تحسر على “أيام الرخص”.. الغلاء يذبح تقاليد الأضحية في بيوت المصريين

“ما معناش فلوس” بهذه الكلمات أجاب فادي حامد، الذي يعمل مدير حسابات في شركة خاصة، مازحا عند سؤاله “هل اشتريت الأضحية؟”، ليبدأ بعدها حديثا جادا للجزيرة مباشر عن الارتفاع الكبير في سعر خروف الأضحية في مصر.
وقال حامد “فيما سبق، كنت قادرا على شراء خروف، إذ تراوح سعره بين 3 إلى 4 آلاف جنيه مصري (الدولار يساوي تقريبا 50 جنيها مصريا) أما الآن، فأقل سعر للخروف هو 12 ألف جنيه”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمخاوف في مصر بعد إلغاء شهادة “المنشأ الحلال” عن منتجات الألبان الأمريكية
الذهب يحلق عاليا وسط مخاوف سياسية وتجارية.. تعرف على سعره في السوق المصري
أكثر من 10 ملايين مدخن.. أرقام صادمة تهدد الأسرة المصرية
ولا يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار الخراف، كما أوضح حامد، إذ إن “عملية الذبح أضحت تشكل عبئا، إذ يتقاضى الجزار مبالغ طائلة، وميزانيتي لا تسمح بشراء الأضحية هذا العام”.
وشكى حامد أن “مصروفات الأبناء والأعباء اليومية تلتهم الراتب، الذي كنت قادرا على التوفير منه سابقا لشراء الأضحية، لكن الادخار لم يعد ممكنا”.
من جانبه يشكو مؤمن جمعة (موظف) من ارتفاع أسعار الأضاحي، مسترجعا أنه كان يشارك والده وعمه سابقا في شراء عجل أو جمل صغير ثم اكتفى بخروف. أما هذا العام فسوف يشتري بضع كيلو غرامات من اللحوم لأسرته، مؤكدا أن “الأضحية لم تعد أولوية وسط ضغوط المعيشة”.

الغلاء يغير طقوس الأضحية
وأدى ارتفاع الأسعار إلى تغيير طقوس عيد الأضحى لدى قطاعات واسعة من المصريين، فالطبقة الوسطى أعادت ترتيب أولوياتها، إذ لم تعد الأضحية “عادة سنوية” بل “رفاهية” لا يقدر عليها كثيرون، لا سيما أن متوسط الرواتب في مصر يبلغ أرقاما متدنية، تصل لما يعادل نحو 150 دولارا في الشهر للبعض، وتقل عن هذا الرقم بالنسبة لآخرين.
وكشف “رمضان” الذي يعمل جزارا في منطقة النزهة (شرق القاهرة) للجزيرة مباشر أن “الإقبال على الشراء قبيل عيد الأضحى شهد انتعاشا ملحوظا، إذ يستعيض المواطن عن الأضحية بشراء عدة كيلو غرامات من اللحم لتناولها خلال العيد، لكن تتفاوت المقدرة الشرائية من شخص لآخر”.
ويتراوح سعر كيلو اللحم في محلات الجزارة بين 400 إلى 500 جنيه (8-10 دولارات) باختلاف المناطق في القاهرة، وغيرها من محافظات مصر.
“أيام الرخص”
وتتحسر خديجة، وهي عاملة خدمات في إحدى الشركات، على طقوس العيد التي اعتادتها سابقا في “أيام الرخص”، وفق وصفها، حيث تقتصد الآن جزءا من راتبها البالغ 4 آلاف جنيه (85 دولارا) شهريا لشراء 2 كيلو من اللحم لأطفالها الثلاثة.
وقالت “للجزيرة مباشر” “كان الميسورون يوزعون لحوم الأضاحي، وكان يتسنى لي الحصول على حصة منها، لكن تراجعت هذه العادة بعد غلاء أسعار الأضاحي، حيث توقف بعضهم عن الذبح، واكتفى آخرون بتوزيع مبالغ ضئيلة لا تشتري كيلو من اللحم”.
وانخفض سعر بعض أنواع اللحوم في السوق المصرية لنحو 200 جنيه (4 دولارات)، لكن خديجة ترفض شراءها مهما ضاق بها الحال خوفا على صحة أطفالها، وتفضل شراء كمية ضئيلة من اللحوم البلدي “بدلا عن المغامرة بشراء لحوم مجهولة المصدر ليست بنفس الجودة والمذاق”، وفق وصفها.

ارتفاع التكلفة وانخفاض المبيعات
في منطقة عرب العيايدة بالخانكة في محافظة القليوبية (شمال القاهرة)، يقوم “محيي” بتربية الماشية والأغنام بغرض التسمين والبيع.
أوضح محيي لـ”الجزيرة مباشر” أن “البيع مستمر طوال العام، لكن عيد الأضحى كان يشهد ذروة النشاط، قبل تراجع الإقبال بشكل حاد هذا العام، إذ انخفضت المبيعات بنسبة تقترب من 50%”.
وأشار إلى ارتفاع سعر كيلو لحم العجل البقري الحي من 160 جنيها (3.2 دولارات) العام الماضي، إلى 200 جنيه (4 دولارات) هذا العام، كما ارتفع سعر الكيلو للخروف الحي إلى نحو 230 جنيها (4.6 دولارا) مقابل 210 جنيها (4.2 دولارا) العام الماضي، موضحا أنه “قد تبدو الزيادة طفيفة لكنها تشكل مبلغا ضخما إذا قورنت بإجمالي وزن الأضحية كاملا”.
وأشار إلى أن متوسط أسعار الخراف هذا العام تتراوح بين 13 ألف إلى 15 ألف جنيه مصري إلى (260 – 300 دولار) بمتوسط وزن 50 كيلو تقريبا، بينما متوسط سعر العجل بين 50 إلى 80 ألف جنيه (1000-1600 دولار) حسب الوزن والعمر، مضيفا أن “الأسعار زادت بنسبة تجاوزت 400% خلال السنوات الثلاث الماضية”.
يُحمّل محيي مسؤولية غلاء الأضاحي لارتفاع أسعار الأعلاف، التي باتت تشكل عبئا بعد ارتفاع أسعار خاماتها مثل الذرة وفول الصويا، لأنه يتم استيرادها، ما يعني أن سعرها يزيد كلما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
وأشار محيي أيضا لارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء والأيدي العاملة، الأمر الذي دفع بعض التجار لتقليص أعداد المواشي التي يربونها، مع تراجع حركة البيع والشراء.

ارتفاع أعداد الأسر المستحقة للدعم
ومع تراجع القدرة الشرائية لقطاع واسع من المصريين تقوم المؤسسات الخيرية بدور فاعل في توفير لحوم الأضاحي وتوزيعها.
وقال المدير التنفيذي لمؤسسة “أبواب الخير” هيثم التابعي للجزيرة مباشر “أدت الظروف الاقتصادية إلى دخول فئات مجتمعية جديدة غير معتادة بالنسبة إلينا في دائرة الاستحقاق مثل الموظفين والطبقات الوسطى. هذا التوسع في قاعدة المستحقين، يقابله تراجع في حجم الموارد والدعم المادي الذي شهد انخفاضا ملحوظا، بينما ارتفعت المتطلبات، ما شكّل ضغطا كبيرا علينا”.
وشدد التابعي على أن “المؤسسة لا تحصر توزيع اللحوم في عيد الأضحى لكن على مدار العام؛ إذ توزع طنا و800 كيلو من اللحوم، مستهدفين 1700 أسرة شهريا”.
وتحرص المؤسسة على تقديم لحوم طازجة، في محاولة لتوفيرها، بعد أن باتت سلعة نادرة يصعب شرائها بالنسبة لكثير من الأسر.
ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن متوسط نصيب الفرد من اللحوم الحمراء بلغ عام 2023 نحو 7.9 كليلو غرامات، بينما بلغ متوسط نصيب الفرد من لحوم الدواجن 14.5 كيلو غراما سنويا.
وأوضح تقرير لـ”مركز بصيرة لبحوث الرأي العام” انخفاض استهلاك المصريين للحوم الحمراء من 18 طنا لكل 1000 نسمة عام 2018، إلى 9 أطنان لكل 1000 نسمة خلال عام 2022.
وكشف تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن ارتفاع معدل الإصابة بالأنيميا، وفقر الدم لدى المصريين الناتج عن سوء التغذية.