عيد بنكهة الخوف.. تضييق غير مسبوق على أضاحي المسلمين في الهند

بلا مواشٍ ولا مظاهر فرح

فرضت السلطات الهندية قيودا مشددة على ذبح الأبقار والإبل
فرضت السلطات الهندية قيودا مشددة على ذبح الأبقار والإبل (غيتي)

لا يبدو أن عيد الأضحى سيكون سهلا هذا العام على المسلمين في الهند، إذ فرضت السلطات قيودا مشددة على ذبح الأبقار والإبل، إلى جانب إجراءات صارمة طالت أسواق الحيوانات الحية في العديد من المدن، مما انعكس سلبًا على الاستعدادات الدينية والأعمال المرتبطة بهذه المناسبة الدينية وبالأخص منها شعيرة الأضحية.

ففي ولاية أوتار براديش، كبرى ولايات الهند من حيث عدد السكان، التي تضم نحو 40 مليون مسلم، فرضت الحكومة حظرًا شاملًا على ذبح الأبقار. واستندت في ذلك إلى توجيهات صادرة من المكتب الأعلى لرئيس حكومة الولاية يوغي أديتياناث، التي دعت السلطات المحلية إلى مراقبة دقيقة ومنع أي خروق لهذا القرار.

أما في ولاية ماهاراشترا، التي يعيش فيها نحو 13 مليون مسلم، فقد شددت الإدارات المحلية الإجراءات المنظمة لأسواق بيع المواشي، مما أدى إلى صعوبات في نقل الحيوانات، ومزيد من القيود على بيعها في بعض المناطق، ووصلت في بعض الأحيان إلى حد الحظر الكامل.

ولا تقتصر هذه الإجراءات على هاتين الولايتين، إذ تشهد مناطق أخرى تدخلات أمنية وإدارية تؤثر بشكل مباشر في أجواء العيد، من بينها عمليات تفتيش ومداهمات شرطية، أدت إلى أجواء من التوتر والقلق، وجعلت من الصعب على كثير من المسلمين أداء شعائرهم الدينية بحرية وطمأنينة.

تدابير أمنية مشددة

وتستعد السلطات هذا العام لعيد الأضحى بتدابير أمنية مشددة، بناءً على توجيهات صارمة من رئيس حكومة أوتار براديش، يوغي أديتياناث، وهو راهب هندوسي معروف، وشخصية مثيرة للجدل بسبب تصريحاته المناهضة للمسلمين.

وخلال اجتماع عقد مؤخرًا مع كبار المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية، شدد الحاكم يوغي على ضرورة منع أداء صلاة العيد في الطرق، مؤكدًا أن الصلاة يجب أن تُقام حصريًّا في الأماكن المخصصة لها، مضيفًا أنه لن يُسمح باستحداث أي طقوس أو تقاليد جديدة خلال العيد.

كما أعلن رئيس حكومة أوتار براديش حظر ذبح الأبقار والإبل خلال عيد الأضحى، مؤكدا أن من يخالف هذا القرار ويقوم بذبح حيوانات محظورة في إطار الشعائر الدينية، سيواجه إجراءات قانونية صارمة. كما تم تخويل الشرطة التدخل الفوري في حال وقوع أي انتهاك أو خلاف دون انتظار تقديم شكاوى رسمية، بما في ذلك السماح لها بدخول المنازل إذا لزم الأمر.

وشهدت عدة مناطق ذات غالبية مسلمة في الولاية انتشارًا أمنيًّا واسعًا، شمل تسيير دوريات للشرطة في الأحياء ذات الكثافة السكانية المسلمة، إلى جانب نشر فرق الاستجابة السريعة، وقوات شرطة براديش المسلحة، ووحدات من قوة التدخل السريع في المدن الكبرى.

وفي مقاطعة سامبال، فرضت السلطات حظرًا تامًّا على ذبح الحيوانات في الأماكن العامة، في خطوة تُعد أكثر تشددًا من باقي مناطق الولاية. وأعلنت إدارة سامبال أنها اتخذت إجراءات احترازية بحق 950 شخصًا -معظمهم من المسلمين- تحسبًا لأي محاولات لإثارة الفوضى، مؤكدة أن أي إخلال بالنظام سيقابل بعقوبات صارمة.

