أعادت سفنا إلى عصر ما قبل قناة السويس.. هجمات الحوثيين تغير حسابات النقل البحري وتشعل الأسعار
تواجه السفن التي تبحر عبر طريق رأس الرجاء الصالح خيارات صعبة للتزود بالوقود

ربما لم يتوقع كثير من العاملين في صناعة النقل البحري أن سفنًا تقوم بنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا، سوف تواجه نهاية عام 2023 هجمات بالقرب من مضيق باب المندب تجبرها على تغيير مسارها، وتمنعها من التوجّه إلى البحر الأحمر، ومنه إلى قناة السويس ثم إلى موانئ أوروبا في البحر المتوسط، وهو أقصر طريق للشحن البحري بين الشرق والغرب.
والبديل لهذا الطريق أن تدور السفن في طريق بحري طويل حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، وهو ما كان عليه الحال قبل إنشاء قناة السويس، وخلال الفترة التي أغلقت فيها القناة بعد حرب عام 1967.
غير أن هجمات الحوثيين المتوالية على سفن يمتلكها رجال أعمال إسرائيليين أو تحمل بضائع إلى إسرائيل أثناء مرورها في البحر الأحمر، ردًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خلقت واقعًا جديدًا أدى إلى تغيير حسابات الشحن البحري.
وأعلنت مجموعة من أكبر شركات الشحن البحري في العالم فرض رسوم إضافية على البضائع التي تنقلها من وإلى الشرق الأوسط، ومن بينها شركة “سي إتش روبنسون” الأمريكية، وشركة “ميرسك” الدنماركية، وشركة “هاباج لويد” الألمانية.
وقالت شركة “ميرسك”، ثاني أكبر شركات الشحن البحري في العالم، إن هذه الزيادة ترجع لما وصفته بـ “أعطال تشغيلية حادة”، وذلك في إشارة إلى الهجمات التي تعرضت لها بعض السفن أمام سواحل اليمن، وسوف يتم فرضها من بداية يناير/كانون الثاني 2024.
أما شركة “هاباج لويد” الألمانية فقالت إنها ستغير مسار 25 سفينة مع نهاية هذا العام لتجنب المنطقة التي تشهد هجمات.
وسبق أن أعلنت شركة الشحن الأمريكية “فليكسبورت” أن قرابة 180 سفينة غيرت وجهاتها بعيدًا عن مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، أو تم إيقافها بانتظار تعليمات من الشركات المشغّلة لها.
آثار اقتصادية
وعن الآثار الاقتصادية لتغيير مسار السفن لكي تتجنب البحر الأحمر، قال ممدوح سلامة، الخبير العالمي في اقتصاديات الطاقة والنقل إن “توجه السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا يضيف نحو 14 يومًا لزمن الرحلة البحرية، ما يعني ارتفاع تكلفة نقل البضائع، علاوة على الارتفاع في تكلفة التأمين نتيجة ارتفاع المخاطر التي تتعرض لها السفن. والنتيجة هي ارتفاع أسعار السلع التي يتم نقلها من آسيا إلى أوروبا، ما قد يؤدي إلى تراجع نسب نمو الاقتصاد العالمي، خاصة في أوروبا التي تعاني أصلًا من نسب نمو منخفضة”.
وأضاف سلامة للجزيرة مباشر أن “هجمات الحوثيين على بعض السفن في البحر الأحمر هي رد على العدوان الهمجي الذي تقوم به إسرائيل على المدنيين العزل في قطاع غزة. وإذا قررت الولايات المتحدة توجيه عمل عسكري ضد الحوثيين، فإن مثل هذا العمل سيزيد المخاطر التي تواجه السفن، وبالتالي ستلجأ أعداد أكبر من السفن للطريق الملاحي الأطول عبر رأس الرجاء الصالح”.

وأوضح سلامة أن هجمات الحوثيين ألحقت ضررًا واضحا بميناء إيلات، إذ أصبح شبه مهجور لأن السفن تتجنب الوصول إليه. وأكد أن دخول إيران في الصراع قد يؤدي إلى خطوات “انتقامية” من جانبها، مثل إغلاق مضيق هرمز، ما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار النفط.
وتواجه السفن التي تبحر عبر طريق رأس الرجاء الصالح خيارات صعبة للتزود بالوقود والمؤن مع معاناة الموانئ الإفريقية من الروتين والازدحام وضعف المرافق.
عقبات أمام “حارس الأزدهار”
وكانت الولايات المتحدة أعلنت تشكيل قوة متعددة الجنسيات للقيام بدوريات في البحر الأحمر أطلق وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عليها اسم عملية “حارس الازدهار”، وقال إن هدفها مواجهة التصعيد أمام هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
غير أن تقارير أفادت بانسحاب فرنسا وإيطاليا وإسبانيا من العملية، إذ ترغب في العمل تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي، وليس تحت قيادة منفردة للولايات المتحدة.