هل دخلت مصر “حزام الزلازل”؟ وهل ستفعّل نظام الإنذار المبكر؟ خبير يكشف الحقائق

بينما كان يجتمع ليلا مع عائلته حول التلفاز شعر المواطن السكندري علاء، مثل كثير من المصريين بهزة أرضية أثارت الخوف لدى أطفاله وزوجته فحاول طمأنتهم، لتمر ثوان ثقيلة قبل أن يزول الخطر ومعه أثر الزلزال.
يقول علاء، الذي يعمل موظفا بهيئة حكومية، إن أولاده سارعوا بعد الهزة الأرضية لهواتفهم ليجدوا الآلاف يتشاركون على مواقع التواصل سؤال هل شعرتم بالزلزال؟ بينما فزع بعض جيرانه فأطلقوا صراخا، وهرول آخرون نحو الشارع.
وذكرت الشبكة القومية للزلازل لاحقا، أن أجهزتها رصدت هزة أرضية بقوة 5.8 درجة في ليلة الثالث من يونيو/حزيران الجاري، مركزها قرب الحدود التركية الجنوبية، شعر بها السكان في محافظات مصر.
وردا على ما يطلقه رواد مواقع التواصل من دخول مصر حزام الزلازل، نفي الدكتور شريف عبد الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، صحة هذه الأنباء، مؤكدا أنه “لا أساس علميا له”.
وأوضح أن مصر تقع في منطقة “آمنة” بين حزامين زلزاليين شمالي وجنوبي، ومن الطبيعي أن تتأثر بشكل غير كبير بارتدادات أي زلزال في هذين الحزامين، حسب مركز وقوة الزلزال.
مخاوف لا مبرر لها
ورصدت الشبكة التابعة للمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، خلال شهر مايو/أيار الماضي عدة هزات أرضية شعر بها سكان عدة محافظات، استدعت لدى العقل الجمعي لغالبية المصريين ذكريات مؤلمة بشأن زلزال أكتوبر/تشرين الأول عام 1992 الكارثي.
وتداول رواد مواقع التواصل في مصر صورا لمواطنين هرعوا إلى الشوارع بعد الهزة الأرضية التي شعروا بها أوائل يونيو الحالي بعد تكرار تلك الهزات، وهو ما لم يعتد عليه المصريون، كما يفتقر كثير منهم للمعرفة بالاحتياطات وطرق التصرف في حال وقوع الزلازل.
ويفسر الخبير في الزلازل شريف عبد الهادي تكرار الشعور بالهزات الخفيفة بمصر بما يعرف بظاهرة “الاندثار” وهو “امتداد الحافة القارية لقارة أوروبا في أعماق الأرض تحت الحافة القارية لقارة أفريقيا في منتصف البحر المتوسط مكونة ما يعرف بحزام زلزالي تنشأ عنه زلازل على فترات متباعدة أو متقاربة بشكل فجائي تتأثر بها الدول التي تقع على البحر المتوسط، ومنها مصر، ولكن دون متوالية ثابتة أو محددة”.
وحذر عبد الهادي من أن “سلوك الأفراد وفزعهم خاصة في حالة الهزات الخفيفة للزلازل ذات المراكز العميقة قد يتسبب في وقوع أضرار وكوارث أكبر من آثار الزلزال نفسه”.

هل تتحمل المباني في مصر هذه الهزات؟
وأكد خبير الزلازل أن المباني في مصر وفقا لما يعرف بـ”كود البناء” قادرة على تحمل تلك الهزات الخفيفة التي لا تتجاوز 6 درجات على مقياس ريختر، وتكون مراكزها عميقة في الأرض، وهو ما يقلل احتمال الانهيار في البنى التحتية عموما.
ولفت الدكتور عبد الهادي إلى أن “الدولة تقوم بشكل منتظم بـ”تحديث كود البناء” وآخر تحديث جاري العمل عليه سيكون في العام الحالي 2025، وهو أمر صار متبعا منذ زلزال عام 1992 المدمر، وهي مسائل فنية تتعلق بحجم الخرسانات ونوعيتها وأنواع طوب البناء وقدرات ومساحة أساسات البناء وغيرها”.
تفعيل الإنذار المبكر للزلازل وتسونامي
وكشف رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، أن مناقشات ومطالبات تتم حاليا لتفعيل نظام إنذار مبكر للزلازل، لافتا أن “مصر لديها بالفعل إنذار مبكر لموجات تسونامي فعال كون هذه الموجات تحدث في المياه العميقة، وتستغرق من ربع الساعة لأكثر من ذلك في وصولها للشواطئ، وهناك تنسيق إقليمي في هذا السياق مع قبرص وغيرها يسمح بإنذار الناس والجهات المسؤولة”.
ويرى أنه من الضروري توفير نظام الإنذار المبكر للزلازل في المباني الاستراتيجية وذات الأهمية القصوى، وهي أجهزة دقيقة عند استشعارها للهزات الأرضية تقوم عبر ربط أوتوماتيكي “Automatic shut down” بفصل كل مصادر الخطر بتلك المباني من الكهرباء والغاز والمياه وإرسال تحذير للأفراد وهي تقنية متوافرة في بعض الدول العربية، مثل برج خليفة في دولة الإمارات على سبيل المثال، وهو متوفر في مصر بشكل محدود في مواقع بعينها مثل السد العالي.

الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالزلازل
وأوضح عبد الهادي أنه رغم التقدم التكنولوجي الهائل في أجهزة الاستشعار والتنبؤ إلا أنها لم تصل إلى درجة إنذار الأفراد بوقت كاف لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، مدللا باليابان التي تمثل قمة التقدم التكنولوجي في العالم وتتعرض لعشرات الزلازل دون إنذار الناس قبلها.
واستدرك خبير الزلازل أن جهود عالمية تجري لاستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أجهزة الاستشعار، والتنبؤ بالزلازل، وهي تقنيات مكلفة للغاية ولن تكون بطبيعة الحال متاحة بسهولة للدول الفقيرة التي قد تشهد مثل هذا النوع من الكوارث، كما وقع في سوريا منذ سنوات على سبيل المثال.
وهنا، بحسب عبد الهادي، لا بد من الإشارة إلى أن الإنذار المبكر يأتي بعد وقوع الزلزال وليس قبله، وهو قد لا يكون فعال في الزلازل ذات الدرجات العالية التي تتجاوز 7 درجات أو الزلازل التي تكون مراكزها قريبة من سطح الأرض.
الإسكندرية الأكثر تأثرا
وأشارت دراسة حديثة أشرفت عليها وكالة “ناسا” الأمريكية إلى أن المدن الساحلية على البحر المتوسط، بينها مدينة الإسكندرية، أقل جاهزية لتحمل الكوارث الطبيعية، وقد تكون الأكثر تأثرا بالهزات الأرضية، نتيجة طبيعة التربة وتسرب المياه الجوفية من البحر والامتداد العمراني وتآكل الشواطئ.
وقالت ميادة السيد، مهندسة بإحدى شركات الإنشاءات الخاصة في الإسكندرية إن الهزات الأرضية الأخيرة والتي تكررت تدعو للعمل على التوصيات العلمية والدراسات البحثية خاصة في جانب الاحتياطات الإنشائية المتعلقة بتوسيع الشواطئ، وعمل مصدات الأمواج، وحقن أساسات الأبنية لمنع انهيارها.