جزيرة القرم.. مفتاح الصراع بين روسيا والغرب

تعتبر أوكرانيا أن استعادة القرم والعودة إلى "حدود ما قبل 2014" شرط أساسي لأي سلام دائم
تعتبر أوكرانيا أن استعادة القرم والعودة إلى "حدود ما قبل 2014" شرط أساسي لأي سلام دائم (غيتي)

لم يتوقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية وبعد توليه الرئاسة، عن حثّ أوكرانيا على التخلي عن شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا عام 2014، لأجل إنهاء الحرب المستمرة.

وقبيل اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أغسطس/آب 2025، صعّد ترامب من لهجته، ملوحا بأن واشنطن لم تعد راغبة في تحمل العبء العسكري المباشر لحماية كييف، ومشيرًا إلى أن إنهاء الحرب “يمكن أن يحدث بسرعة إذا أراد زيلينسكي ذلك”.

أثار موقف ترامب انتقادات واسعة في كييف وأوساط أوروبية، معتبرة أن أي صفقة تستثني القرم من معادلة التسوية تعني مكافأة موسكو على ضم غير شرعي.

وبينما تعتبر أوكرانيا أن استعادة القرم والعودة إلى “حدود ما قبل 2014” شرط أساسي لأي سلام دائم، تصر روسيا على أن الملف أغلق إلى الأبد. وبين الموقفين، تظل القرم العقدة الأبرز التي توقف مسار أي محادثات لوقف الحرب الدائرة منذ ما يقرب من 4 أعوام.

بوتين اثناء زيارة لجسر القرم عام 2022
بوتين أثناء زيارة لجسر القرم عام 2022 (رويترز)

تاريخ من الصراع

شبه جزيرة القرم، الممتدة على مساحة نحو 27 ألف كيلومتر مربع في قلب البحر الأسود، ليست مجرد أرض متنازع عليها بين موسكو وكييف، بل منطقة غنية بتاريخ متشابك.

وعلى مدى قرون كانت تحت حكم الدولة العثمانية ضمن نظام “خانية القرم”، إذ أدى تتار القرم، وهم شعب مسلم من أصول تركية، الدور الرئيسي في الحياة السياسية والثقافية، وكان لهم حكم ذاتي وتحالف وثيق مع العثمانيين، وشاركوا في صراعات كبرى ضد روسيا القيصرية.

وضمت الإمبراطورية الروسية، بعد صعودها، القرم رسميًّا عام 1783، مما أدى إلى موجات هجرة واسعة للتتار باتجاه الأناضول، ورغم ذلك لا يزالون يشكلون نحو 12% من سكان القرم الحاليين، في حين يشكل الروس نحو 58%، والأوكران حوالي 24%.

جسر القرم (رويترز)

حدود ما قبل 2014

في عام 1954، قرر الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، نقل القرم إداريا إلى الجمهورية الأوكرانية، في خطوة لم تثر جدلًا حينها لأن موسكو وكييف كانتا ضمن الاتحاد السوفييتي.

لكن بعد انهيار الاتحاد عام 1991، أصبحت القرم جزءًا من أوكرانيا المستقلة، وهو ما رفضته تيارات قومية روسية رأت في الخطوة “خطأً تاريخيًّا”.

ومنذ ذلك الوقت بقيت شبه الجزيرة بؤرة توتر، إلى أن انفجر النزاع عليها عام 2014.

وبينما كانت كييف تشهد احتجاجات شعبية أطاحت بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في فبراير/شباط 2014، دخلت القوات الروسية بزيّ غير رسمي إلى مدن القرم، ورفعت لاحقًا علم روسيا على مباني البرلمان والإدارات المحلية، مستغلة حالة الفوضى وعدم الاستقرار.

وأعقب ذلك تنظيم استفتاء في مارس/آذار، أعلنت سلطات القرم أن نتيجته جاءت بأغلبية ساحقة تتجاوز 90% لصالح الانضمام إلى روسيا.

لكن المجتمع الدولي رفض هذه النتيجة، واعتبرها صادرة تحت تهديد السلاح وغياب أي معايير للنزاهة أو الرقابة المستقلة.

وأصدرت الأمم المتحدة قرارًا بأغلبية كبيرة يرفض شرعية الاستفتاء ويؤكد وحدة الأراضي الأوكرانية، ومع ذلك مضت موسكو قدمًا في ضم القرم.

ولم يتأخر رد الغرب؛ إذ فُرضت عقوبات اقتصادية ودبلوماسية قاسية على موسكو، استهدفت شخصيات ومسؤولين كبارًا وقطاعات اقتصادية مهمة.

مدرعة للجيش الروسي في بلدة آرميانسك في القرم (رويترز)

مركز صراع مفتوح

لكن التداعيات لم تقتصر على السياسة والعلاقات الدبلوماسية، بل طالت الحياة اليومية لسكان القرم، إذ تراجع النشاط السياحي الذي كان يمثل شريانًا اقتصاديًّا رئيسيًّا للمنطقة، كما انقطعت إمدادات المياه والكهرباء التي كانت تأتي من أوكرانيا.

واضطرت روسيا إلى إنفاق مليارات الدولارات لبناء جسور لربط القرم مباشرة بالأراضي الروسية.

في المقابل، شددت السلطات الروسية قبضتها الأمنية، وقيدت حرية التعبير، وتعرض تتار القرم المسلمون لمضايقات واعتقالات متكررة.

ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أصبحت القرم قاعدة مهمة لانطلاق العمليات العسكرية، إذ استخدمتها روسيا منصة لإطلاق صواريخ ومسيرات باتجاه أوكرانيا، وكثفت كييف عملياتها لاستهداف الجسور والمخازن داخل شبه الجزيرة في محاولة لقطع الإمدادات عن القوات الروسية في الجنوب.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان