واشنطن بوست: مخاوف جراء سعي إدارة ترامب لإنهاء “المواطَنة بالولادة”

كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى من خلال أمر تنفيذي جديد إلى إنهاء ما تُعرف بـ”المواطَنة بالولادة”، وهي السياسة التي تمنح الجنسية الأمريكية تلقائيا لأي طفل يولَد على الأراضي الأمريكية، بغضّ النظر عن الوضع القانوني لوالديه.
وتُعَد هذه السياسة، المعروفة أيضا بـ”حق الأرض” (jus soli)، من المبادئ الدستورية الراسخة التي تميز الولايات المتحدة عن معظم دول العالم.
وبحسب الصحيفة، فإن الأمر التنفيذي الذي أطلقته إدارة ترامب يهدف إلى حرمان الأطفال المولودين داخل الولايات المتحدة لأبوين من المهاجرين غير النظاميين أو الزائرين بتأشيرات مؤقتة من الحصول على الجنسية تلقائيا. وتشير الوثيقة إلى أن الإدارة “لن تعترف بعد الآن” بحق الجنسية التلقائية في هذه الحالات.
جدل قانوني واسع
وأثار القرار جدلا قانونيا واسعا، إذ انضمت 22 ولاية، بالإضافة إلى العاصمة واشنطن، إلى دعاوى قضائية تطعن في شرعية القرار.
ونقلت الصحيفة عن خبراء قانونيين وجماعات مدافعة عن الحقوق المدنية أن هذا التوجه يُعَد محاولة غير قانونية لإعادة تفسير التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي، الذي يضمن الحق في المواطَنة لكل من “وُلد أو تم تجنيسه في الولايات المتحدة ويخضع لسلطتها القضائية”.
وفي تطور قضائي لافت، دعمت المحكمة العليا الأمريكية موقف إدارة ترامب مؤقتا من خلال إلغاء الحظر القضائي المفروض على الأمر التنفيذي، لكنها لم تبت بعد في دستوريته، مما يفتح الباب أمام طعون مستقبلية.

ليست سياسة أمريكية حصرية
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أدلى بتصريحات زعم فيها أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تطبّق نظام المواطَنة بالولادة، وهو ادعاء غير صحيح، إذ توجد أكثر من 30 دولة تمنح هذا الحق، وخصوصا في الأمريكيتين والكاريبي.
وتشير البيانات التي أوردتها الصحيفة إلى أن دولا مثل كندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وتشيلي ومعظم دول أمريكا الوسطى والكاريبي تمنح الجنسية بالولادة دون شروط، إلى جانب دول في آسيا مثل باكستان، وفي إفريقيا مثل تنزانيا وليسوتو، بالإضافة إلى جزر في المحيط الهادئ مثل توفالو وفيجي.
وكشفت واشنطن بوست أن جذور هذه السياسة في الولايات المتحدة تعود إلى التقاليد البريطانية التي كانت تَعُد الولاء مرتبطا بمكان الولادة. وقد تم تثبيتها قانونيا بعد الحرب الأهلية الأمريكية من خلال التعديل الرابع عشر للدستور عام 1868، ضمن مساعي منح الحقوق المدنية للأمريكيين السود المحرَّرين من العبودية.
وسبق أن أيدت المحكمة العليا هذا الحق في قضية مشهورة عام 1898، حين حكمت لصالح وونغ كيم آرك، الأمريكي المولود في سان فرانسيسكو لأبوين صينيين.
تراجعات عالمية وتحذيرات من التبعات
ووفقا لما نقلته الصحيفة، فإن عددا من الدول الأوروبية تخلت عن هذا النظام خلال العقود الماضية، على رأسها بريطانيا التي عدّلت قوانينها عام 1984، لتشترط أن يكون أحد الوالدين مواطنا أو مقيما شرعيا. وتبعتها أيرلندا في عام 2004.
وترى الخبيرة الاقتصادية الإيطالية غراتزييلا بيرتوتشي أن تراجع بعض الدول عن هذا النظام يعود إلى تصاعد المخاوف من الهجرة، وانتشار ظاهرة مثيرة للجدل تُعرف باسم “سياحة الولادة”.
وأضافت بيرتوتشي أن هذا الجدل ليس جديدا، وأن ترامب ليس أول زعيم يحاول إلغاء هذه السياسة، لكنه يعيد إحياءها في سياق سياسي شديد الاستقطاب.
أزمات إنسانية بسبب قرارات مماثلة
وسلطت واشنطن بوست الضوء على تجارب دول أخرى ألغت هذا النظام، مشيرة إلى أزمة إنسانية خطيرة شهدتها جمهورية الدومينيكان عندما ألغت الجنسية بأثر رجعي حتى عام 1929، مما أدى إلى حرمان نحو 200 ألف شخص -معظمهم من أصل هاييتي- من الجنسية.
كما أشارت إلى الجدل الذي أثارته السلطات الأسترالية عندما حاولت ترحيل عائلة تاميلية لاجئة وُلدت ابنتاها على الأراضي الأسترالية أثناء فترة الانتظار للحصول على اللجوء.
“رسالة مقلقة”
ورأت المؤرخة القانونية مارثا جونز أن خطوة ترامب تحمل “رسالة خطيرة” مفادها أن الجنسية الأمريكية لم تعد أمرا مضمونا حتى لمن وُلد في البلاد. وأضافت “الرسالة هي: إذا كنت تعتقد أنك أمريكي، فسيتعين عليك أن تناضل لتثبت ذلك”.
ورغم أن مصير الأمر التنفيذي لا يزال غير محسوم قانونيا، فقد أشارت واشنطن بوست إلى أن الجدل الذي أثاره يعيد تسليط الضوء على واحد من أقدم الأسس الدستورية الأمريكية وأهمها، وسط انقسام حاد بين من يرى المواطَنة بالولادة حقا راسخا، ومن يَعُدها ثغرة قانونية تُستغل في سياق الهجرة.