تقرير: مصر تواجه معضلة سداد الدين الخارجي بعد التوسع في الاقتراض

قالت وكالة رويترز إن مصر تواجه مهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم لجمع السيولة المطلوبة لسداد ديونها الخارجية، بعدما ارتفع الاقتراض الخارجي في الأعوام الـ8 الماضية إلى 4 أمثاله.
جاء ذلك في تقرير للوكالة ذكرت فيه أن الديون استخدمت في تمويل بناء عاصمة جديدة وتشييد بنية تحتية وشراء أسلحة ودعم عملة، مبالغ في تقدير قيمته.
وأوضحت الوكالة أن القليل من المشروعات الضخمة في مصر يدرّ تدفقات إضافية من العملة الصعبة، في حين فاقم المستثمرون الأجانب المتاعب بالعزوف عن مصر وغيرها من الأسواق الناشئة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية وزيادة تكاليف الاقتراض العالمية.
وتقول الحكومة إنها ستفي بالتزامات السداد، لكنها لم تنفذ التغييرات الاقتصادية الهيكلية التي تعهدت بها منذ فترة طويلة، كما أن محاولتها جمع السيولة عن طريق بيع شركات مملوكة للدولة لم يسفر عن بيع أي أصول رئيسية بالعملة الصعبة منذ نحو عام.
وقالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري: “أعتقد أن أكبر مشكلة في الوقت الحالي هي أنه لا أحد يرى إصلاحات كافية.. مصر تنتظر تدفقات رأس المال، ولا أحد ممن أتحدث معهم على استعداد لفعل ذلك مرة أخرى حتى يرى الإصلاح”.
ولطالما حث المستثمرون على أن تكون العملة أكثر مرونة. لكن الجنيه المصري لم يتحرك مقابل الدولار منذ 3 أشهر رغم تعهد لصندوق النقد بتحريره ضمن حزمة مالية بقيمة 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ووسط شحّ النقد الأجنبي سحبت مصر من صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أكثر من 40 مليار دولار في العامين الماضيين استُخدم جزء منها لدعم الجنيه.
وحاول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي طمأنة المستثمرين على الوضع المالي للبلاد فقال “أؤكد أن الدولة المصرية لم ولن تخفق في سداد أي التزامات دولية”.
وقالت مصر إنها ستفي بالتزاماتها الخارجية وستجمع أموالا عن طريق بيع أصول تشمل ملياري دولار بنهاية يونيو/ حزيران.

البحث عن تمويل أجنبي
وبحسب رويترز شهد اثنان من مصادر النقد الأجنبي الرئيسية في مصر زيادة وهما السياحة ورسوم عبور قناة السويس. لكن مصرفيين يقولون إن تحويلات المصريين العاملين في الخارج -وهي مصدر ثالث مهم للعملة الأجنبية- تراجعت بسبب تحويل عدد أكبر من الناس لأموالهم عن طريق السوق الموازية.
ويبلغ الدولار نحو 31 جنيها بالسعر الرسمي، لكن سعره في السوق السوداء يصل إلى نحو 39 جنيها.
وأثار شحّ العملة الصعبة مخاوف بشأن قدرة مصر على سداد الديون الخارجية. ومنذ أبريل/ نيسان خفضت وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث النظرة المستقبلية لديون مصر.
وقالت موديز “مواعيد استحقاق الدين الخارجي الكبير لمصر أصبحت تمثل تحديا متزايدا”.
وأظهرت بيانات البنك المركزي الأسبوع الماضي أن المدفوعات المستحقة تشمل 2.49 مليار دولار من الديون القصيرة الأجل في يونيو، وأنها في النصف الثاني من 2023 تشمل 3.86 مليارات دولار من الديون القصيرة الأجل و11.38 مليار دولار من الديون الطويلة الأجل.
وبعض هذه الديون مستحق السداد لدول صديقة مثل حلفاء مصر في الخليج. وتقول الوكالة إنه استنادا إلى تجارب سابقة، فمن المرجح أن تمدد تلك الدول أجل ودائعها البنك المركزي المصري التي تقارب قيمتها 30 مليار دولار.
وهناك ديون أخرى مستحقة لمقرضين أقل تسامحا مثل صندوق النقد، الذي يجب أن تسدد له مصر 2.95 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023، وحاملي السندات الأجانب، الذين يستحقون 1.58 مليار دولار. وهناك جدول سداد شاق على نفس المنوال في السنوات التالية.
وتشكل هذه المدفوعات لصندوق النقد وحاملي السندات الأجنبية وحدهم، وهي حوالي 4.5 مليارات دولار، أكثر من نصف العائدات التي تجنيها مصر سنويا من قناة السويس البالغة 8 مليارات دولار.

نهم للاقتراض
ونوهت الوكالة إلى أن النهم للاقتراض بدأ في مصر مع عقد مؤتمر اقتصادي في مارس/ آذار 2015 بعد مرور أقل من عام على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي المنصب، عندما تم الإعلان عن سلسلة من المشروعات العملاقة بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة و3 محطات للطاقة.
وجذب الاطمئنان الذي قدمه اتفاقان مع صندوق النقد في عامي 2016 و2020 مقرضين متعددي الأطراف وحكومات أجنبية ومؤسسات استثمارية. كما استفادت مصر التي استضافت قمة المناخ كوب 27 العام الماضي، من موجة التمويل الأخضر.
وأظهرت بيانات للبنك المركزي أن القروض الخارجية قفزت إلى 162.9 مليار دولار بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2022 من أقل من 40 مليار دولار في 2015. وقفز الاقتراض في الربع الأخير من 2022 وحده إلى 8 مليارات دولار.
وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس “حازت مصر إعجاب صندوق النقد والمستثمرين بسبب ما كانت تفعله لاستقرار الاقتصاد الكلي”.
وأضاف “لم تحقق الاستثمارات العائد المأمول من حيث تعزيز القدرة على سداد الديون الخارجية”.
ويقول خبراء اقتصاديون إن مصر -التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة وتعد واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم وتعتمد أيضا على الواردات في الحصول على سلع غذائية أخرى وفي توفير الوقود- أنفقت الكثير من الأموال المقترضة على مشروعات لن تحقق عائدات سريعة من النقد الأجنبي الذي تحتاج إليه البلاد.
وتشمل تلك المشروعات العاصمة الإدارية الجديدة التي ستبلغ تكلفة إنشائها شرقي القاهرة 58 مليار دولار، ومحطة للطاقة النووية بتكلفة 25 مليار دولار على ساحل البحر المتوسط، وإنشاء شبكة سكك حديدية للقطارات العالية السرعة بطول ألفي كيلومتر، ستكون سادسة أكبر شبكات العالم، وقالت الرئاسة المصرية إنها ستكلف 23 مليار دولار.
وفيم بين عامي 2015 و2019 صارت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، إذ تعاقدت على ما لا يقل عن 54 طلبية أسلحة، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.