بين التاريخ والسياسة والمجتمع المدني.. إسبانيا داعم مستمر للقضية الفلسطينية

تصطف إسبانيا بقوة إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتبدي دعما مستمرا لقضيته في المحافل الدولية والإقليمية، ليس كخطوة عابرة أو قرار حكومي لحظي، بل كنتيجة لتاريخ طويل وجذور ثقافية ومصالح استراتيجية، ووعي شعبي وسياسي متنام.
تأثير إرث الأندلس على الموقف الإسباني
يحمل التاريخ الإسباني إرثا غنيا من الحكم الإسلامي في الأندلس الذي امتد 8 قرون (711-1492)، مما ترك أثرا عميقا على الثقافة والهوية الإسبانية، وعزز علاقات مدريد المميزة مع العالم الإسلامي.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4الكشف عن جرائم “اغتصاب” ارتكبها الاحتلال بحق مدنيين فلسطينيين
- list 2 of 4جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن قتل 3 “مسلحين” في رفح
- list 3 of 4ميركل تزور إسرائيل وتتفقد مواقع هجمات 7 أكتوبر
- list 4 of 4مؤتمر صحفي لوزيري خارجية تركيا ومصر.. هذه أبرز التصريحات (فيديو)
ويرى الباحثون أن دعم إسبانيا للفلسطينيين يعكس وعيا بالمسؤولية التاريخية لأوروبا المسيحية تجاه المسلمين، بما ينعكس على تعاطف أكبر مع شعوب تحت الاحتلال، وعلى رأسها الفلسطينيون.
وأكد الدكتور محمد زكرياء أبو الذهب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن المواقف الإسبانية دائما ما كانت مدفوعة بالعلاقات التاريخية مع المجتمعات العربية والسعي للحفاظ على علاقات طيبة معها.
وأضاف أن إسبانيا لا تَعُد نفسها دولة غربية بالكامل، بل تمتلك جذورا تاريخية مشتركة مع العالم الإسلامي، تعزز موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية.

مرحلة ما بعد فرانكو
بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، ودخول البلاد مرحلة الانتقال الديمقراطي، تبنت إسبانيا سياسة خارجية جديدة تهدف إلى كسر العزلة الدولية وبناء جسور مع العالم العربي. وكان دعم القضية الفلسطينية وسيلة لتأكيد استقلالية مدريد السياسية، لا سيما أنها لم تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلا عام 1982.
وفي عام 1980، أصدر البرلمان الإسباني قرارا يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بينما جاء اعترافها الرسمي بإسرائيل لاحقا عام 1986. وقال المحلل السياسي محمد العيساوي إن إسبانيا كانت دائما سباقة للاهتمام بالقضايا الإنسانية للفلسطينيين، مع إبداء الملاحظات بشأن الأطفال والمنكوبين وقطاع غزة في الأمم المتحدة.
مؤتمر مدريد للسلام
وعززت إسبانيا دورها الدولي في القضية الفلسطينية باستضافتها مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما جعل العاصمة الإسبانية منصة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأكد الدكتور أحمد الشيخ، مؤسس ومدير المركز العربي للدراسات الغربية، أن نجاح الدور الإسباني يعود إلى الذاكرة التاريخية والشجاعة المجتمعية، مدعومة بتأثير وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي التي ساعدت في نشر وعي عالمي بشأن الوضع في غزة.

الدور السياسي والمجتمعي اليساري
وتؤدي الأحزاب اليسارية مثل بوديموس وحركات المجتمع المدني دورا بارزا في الضغط على الحكومات لتبنّي مواقف مؤيدة للفلسطينيين.
وتعكس المظاهرات الحاشدة في مدريد وبرشلونة ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصا منذ غزو العراق عام 2003، المزاج الشعبي النقدي للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.
ويشير أبو الذهب إلى أن المجتمع الإسباني يحتضن اللاجئين الفلسطينيين، ويتميز بوجود مجتمع مدني حيوي، بينما يدعم الحزب الاشتراكي قضايا حقوق الشعوب وحقوق الإنسان، ويعارض الاحتلال الإسرائيلي.
إسبانيا بين التاريخ والمستقبل
وتسعى إسبانيا من خلال سياساتها إلى الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية منذ عام 1978، وإطلاق مبادرات تؤكد التزامها بالقيم الإنسانية والسياسية، مستفيدة من تاريخها العريق وعلاقاتها المتميزة مع العالم العربي، ويبقى دعمها للقضية الفلسطينية موقفا ثابتا وراسخا على المستويات السياسية والشعبية والدبلوماسية.