتج النهائي”.
وأضاف “المنتج المحلي يبحث دائما عن الحماية ولا يرحب بتحرير التجارة ولا بخفض الرسوم على الواردات”، مشيرا إلى أن الإعفاء من دفع رسوم “شهادة الحلال” التي تصل إلى 1500 دولار لكل حاوية سيشجع الاستثمار.
الوعي بالمكونات
وينصح عبد الله السيوفي -وهو مهندس جودة- بقراءة المكونات المكتوبة جيدا قائلا للجزيرة مباشر إن استخدام أي إضافات ستكون مسجلة على العبوة سواء كانت محلية أو مستوردة.
ويشير إلى أن القانون يلزم بوضع بيانات وأرقام على العبوات توضح نوع الإضافات خاصة الأحماض الدهنية ومصدرها وهل مصدرها نباتي مثل زيت الصويا فتكون حلالا، أو من مصدر حيواني كالخنزير أو البقر.
وتوقع السيوفي ارتباكا بالأسواق لبعض الوقت معتبرا أن زيادة الإنتاج المحلي ستضع نهاية لهذا الجدل.
وكان وزير الصناعة المصري كامل الوزير قد كشف أن فاتورة استيراد مصر للأجبان بلغت سنويا 130 مليون دولار قائلا إن البلاد لديها الإمكانيات للتصنيع المحلي.
وسجلت الولايات المتحدة فائضا قياسيا بلغ 82 مليون رطل من الدهون الزبدية، مما يشير إلى زيادة غير مسبوقة في الإنتاج ويدفع للبحث عن أسواق خارجية.
ويقول مدير معهد الإنتاج الحيواني الأسبق محمد فراج في تصريح للإعلام المحلي إن مصر تنتج قرابة 7.5 ملايين طن من الألبان سنويا، وتبلغ الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك نحو 3 ملايين طن.
يذكر أنه وفقًا لتقارير صادرة عن مجموعتي “آي إم إيه آر سي” و”ريسيرش آند ماركتس”، يقدر حجم السوق العالمية للأغذية الحلال بنحو 2.71 تريليون دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 5.91 تريليونات دولار بحلول 2033.
ويعاني هذا القطاع من ممارسات احتيالية، نظرا إلى ضخامة حجم المكاسب فيه، تشمل تزوير شهادات الحلال أو تقديم منتجات غير مطابقة للمعايير على أنها حلال، مما يهدد ثقة المستهلكين ويضر بسمعة المنتجين الشرعيين.