دوريات للشرطة في الأحياء ذات الكثافة السكانية المسلمة (الجزيرة مباشر)
دوريات للشرطة في الأحياء ذات الكثافة السكانية المسلمة (الجزيرة مباشر)

ضعف البنية التحتية للمسالخ

قال وسيم تياغي، أحد سكان ولاية أوتار براديش، في تصريح للجزيرة مباشر “لا أحد يرغب في أداء الأضحية في الأماكن العامة. ولو توفرت للمسلمين إمكانية الوصول إلى مسالخ مناسبة ومرافق أساسية، لما اضطروا إلى الذبح في العلن. المسؤولية تقع على عاتق الحكومة، فهي أولًا لا توفر البنية التحتية المطلوبة، ثم تفرض حظرًا شاملًا على الذبح كما لو أن جميع التجهيزات الضرورية متاحة”.

ويرى خبراء أن من أبرز أسباب الفوضى والتوتر المتعلق بذبح الأضاحي في ولاية أوتار براديش يعود إلى ضعف البنية التحتية للمسالخ الرسمية. فرغم اقتراب عيد الأضحى، لا تزال معظم المناطق في الولاية تفتقر إلى مسالخ حكومية مجهزة بالشكل المناسب.

وتشير تقارير محلية إلى أن ما هو متاح من هذه المنشآت يعاني من سوء النظافة، وغياب المرافق الأساسية، الأمر الذي يجعلها غير مؤهلة لتلبية احتياجات السكان خلال موسم الأضاحي. ويؤكد مختصون أن هذا القصور في الخدمات يضطر بعض الأهالي إلى اللجوء إلى الذبح في أماكن غير مخصصة، مما يفتح الباب أمام التوترات، والممارسات العقابية، واتهامات بالانتهاك.

إغلاق أسواق الماشية

في وقت سابق، أصدرت حكومة ولاية ماهاراشترا تعميمًا يُوجّه جميع وكالات الثروة الحيوانية بإغلاق أسواق الماشية خلال أسبوع عيد الأضحى، وذلك بهدف منع عمليات الذبح غير القانونية. وقد شدّد التعميم على ضرورة اتخاذ أعلى درجات اليقظة، مستندًا إلى القوانين السارية في الولاية التي تحظر ذبح الأبقار.

وعلى الرغم من أن حظر ذبح الأبقار مطبق في ماهاراشترا منذ سنوات، فإن منتقدين اعتبروا أن القرار الأخير يتجاوز هذا الإطار، ويستهدف بشكل غير مباشر طقوس الأضحية التي يؤديها المسلمون خلال العيد. وقد قوبل هذا الإجراء بموجة من الردود الرافضة من قِبل أطراف مختلفة في المجتمع.

وفي هذا السياق، تساءل فاروق أحمد، ركن حزب المعارضة في الولاية، الذي قاد احتجاجًا في مدينة نانديد الأسبوع الماضي “من واجب الدولة منع ذبح الأبقار، لكن ما المبرر وراء إغلاق الأسواق بالكامل؟”.

وأضاف “وقف نشاط الأسواق يؤثر أيضًا على تجارة الماعز والجاموس والأغنام، ويُلحق ضررًا بالغًا بمصادر دخل المزارعين، والحمالين، والوسطاء، والسائقين، ومجتمع الجزارين، والعمال المياومين”.

وفق بيانات رسمية، تضم ولاية ماهاراشترا ما يقارب 300 سوق للماشية، تُشرف على غالبيتها وكالات الثروة الحيوانية. وتُعدّ هذه الأسواق ركيزة أساسية للمزارعين. وبينما تشكّل الماشية السلعة الأهم، تشهد الأسواق نشاطًا متزايدًا في بيع الماعز والأغنام مع اقتراب عيد الأضحى.

وبعد موجة الاستنكار الشعبي، أفادت تقارير بأن الحكومة خفّفت من حدة القرار، غير أن اقتناء الأضاحي لا يزال يواجه صعوبات كبيرة، وسط حالة من الترقب قد تستمر حتى انتهاء موسم العيد.

مصادرة شاحنات الماشية

وعلى الرغم من أن القوانين الهندية تتيح نقل الحيوانات وتنظيم شعائر الذبح الدينية وفقًا للتقاليد الإسلامية، فإن تقارير متواترة تشير إلى تعرض تجار الماشية لمضايقات واعتداءات، وصلت أحيانًا إلى مصادرة مواشيهم دون أي سند قانوني أو تدخل من الجهات المختصة.

ففي الثاني من يونيو/حزيران الجاري، نفذت مؤسسة “ديان” المعروفة بأنشطتها في مجال حماية الأبقار، مداهمة لشاحنات في مدينة بنغالورو، وصادرت ثمانية جمال وخمسين بقرة من تجار ماشية، بدعوى أن الحيوانات كانت تُجهّز لذبح غير قانوني خلال العيد.

اللافت أن الشرطة لم تتدخل لحماية التجار أو استعادة الماشية. وفي مدينة حيدر آباد، أطلق عضو المجلس التشريعي عن حزب بهاراتيا جاناتا في تيلنغانا، راجا سينغ، حملة شخصية تستهدف شاحنات نقل الماشية، مركّزًا نشاطه في أحياء ذات أغلبية مسلمة. وادّعى سينغ أن العجول تُباع علنًا لغرض الذبح في عيد الأضحى، معتبرًا ذلك انتهاكًا صارخًا لقوانين حماية الحيوان وتهديدًا للسلم المجتمعي.

وتكررت مثل هذه الحوادث في ولايات أخرى، من بينها هاريانا وأوتار براديش وماديا براديش، حيث أُبلغ عن توقيف شاحنات ومصادرة حيوانات، بل “نهبها”، تحت ذريعة مكافحة الذبح غير المشروع، رغم غياب أي أدلة قانونية تدعم تلك الادعاءات.

الركود في السوق

ويؤكد عاملون في قطاع تجارة الحيوانات أن الخوف أصبح يُخيّم على أنشطتهم. ويشير بعضهم إلى أن الصمت هو الخيار الوحيد في ظل ما يعتبرونه تواطؤًا أو صمتًا من جانب السلطات.

ونتيجة لذلك، يشهد السوق ركودًا ملحوظًا في حركة نقل وبيع المواشي، في وقت ترتفع فيه الأسعار بشكل غير مسبوق، لا سيما في المدن التي كانت تُعدّ وجهة رئيسية للمشترين المسلمين قبيل عيد الأضحى.

تصريحات غريبة

مؤخرًا، تقدم ناند كيشور غورجار، عضو المجلس التشريعي عن حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية أوترا براديش، بطلب رسمي إلى شرطة غازي آباد يطالب فيه بحظر ذبح الحيوانات، وإغلاق متاجر اللحوم والمسالخ في المناطق القريبة من مطار هيندون، الواقع على أطراف العاصمة دلهي، بدعوى مخاوف من “اصطدام الطيور بالطائرات” والحفاظ على “الوئام الطائفي”.

لكن المقترح الذي أثار انتقادات لاذعة وسخرية على حد سواء، كان دعوة غورجار للجالية المسلمة إلى الاحتفال بعيد الأضحى بطريقة وصفها بأنها “صديقة للبيئة”، من خلال استبدال الأضاحي التقليدية بتقطيع كعكة على شكل ماعز. وقد نشر غورجار نص رسالته والتصريحات المرافقة لها على حسابه الرسمي في منصة إكس.

“دعوا المسلمين يحتفلون بعيد الأضحى دون مضايقات”

أما السياسي الهندي براكاش أمبيدكار فقد عبر عن رفضه الشديد للقيود المفروضة مؤخرًا على بيع الحيوانات خلال فترة عيد الأضحى.

وفي حديثه مع الصحفيين، قال أمبيدكار “نحن نعارض بشدة أي حظر لبيع الحيوانات. الدولة حظرت بالفعل ذبح الأبقار، لكن إغلاق أسواق الماشية بأكملها في الأيام التي يتوقع فيها ذروة المبيعات يعد خطوة قاسية ضد المزارعين والمياومين وسلسلة طويلة من العاملين الذين يعتمدون على هذا النشاط. هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذا التعميم في ولاية ماهاراشترا. من سيتحمّل خسائر هؤلاء؟”.

من جانبه، عبّر عاصم وقار، المتحدث الرسمي باسم اتحاد المسلمين في عموم الهند، عن قلقه المتزايد إزاء ما وصفه بـ”الاستهداف المنهجي والمتكرر للمسلمين” مع اقتراب كل عيد، مضيفا “في كل عام، ومع اقتراب عيد الأضحى، تنشط جماعات معيّنة تحت شعار “قتل الحيوانات حرام” أو بشعارات تهاجم المسلمين لأنهم يأكلون اللحوم. أنا لا أُدافع، بل أطرح سؤالًا بسيطًا: لماذا لا يظهر هذا ’الحرص على الحيوانات‘ إلا في أيام العيد؟ أين يذهب طوال العام؟”.

وأشار وقار إلى أرقام حكومية تعكس الحجم الفعلي لاستهلاك الحيوانات في الهند: أكثر من 9 مليارات دجاجة تُذبح سنويًّا وما بين 60 و75 مليون ماعز تُذبح كل عام، وتساءل “أين يختفي أولئك الذين يزعمون محبة الحيوانات طوال العام؟ لماذا لا يُسمع لهم صوت عندما تُستهلك مليارات الحيوانات في أيام عادية؟ يبدو أن القضية لا تتعلق بالرفق بالحيوان بقدر ما تتعلق بتقييد هوية المسلمين والتدخل في شعائرهم”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان