فرنسيون بلغوا سن الرشد في مخيمات سوريا.. هل يحسم ماكرون ملفهم؟

نساء وأطفال يتلقون العلاج في إحدى مخيمات سوريا
نساء وأطفال يتلقون العلاج في أحد مخيمات سوريا (غيتي إيميجز)

في نداء مؤثر نقلته بعثة فرنسية زارت مخيمات الشمال السوري الشهر الماضي، طالب عدد من الشباب الفرنسيين، ممن كانوا أطفالا حين اقتيدوا إلى مناطق النزاع في سوريا، بالعودة إلى وطنهم، مؤكدين أن بقاءهم هناك يشكل استمرارا لمعاناتهم التي بدأت قبل أكثر من عقد.

وكشفت البعثة، التي ضمّت محامين وناشطين ونائبا أوروبيا، خلال مؤتمر صحفي في باريس في 16 يونيو/حزيران الماضي، أنها عادت من مخيم “روج” وسجن “العليا” ومراكز احتجاز أخرى.

وتبيّن أن الأطفال الذين كانوا محتجزين برفقة أمهاتهم في المخيمات باتوا اليوم في سن الرشد، لكن السلطات الفرنسية لم تستجب بعد لمطالبهم.

يقدم العاملون في مجال التوعية المجتمعية من منظمة الرعاية الصحية الفرنسية غير الحكومية "مهاد" المساعدة للأمهات
يقدم العاملون في مجال التوعية المجتمعية من منظمة الرعاية الصحية الفرنسية غير الحكومية “مهاد” المساعدة للأمهات (غيتي إيميجز)

“يكفي هذا الكابوس”

ونقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عقب زيارة الوفد الفرنسي عن أحد هؤلاء الشباب، ويدعى آدم (22 عاما)، قوله: “يكفي، لقد سئمنا من هذا الكابوس”. وكان آدم قد نُقل إلى سوريا قسرا عندما كان عمره 11 عاما، على يد والديه المرتبطين بتنظيم الدولة.

وأكدت المحامية الفرنسية ماري دوزيه، التي حضرت ضمن الوفد، أن السلطات الفرنسية رفضت بشكل متكرر طلبات إعادتهم، رغم تسجيل هذه الطلبات بموافقة المحتجزين، مشيرة إلى أن 3 من الأمهات طلبن أيضا العودة مع أطفالهن الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 عاما.

العدالة الدولية: هؤلاء ضحايا

يُعرّف القانون الدولي الأطفال المجندين ضمن النزاعات المسلحة بأنهم “ضحايا حرب”. وأشار الوفد الفرنسي إلى أن الوضع الأمني في الشمال السوري لا يشكّل عائقا أمام عمليات الإعادة إلى الوطن، مثلما فعلت دول أخرى مثل ألمانيا وروسيا.

أما فرنسا، فقد أوقفت عمليات إعادة رعاياها من المخيمات السورية في صيف 2023، بعد تنفيذ 4 عمليات على أراضيها خلال عام واحد.

واعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 2022، أن فرنسا لا تحترم التزاماتها في حماية حقوق مواطنيها، لا سيما القُصّر.

ويرى أحمد الشيخ، مؤسس ومدير المركز العربي للدراسات الغربية، في حديث للجزيرة مباشر، أن قرار المحكمة الأوروبية والمحكمة الإدارية في فرنسا برفض طريقة الحكومة في معالجة القضية، هو نتاج ضغط المنظمات الحقوقية.

لكن التأخير في حسم الملف والاكتفاء بعودة عدد محدود من الأطفال والأمهات بينما عددهم بالكامل لا يتجاوز أكثر من 200، بحسب الشيخ، يعود إلى أن الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة جعلت الفرنسيين يشعرون بالرعب من كل ما له صلة ببقايا تنظيم الدولة، حتى لو كانوا من الأطفال والنساء.

ووفق إحصائيات البعثة الفرنسية، لا يزال في المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا نحو 120 طفلا و50 امرأة من الجنسية الفرنسية.

يُذكر أن الإدارة السورية كانت قد أعلنت، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، عزمها إخلاء هذه المخيمات من النازحين السوريين والعراقيين، بمن فيهم أفراد عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، قبل نهاية عام 2025.

امرأة تنتظر سائقًا ليقلها داخل مخيم الهول
امرأة تنتظر سائقا ليقلها داخل مخيم الهول (غيتي إيميجز)

مزايدات سياسية

من وجهة نظر قانونية، يقول الدكتور أحمد البرقاوي، وهو أكاديمي في باريس ومختص في الدراسات الجيوستراتيجية، للجزيرة مباشر، فهؤلاء فرنسيون ولهم الحق في الرجوع إلى بلدهم والقانون يخول لهم ذلك.

لكن البرقاوي لفت إلى أن عودتهم لها تداعيات سياسية، يستغلها اليمين المتطرف وبعض الساسة من اليمين المعتدل، بالاعتراض متعللين بأن هؤلاء “تكونوا في محيط وبيئة إرهابية، وربما يهددون الأمن القومي الفرنسي”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي المقيم بباريس أحمد الشيخ أن الملف يخضع لنوع من المزايدات والتوظيف بين القوى السياسية التي تسعى لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة؛ وليس هناك أمامها ما هو أفضل من الحديث الدائم عن خطر المهاجرين وبقايا تنظيم الدولة من الأطفال القصر وأمهاتهم ممن يحملون الجنسية الفرنسية.

عصا اليمين المتطرف

فاز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المبكرة في يوليو/تموز عام 2024 بـ143 مقعدا في البرلمان، وهو أعلى عدد له حتى الآن مقارنة بـ89 مقعدا عام 2022.

واعتبر الشيخ في حديثه للجزيرة مباشر أن من بين الأسباب الرئيسية في تأخير حسم الملف هو صعود اليمين المتطرف في فرنسا، بل وتحول عدد كبير من شخصيات اليمين التقليدي إلى المتطرف والمزايدة عليه.

وتساءل المحلل السياسي: “إذا كان هذا الطيف السياسي يتذمر من الهجرة النظامية وغير النظامية، فماذا يمكن أن ننتظر منهم إزاء بعض من كانوا ينتمون إلى تنظيم الدولة، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الفرنسية؟”.

إحدى النساء من مخيم الهول في شمال شرق سوريا
إحدى النساء من مخيم الهول في شمال شرق سوريا (غيتي إيميجز)

صفحة جديدة

ولفت المختص في الدراسات الجيوستراتيجية أحمد الدرقاوي إلى أنه مع وصول أحمد الشرع لسدة الحكم في سوريا حسمت عدد من العواصم الأوروبية أمرها بخصوص الحكومة الجديدة في دمشق، ومنها باريس التي زارها الشرع.

وتابع البرقاوي أن “فرنسا تريد تسوية بعض الملفات العالقة، ومن بينها عودة هذه الشريحة من الفرنسيين”، قبل أن يستدرك “لكن صعود اليمين المتطرف الذين قد تُحسم لصالحه الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، لا ينوي أن يبني علاقة متوازنة مع السلطة الجديدة في سوريا”.

واستنادا إلى ذلك، يتابع الدرقاوي، “لا أعتقد أنه سيقبل بعودة هؤلاء، وبالتالي وجب على ماكرون استردادهم في أقرب الآجال”.

بوادر الحل

وفي فبراير/شباط 2025، تقدّمت 9 عائلات فرنسية بدعوى أمام المحكمة الإدارية في باريس، أوضحت أن العديد من الأطفال يعانون من أمراض مزمنة، وأن غياب الرعاية الطبية والمياه النظيفة يرقى إلى “الإهمال المتعمّد”، في انتهاك واضح للاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل.

وفي الشهر نفسه، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية نجاح عمليات إعادة 3 أطفال من مأوى بأحياء دمشق إلى فرنسا. كما أعلنت وسائل إعلام فرنسية عن إعادة دفعة تضم 35 طفلا و16 أمّا في عملية منفصلة خلال تلك الفترة، حيث سُلم الأطفال إلى خدمات الرعاية الاجتماعية والأمهات إلى القضاء.

تتم عمليات العودة، بحسب الدرقاوي، على استحياء ودون بهرجة إعلامية “حتى لا يقع توظيفها من طرف الجهات المعادية للهجرة ولهذه الشريحة من الفرنسيين”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان