3 أزمات كبرى تضع دولًا عربية على حافة الإفلاس.. إليك التفاصيل

فقدت الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها خلال عامين (رويترز)

بينما كان العالم يكافح لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، والحد من آثار التغير المناخي، جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لتضيف مزيدًا من الغموض إلى مستقبل الاقتصاد العالمي.

هذه التطورات دفعت 4 مؤسسات مالية واقتصادية دولية، مجتمعة، للتحذير من تداعيات هذه الحرب، خصوصًا على الاقتصادات الضعيفة.

وأجمعت المؤسسات الأربع وهي البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، في بيان مشترك الأسبوع الماضي، على أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى تباطؤ نموّ الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشدّ وطأة على الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل.

واجتمعت الأزمات الثلاث: المناخ، وكورونا، والحرب في أوكرانيا، في وقت تغرق فيه دول عربية في أزمات مالية واقتصادية، تقرّبها يومًا بعد يوم من حافة الإفلاس.

والإفلاس يكون عندما تصل الدولة إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستيراد لعدم توفر النقد، وتعجز عن سداد الديون، وصرف أجور موظفي الدولة.

لبنان

دخل لبنان في أزمة مالية واقتصادية حادة، بدءًا من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أشد الأزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

ويئن لبنان تحت وطأن دَين من أكثر الديون في العالم، يبلغ حوالي 100 مليار دولار، منها 38 مليارا دَينًا خارجيًّا.

ودفعت تلك الأزمة الحكومة اللبنانية في مارس/ آذار 2020، إلى إعلان توقفها عن سداد الدين الخارجي، لعدم توفر الموارد الكافية لخدمة هذا الدين.

ومنذ ذلك الحين تسارع الانهيار المالي في البلاد؛ إذ تراجع احتياطي لبنان من النقد الأجنبي من حوالي 38 مليار دولار في 2019 إلى حوالي 15 مليار دولار حاليا، جميعها احتياطيات إلزامية للجهاز المصرفي لا تستطيع الحكومة استخدامها في تغطيات واردات السلع الأساسية.

لبنانيون ينتظرون في سياراتهم للحصول على الوقود بمحطة وقود في الزلقا بلبنان (رويترز)

وفقدت الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها، وبعد أن كانت مستقرة عند حوالي 1500 ليرة مقابل الدولار على مدى 20 عاما، انحدرت ليصرف الدولار حاليا بنحو 31 ألف ليرة.

ومع شح الدولار في الأسواق، منعت المصارف اللبنانية سحب المودعين لودائعهم بالدولار، ووضعت سقفًا للسحب بالعملة المحلية مع الإبقاء على سعر الصرف في عمليات السحب معادلا للسعر الرسمي (1500 ليرة للدولار)، مما يعني فقدان الودائع الدولارية لنحو 80% من قيمتها.

السودان

مع سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2018، دخل السودان حقبة جديدة من تاريخه، وتزايدت الجهود والآمال لعودته إلى النظام المالي العالمي، بعد 25 عاما من العزلة التي فُرضت عليه منذ أن أدرجته الولايات المتحدة في قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

أدخلت العزلة الدولية السودان في العديد من الأزمات المالية والاقتصادية، خصوصا بعد فقدان البلاد أكثر من 75% من مواردها النفطية باستقلال دولة جنوب السودان عام 2011.

وبنهاية حكم البشير، بلغ الدين الخارجي للسودان حوالي 60 مليار دولار، معظمها متأخرات لصندوق النقد الدولي وباقي دائنيه من نادي باريس.

وبالفعل، ضم صندوق النقد الدولي السودان إلى مبادرته لتخفيف الديون عن الدول الفقيرة مما سمح بإعفائه من 23.5 مليار دولار، ضمن عملية كان يؤمل أن تنتهي بإعفاء الخرطوم من نحو 54 مليار دولار، ومنحه مليارات من الدولارات تمويلات من صندوق النقد وغيره من المانحين.

كل ذلك، كان مشروطا بإصلاحات اقتصادية جذرية، من بينها تعويم الجنيه السوداني، وهو ما تم فعلا على مرحلتين: في فبراير/ شباط 2021، وفبراير 2022، مما أدى إلى تراجع حاد في قيمة العملة المحلية، من 55 جنيهًا للدولار الواحد إلى حدود 400 جنيهًا للدولار.

ومن شروط صندوق النقد أيضا، رفع تدريجي للدعم عن الوقود، وصولًا إلى إلغاء الدعم كليًّا في يونيو/ حزيران 2021.

وأدى انهيار العملة ورفع الدعم عن الوقود وسلع أساسية أخرى إلى تفاقم التضخم في السودان، ليصل إلى حدود 300%.

التضخم السنوي في السودان قفز إلى 300% (رويترز)

تونس

في عامي 2010 و2011، نما إجمالي الناتج المحلي التونسي بمتوسط 9%، لكنه بدأ التباطؤ منذ 2012 وصولا إلى انكماش بنسبة 0.15% عام 2014.

ورغم عودة اقتصاد تونس إلى النموّ في السنوات التالية، فإنه حافظ على نسبة منخفضة، إذ لم يتجاوز النموّ منذ 2017 نسبة 1.5% حتى 2019، إلى أن جاءت جائحة كورونا في 2020 بانتكاسة للاقتصاد التونسي، الذي انكمش بنحو 8.8%.

حافظ الاقتصاد التونسي على معدل بطالة أقل من 12% حتى 2010، لكنه تزايد باضطراد بعد 2011، ليحافظ على معدل قرب 17% حتى 2021.

وبلغ إجمالي الدين العام التونسي في 2010 حوالي 16 مليار دولار أو ما يعادل 55% من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى 20.6 مليار دولار في 2017، ثم إلى 29 مليار دولار بنهاية 2020.

ويتوقع البنك المركزي ارتفاع الدين إلى 35 مليار دولار بنهاية 2021، أو ما يزيد على 100% من إجمالي الناتج المحلي، إذا نجحت مساعي تونس للحصول على قروض خارجية جديدة، الجزء الأكبر منها من صندوق النقد الدولي.

وبلغ العجز في الموازنة العامة التونسية حوالي 7 مليارات دولار أو 8.5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في 2021.

كما تواجه المالية العامة عبئًا آخر، إذ عليها توفير حوالي 15.5 مليار دينار (5.6 مليارات دولار) لخدمة الدين، منها 10 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار) بالنقد الأجنبي.

وتتفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 4 مليارات دولار، لكن الصندوق يشترط خفضا حاسما في الإنفاق، خصوصا في بندي الرواتب ودعم السلع الأساسية.

اليمن

رغم أن مديونية اليمن أقل بكثير من معظم الدول العربية، إذ بلغت 10 مليارات دولار في أواخر 2021 وفق بيانات رسمية، فإن المشكلة الأساسية للبلد الذي يعاني حربا مستمرة منذ 7 سنوات تتمثل بافتقاره للسيولة لتغطية وارداته من السلع، وتمكين الحكومة المعترف بها دوليا في جنوب البلد.

بالتوازي مع الحرب العسكرية التي بدأت في 2015، تدور في الخفاء حرب مالية اقتصادية، إذ صادر الحوثيون الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي عندما سيطروا على العاصمة صنعاء، وتقدر بحوالي 5 مليارات دولار.

وتوالت عمليات مصادرة الأصول والاحتياطيات النقدية من قبل الحوثيين، لتشمل بين عامي 2016 و2018 أصول هيئة التقاعد والمعاشات وصناديق التقاعد والعديد من البنوك والشركات، بإجمالي 6 مليارات دولار وفق تقارير دولية.

وقد أدت مصادرة هذه المبالغ من النقد الأجنبي إلى رفع الغطاء عن الريال وفقدان الدولار في الأسواق، وكانت هذه بداية انهيار العملة اليمنية.

الصراع في اليمن خلّف نحو 24 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية (ر ويترز)

في آذار 2014، كان الدولار يصرف بنحو 214 ريالا يمنيا، لينحدر في أواخر 2021 إلى حوالي 1800 ريال للدولار الواحد.

وأدى هذا الانهيار للعملة المحلية، وفقدان العملات الصعبة لتمويل الواردات، إلى أزمات شملت جميع السلع الأساسية والوقود، فقفزت أسعارها إلى مستويات تفوق قدرة اليمنيين المنهكين من الحرب.

سوريا

لا تعاني سوريا من مديونية خارجية، إذ بادرت في 2019 إلى سداد كل الدين الخارجي، البالغ 23 مليار دولار معظمها لروسيا وإيران والعراق.

ومع ذلك، فإن فقدان سوريا للسيولة اللازمة لتغطية وارداتها من الخارج، خصوصا بعد تراجع دعم روسيا المشغولة في الحرب مع أوكرانيا، أدخل اقتصاد البلاد مرحلة جديدة من الانهيار.

فمنذ فرض العقوبات الغربية، بدءًا من 2012، تقلص الاقتصاد السوري حتى أصبح يعتمد على رواتب الموظفين وبعض الخدمات فقط، وذلك لحرمانه من باقي القطاعات، كالنفط والصناعة وغيرها.

وانهارت الليرة السورية من متوسط سعر 50 ليرة للدولار في بداية الحرب عام 2011، إلى 2814 ليرة في السعر الرسمي للدولار، وحوالي 4000 ليرة في السوق السوداء.

وتحت ضغط نقص السيولة واستنزاف الاحتياطي بسبب العقوبات الغربية، قلصت الحكومة السورية في 2019، بشكل كبير، دعم السلع والخدمات الأساسية، كالطحين والوقود والكهرباء، تبع ذلك في فبراير/ شباط الماضي، وقف الدعم عن حوالي 500 ألف أسرة.

هذا فضلًا عن أن أكثر من 90% من السوريين في مناطق سيطرة النظام يقعون تحت خط الفقر، ويعيش 70% من المواطنين على تحويلات نقدية من الخارج.

المصدر : الأناضول

إعلان