ماذا يعني توجه مصر لمراجعة اتفاق صندوق النقد الدولي؟
على وقع ضغوط معيشية متزايدة بدت نظرة الشارع المصري تجاه صندوق النقد الدولي أكثر تشاؤما لارتباط إجراءاته برفع الأسعار وإلغاء الدعم، وكشفت الحكومة لأول مرة عن توجه لإعادة النظر بالاتفاق الذي حصلت البلاد بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي مشروطًا ببرنامج اقتصادي وُصف بأنه شديد القسوة.
وألقت شروط الصندوق بظلال قاتمة على الشارع، فلا تريد نادية نور –مُعلمة بالأزهر- أن تسمع شيئًا عن الصندوق، وقالت للجزيرة مباشر إنها لا تعرف إلا بطاقة دعم المواد التموينية التي أُلغيت مؤخرًا ضمن مئات الآلاف تنفيذًا لشروط تقليص موازنة الدعم.
وترى نادية أن الصندوق الذي لم يكن يعرفه الكثيرون بات حديث الشارع فهو “المتهم الرئيسي، وعلى الحكومة مراجعة الموقف”.
وقالت إنها الآن تشتري نصف ما كانت تشتريه من الخبز قبل 3 سنوات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبنسبة 17%.. مصر ترفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام
ماذا يعني “اقتصاد حرب”؟ وما تأثيره في المصريين؟ خبراء يجيبون
مدبولي يقطع وعدا للمصريين بشأن انقطاع الكهرباء (فيديو)
وربط السيد ربيع، صاحب مخبز بالجيزة، بين شروط الصندوق وتراجع مبيعات المخبز الذي يملكه.
وقال للجزيرة مباشر إنه لم يكن يتصور أن يعيد المصريون النظر بكميات استهلاك الخبز الذي ارتفعت تكاليف إنتاجه بسبب نقص الدولار واستيراد القمح.
قرض الصندوق وشروطه
وكانت مصر قد وقّعت حزمة دعم مالي بقيمة 8 مليارات دولار مع الصندوق في مارس/آذار الماضي تلزمها بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى وتحرير سعر صرف الجنيه، وهي إجراءات أثارت غضبا شعبيا، لكنها ساعدت في الحصول على دعم إضافي بمليارات الدولارات من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
ورفعت مصر قبل أيام أسعار منتجات الوقود للمرة الثالثة هذا العام، بما يتراوح بين 11% و17%.
وكان من المقرر أن يجري الصندوق بنهاية سبتمبر/أيلول مراجعة جديدة لاتفاقية القرض لكنه أرجأ المراجعة لموعد لم يتحدد بعد، وتأجل بالتالي الحصول على شريحة جديدة من القرض قيمتها 1.2 مليار دولار.
التصريحات الحكومية
وفي يونيو/حزيران الماضي ارتفع سعر الخبز المدعوم والسياحي بنسبة 300%، وسط توقعات بارتفاعات إضافية على خلفية زيادة أسعار الوقود التي قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إنها ستتواصل حتى نهاية عام 2025.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع الصندوق إذا كان سيحمل الناس ما لا يطيقون.
وتعليقًا على هذا التوجه، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب في حديثه للجزيرة مباشر إنه من السابق لأوانه الحكم على ذلك، مضيفًا أنه يعتقد أن هذا التحرك جاء بمثابة رسالة موجهة للرأي العام المصري أكثر من الحكومة، والصندوق لن يقبل بسهولة.
وكشفت الحكومة عن خسائر اقتصادية نتيجة التوترات الإقليمية الجارية في المنطقة، لعل أبرزها يتعلق بخسارة قناة السويس لنحو 7 مليارات دولار خلال الأشهر العشرة الماضية.
تحديات المشروعات الصغيرة
وسخر مجدي حامد، مالك مزرعة دواجن في حديثه للجزيرة مباشر، من دعوات زيادة الإنتاج معتبرا أن الواقع يقول عكس ذلك، وأوضح أن منتجي الدواجن يواجهون عقبات عديدة، بداية من شح الأعلاف والأمصال، ونهاية بضرائب حكومية، وارتفاع تكلفة النقل نتيجة ارتفاع أسعار الوقود.
وتساءل: “كيف نقول إن لدينا صناعة دواجن بينما 70% من مدخلاتها مستورد من الخارج من أعلاف وأمصال حتى الكتاكيت”.
ويرى سراج ناصف، وهو مهندس بمصنع للملابس الجاهزة، أن الأزمة مع الصندوق تتمحور حول الدولار، الذي يستورد كل شيء حتى معظم مدخلات صناعة الملابس من خيوط و”ماكينات”.
وذهب محمد عامر، الباحث الاقتصادي بجامعة القاهرة، إلى ضرورة التخلي عن وصفات الصندوق للاقتصاد المصري، وحذر من استسهال الحصول على القروض، لافتًا إلى أن التجارب كلها مع الصندوق انتهت بمزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ونبّه عامر إلى أن “الشعب المصري قد لا يتحمل ضغوطا إضافية”، وأضاف: “رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام كان له ردود فعل غاضبة، وهذا أمر بالغ الخطورة على السلم الاجتماعي”.
وتوقع استحالة تراجع مصر عن التزاماتها مع الصندوق، معتبرًا أن كل ما سيحدث تعديل الجدول الزمني للإجراءات.
وضع الاقتصاد المصري
وبحسب تقرير لوكالة “فيتش” في سبتمبر/أيلول 2024، فإن معدلات التضخم في مصر ستظل مرتفعة خلال النصف الثاني من العام الجاري عند مستويات تبلغ 27% في المتوسط، وتوقعت الوكالة أن يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بنحو 12% خلال 2025، على أن يبدأ الخفض بحد أقصى في فبراير/شباط المقبل.
وسبق لمصر أن رفضت بعض مطالب صندوق النقد في عهد محافظ البنك المركزي الأسبق فاروق العقدة، الذي اعترض على مطالب الصندوق بالاطلاع على كامل السياسات النقدية، والتدخل في تحديد الاحتياطي وإدارته.
كما كشفت الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك وقبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 عن معارضتها للكثير من شروط الصندوق فيما يتعلق بخفض قيمة الجنيه ورفع الدعم عن الفقراء.