ابتزاز سياسي يبرر تهرب الحريديم.. أزمة التجنيد تعيد قضية عرب إسرائيل إلى الواجهة

يهود من الحريديم يحتجون على اعتقال أحدهم بعد رفضه الخدمة في الجيش الإسرائيلي (الفرنسية)

عادت قضية تجنيد المواطنين العرب (من فلسطينيي عام 48) في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى الواجهة من جديد، وهو أمر طالما ارتبط بأزمات داخلية إسرائيلية، فيما تحولت أروقة المحكمة العليا مؤخرا إلى ساحة خلافات ومناكفات تدور فيها تساؤلات بشأن تجنيد العرب في الجيش.

ويرى محللون أن عودة قضية تجنيد العرب في الجيش الإسرائيلي إلى الواجهة يعود إلى سلسلة من التطورات، أبرزها الخلافات السياسية بشأن تجنيد المتدينين اليهود (الحريديم) الذين يلوحون بتفكيك الحكومة، ويطالبون بتشريع قانون يعفيهم من الخدمة، إضافة إلى النقص في أعداد الجنود الإسرائيليين في الجيش في ظل استمرار الحرب على غزة طوال ما يقرب من عامين، إذ يقدر النقص في الجيش بنحو 10 آلاف جندي، بحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وفي خضم الخلافات بشأن نقص الجنود وتجنيد الحريديم، قدم وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي دافيد إمسالم التماسا للمحكمة العليا يطالب فيه بتجنيد العرب في صفوف الجيش، وهو أمر سبق وأن طرحه الوزير نفسه عام 2022، وتم إدراجه كمُرفق للالتماس الذي قدمه مرة أخرى عام 2024 ضد قرار وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، الذي استثنى آنذاك المواطنين العرب في إسرائيل من الخدمة الإلزامية العسكرية.

وفي آخر التطورات، ردت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهاراف ميارا، على التماس الوزير إمسالم، واعتبرت في موقف قدمته إلى المحكمة العليا الأسبوع الماضي، أن الصلاحية لاتخاذ قرار بتجنيد المواطنين العرب في الجيش الإسرائيلي بيد الحكومة، حسب ما ذكره موقع (واللا) المقرب من جيش الاحتلال.

جانب من المواجهة بين يهود الحريديم وضباط الشرطة الإسرائيلية خلال احتجاج على التجنيد في الجيش
جانب من المواجهة بين يهود الحريديم وضباط الشرطة الإسرائيلية خلال احتجاج على التجنيد في الجيش (غيتي)

ابتزاز سياسي

ويرى مراقبون، أن هذه المطالبات تأتي في محاولة لوضع عقبات أمام تجنيد الحريديم واستغلال المواطنين العرب في هذا السياق، وهو ما أكده مهند مصطفى، رئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي ببيت بيرل، ومدير عام المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا.

وقال مصطفى للجزيرة مباشر “هذه المخططات تهدف إلى منع التساؤلات حول عدم تجنيد الحريديم، من منطلق أنه لا يجري أيضا تجنيد العرب باعتبارهم مواطنين في دولة إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية”.

وأكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن “الذين يطالبون بذلك هم في الحقيقة لا يطالبون بتجنيد العرب، وإنما بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، بحجة المساواة بين العرب والحريديم”.

وأشار مصطفى إلى أن “هذه القضية تمثل جزءا من الصراع السياسي داخل المجتمع اليهودي حول تجنيد الحريديم والآن يتم استحضار تجنيد العرب في هذا الصدد”.

ورأى أن هذا الأمر “يهدف إلى ابتزاز العرب سياسيا، بزعم أنكم تحصلون على حقوق ولا تقومون بواجبات”.

وأوضح مصطفى أن هذا الخطاب قديم، لكنه الآن يدخل في سياق التحضير للانتخابات القادمة، وبالتالي يحاول اليمين المتطرف نزع شرعية الصوت العربي.

ويتطابق هذا التحليل مع التوضيح الذي قدمه الوزير إمسالم في الدوافع وراء استئنافه أمام المحكمة العليا، إذ ذكر أنه قرر التوجه الى العليا باستئناف كهذا بزعم “أن المواطنين العرب في إسرائيل يحصلون على كل الحقوق التي يحصل عليها كل مواطن في إسرائيل، غير أنهم لا يشاركون في تحمل العبء الخاص بالخدمة الإلزامية في الجيش. ما يهمني هو أن أرى كيف سيتنصلون هذه المرة من اتخاذ قرار بهذا الشأن، بعد أن اتخذوا قرارهم بشأن تجنيد الحريديم”.

وأكدت المحكمة العليا في قرارات سابقة لها وجوب تجنيد الحريديم بالجيش الإسرائيلي، فيما تهدد الأحزاب الدينية (شاس ويهدوت هتوراة) بالانسحاب من الحكومة إذا ما تم إلزام اليهود المتدينين بالخدمة العسكرية، وهو ما قد يتسبب بسقوط حكومة بنيامين نتنياهو.

المحكمة العليا الإسرائيلية (الفرنسية)

إحراج المحكمة العليا

ورأى مصطفى أن هذا الأمر يهدف أيضا إلى إحراج المحكمة العليا التي تطالب بتشريع قانون لتجنيد الحريديم، ليتم إحراجها بالقول “لماذا لا يتم تشريع قانون يجبر المواطنين العرب أيضا على الخدمة العسكرية، كونهم مواطنين يحملون الجنسية الاسرائيلية؟”.

وأضاف مصطفى أن هذا الجدل جزء من الصراع أمام المحكمة العليا، وإحراج للذين يطالبون بتجنيد الحريديم ولا يشيرون إلى العرب.

ويشكل الفلسطينيون العرب في إسرائيل (مسلمين ومسيحيين) نحو 20% من السكان.

وتفرض المادة 1 من قانون خدمة الأمن بالفعل “واجب التجنيد على كل مواطن ومواطنة إسرائيلية يبلغ من العمر 18 عاما”. ومع ذلك، فإن المادة 13 من القانون نفسه، تمنح وزير الدفاع، أو من يفوضه الوزير، سلطة عدم تنفيذ هذا الواجب، كما تمنحه أيضا سلطة تقديرية واسعة في جميع المسائل المتعلقة بتحديد من يُستدعى إلى مكتب التجنيد.

الزعيم الروحي لطائفة الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف
الزعيم الروحي لطائفة الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف (رويترز)

الولاء لإسرائيل

في المقابل، يرى البعض في إسرائيل أن مسألة تجنيد العرب في الجيش لها علاقة بالولاء، وهو ما عبرت عنه الكاتبة الإسرائيلية حيني أداري بقولها “لا أحد من رؤساء الأجهزة الأمنية يرغب في تجنيد عرب، لأن عدد حالات نقل المعلومات والخيانة التي اكتُشفت من قِبل عرب إسرائيليين تعاونوا مع إرهابيي حماس ولم يترددوا في بيع البلاد في أول فرصة كانت كثيرة”، وتساءلت أداري “هل يجب علينا إجبارهم على التجنيد؟”.

في سياق متصل، أشار المؤرخ الفلسطيني عادل مناع في كتابه “نكبة وبقاء”، إلى أنه “حين طُرح هذا الموضوع قديما، كانت هناك أصوات تُطالب الشباب بمغادرة البلاد وعدم التجنيد، إن لم يكن هناك خيارٌ آخر”.

ونوه مناع في كتابه إلى “احتمال أن يكون تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية على أبناء الطائفة الدرزية فقط عام 1956 مجرد اختبار للولاء، أو حتى محاولة لإجبار عرب إسرائيل على مغادرة البلاد”.

ومنذ خمسينيات القرن الماضي، لم تُبذل أي محاولات حقيقية لتجنيد العرب في إسرائيل. لكن محكمة العدل العليا دخلت على الخط في العقود الأخيرة، بعد أحكامها المتعلقة بتجنيد الحريديم، وبدءا من أواخر التسعينيات، قُدّمت إليها أيضًا التماسات بشأن تجنيد العرب.

وفي عام 1997 قُدّمت عريضة تطالب بتجنيد العرب ثم حُذفت بعد التزام الحكومة آنذاك. وفي عام 2001، وبعد نشر استنتاجات لجنة تال التي شُكلت 1999 لوضع مشروع قانون يتعلق بخدمة الجنود، قُدِّم التماس آخر بشأن هذه القضية، وبسبب انتفاضة الأقصى، كان من السهل على القضاة التوصية بحذف الالتماس “نظرا إلى تغيّر الواقع”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان