الجنيه المصري يتراجع أمام ضغوط كورونا والسوق السوداء تطل مجددا

بعد أن صمد في وجه خسائر عملات الأسواق الناشئة والضغوط الناجمة عن جائحة كورونا، انخفض سعرالجنيه المصري أخيرا ليسجل 16.26 للدولار بينما تطل السوق السوداء برأسها من جديد وسط مضاربات.
كان الجنيه قد بلغ أوج قوته لحقبة ما بعد تحرير سعر الصرف في أواخر 2016 عندما سجل 15.51 جنيها للدولار في 21 فبراير/ شباط الماضي. ومنذ ذلك الحين هبط الجنيه نحو 5% حتى اليوم الإثنين.
وارتفع سعر الدولار اليوم في كل من البنك التجاري الدولي CIB،والبنك العربي الأفريقي والمصرف المتحد، والبنك الكويتي الدولي، وHSBC، وكريدي أجريكول وبنك القاهرة ليسجل 16.17 جنيه للشراء، و16.27 جنيه للبيع.
تداعيات كورونا
يقول محمد بدير العضو المنتدب لبنك عوده مصر ”تراجع الجنيه المصري مرتبط بأزمة فيروس كورونا وتداعياتها“.
وتوقع بدير أن يكون الانخفاض في سعر الجنيه مرحليا نتيجة تلك الظروف وأن تتجاوز العملة لاحقا هذه الضغوط.
أضرت الجائحة ببعض أهم موارد النقد الأجنبي لمصر في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وبخاصة السياحة، التي تشكل حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحويلات المصريين في الخارج. وتسببت أيضا في عمليات نزوح كبيرة للنقد الأجنبي من أسواق الدين المحلية.
ويتفق إيهاب رشاد نائب رئيس مجلس إدارة مباشر كابيتال هولدنغ للاستثمارات المالية في أن السبب الرئيسي لتراجع الجنيه مقابل الدولار هو تداعيات كورونا.
هروب استثمارات الأجانب
لكن رشاد يعزو تراجع الجنيه أيضا إلى خروج الأجانب من أذون الخزانة والسندات بجانب هبوط الموارد الدولارية من قناة السويس والسياحة والتحويلات الخارجية.
وقال ”سيكون لتراجع الجنيه تأثيرات سلبية مباشرة على الأسعار ومستويات المعيشة“، مشيرا إلى تأثر معدلات التضخم في مصر بسعر الصرف نظرا للاعتماد الكبير على الاستيراد.
وتوقعت مذكرة بحثية لبنك اتش.اس.بي.سي الأسبوع الماضي أن يسجل سعر صرف العملة 16.5 جنيها للدولار في الأسابيع المقبلة و17.5 جنيها بنهاية العام، بدلا من 17 جنيها في التوقعات السابقة، مع ميل نحو وتيرة انخفاض أشد في النصف الثاني.
وأضافت المذكرة أن البيانات تسلط الضوء على ضغوط جائحة كورونا، حيث تظهر أن البنك المركزي والبنوك التجارية سحبت أكثر من 21 مليار دولار من أصولها الأجنبية في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان للإبقاء على العملة مستقرة في مواجهة نزوح مطرد لرؤوس الأموال.
هبوط الاحتياطي واستمرار التراجع
وقال عدد من متعاملي سوق الصرف إن السوق السوداء شهدت خلال الأيام الماضية مضاربات عنيفة على الدولار.
وهبطت احتياطيات مصر الأجنبية إلى 36.0037 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار، بعد ذروة عند 45.51 مليار دولار في فبراير شباط.
وقال هاني توفيق الرئيس السابق للجمعيتين المصرية والعربية للاستثمار المباشر ”أتوقع استمرار تراجع الجنيه حتى يصل لمستوى 18 جنيها بنهاية العام في السوق الرسمية… السوق الموازية للدولار عادت من جديد مع نقص العملة… السعر وصل الخميس الماضي إلى 16.75 جنيها مقابل الدولار“.
واتخذت مصر خطوات لتدبير السيولة الأجنبية شملت إصدار سندات دولية كما توصلت إلى اتفاق أولي يوم الجمعة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليارات دولار لمدة عام لمساعدة البلد على التعامل مع جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.
ويأتي ذلك القرض إضافة إلى تمويل طارئ بقيمة 2.77 مليار دولار قدمه الصندوق بالفعل لمصر.
كما حصلت مصر أيضا على قرض بقيمة 5 مليارات دولار عبر أكبر إصدار في تاريخ مصر وأفريقيا للسندات الدولية نهاية الشهر الماضي.
وتوقع اقتصاديون أن يتطلع صندوق النقد على أقل تقدير إلى خفض معتدل لقيمة العملة.
عودة السوق السوداء
ووصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 17.15 جنيه مطلع الأسبوع قبل أن يعاود التراجع وسط انسحاب الطلبات ويسجل بنهاية يوم الأحد 16.90 جنيه، وفقا لعدد من المتعاملين.
وقال أحد المتعاملين ”المضاربون بالغوا في التحرك لتحقيق مكاسب ولو استمر نفس الاتجاه الذي حدث بنهاية يوم أمس (الأحد) فسنرى انهيارا في سعر السوق السوداء بنفس وتيرة الارتفاع… غالبية الطلبات قادمة من صغار المستوردين وشركات استيراد السلع ذات الدورة السريعة“.
وطالب مجدى الوليلي عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات الحكومة بسرعة التدخل لوقف ظاهرة الدولرة التي عاودت الظهور من جديد مما قد يتسبب في أزمة.
لكن رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس قالت ”الضغط على الجنيه مرتبط بأمد استمرار تراجع الموارد الدولارية للبلاد وخاصة من السياحة وتحويلات المصريين في الخارج… في فاروس نتوقع تسجيل الدولار مستوى 17 جنيها بنهاية العام“.
قوائم انتظار للمستوردين
تباينت تجارب عدد من المستوردين بشأن مدى توفير البنوك للدولار والوقت الذي يستغرقه تدبير العملة الصعبة.
وقال محسن التاجوري نائب رئيس الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية ”قوائم الانتظار عادت للبنوك منذ أكثر من أسبوعين تزامنا مع ارتفاع الدولار وزيادة الطلب عليه… البنوك تقوم بتوفير الدولار لتمويل عمليات الاستيراد ولكن خلال فترة تتراوح مابين 10 أيام و 15 يوما“.
دين عام متضخم
وتعاني مصر من تضاعف الدين العام الداخلي والخارجي منذ وصول النظام الحالي في مصر إلى السلطة بعد انقلاب عسكري في يوليو/ تموز 2013.
وأظهرت بيانات من البنك المركزي المصري ارتفاع إجمالي الدين العام الخارجي للبلاد بنسبة 20.4% على أساس سنوي إلى 106.221 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي، مقارنة بنحو 43 مليار دولار في يونيو/ حزيران 2013.
وزاد الدين المحلي للبلاد بنسبة 18.8% على أساس سنوي إلى 4.204 تريليونات جنيه (256.2 مليار دولار) في نهاية مارس/آذار، مقارنة بنحو 1.5 تريليون جنيه في يونيو/ حزيران 2013.
87 % من إيرادات الدولة لخدمة الدين
وتستحوذ خدمة الدين على غالبية الإيرادات العامة للدولة، فبحسب أرقام البيان التمهيدي لموازنة العام المالي 2020-2021، تبين أن إجمالي الإيرادات العامة نحو 1.28 تريليون جنيه.
بينما من المتوقع أن تبلغ أقساط الدين العام بحدود 555 مليار جنيه، في حين ستبلغ فوائد الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام ستبلغ نحو 1.12 تريليون جنيه، ما يعادل نسبة 87% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة.