تقرير: الطبقة المتوسطة في مصر تتآكل وتكافح للحفاظ على الأساسيات
تمثل الطبقة الوسطى العمود الفقري الاجتماعي في مصر، وكانت عماد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل حسني مبارك، لكنها عانت في السنوات الأخيرة من ارتفاعات قياسية في الأسعار، هبطت بمستوى معيشتها إلى حد الاستغناء عن بعض الأساسيات.
وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية تناول وضع بعض أفراد هذه الطبقة، منهم منار التي تطلب من شقيقها الذي يعمل خارج مصر أن يرسل إليها قهوة “النسكافيه”، بعدما أصبح شراؤها يُعَد ترفا، وتقول إنها باتت “تفكر مرتين” قبل شراء مواد أساسية مثل اللحوم، على وقع الأزمة الاقتصادية.
ويعكس وضع هذه الأم الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الطبقة المتوسطة في مصر مع تطبيق الحكومة برنامجا قاسيا للإصلاح للاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، حصلت بموجبه على قرض يبلغ 8 مليارات دولار.
وتقول منار (38 عاما) “حتى قبل عامين لم تكن هناك مشاكل في توفير أساسيات الحياة”.
وتتابع الأم لطفلين التي تمتلك منزلها “الآن أصبحت أفكر أكثر من مرة قبل شراء الأساسيات من طعام وملابس. اللحمة مرتين فقط أسبوعيا، ووفق ميزانية محددة”.
وتعمل منار مدرّسة بدوام جزئي، ويرتفع دخلها مع دخل زوجها المهندس إلى 15 ألف جنيه شهريا (304 دولارات). وتشير الى أنها تريد “توفير الحد الأدنى من الرفاهية لأبنائي كالتدريبات الرياضية”.
وتقول بحزن “أسلوب الحياة الذي نشأتُ عليه تغيَّر تماما”.
أزمة اقتصادية
ورفعت الحكومة المصرية، الشهر الماضي، أسعار الوقود والمحروقات للمرة الثالثة هذا العام بنسبة تصل إلى 17.5%، بعد أقل من 3 أشهر على زيادة أخرى بنسبة 15%.
وأثار القرار استياء شعبيا بسبب انعكاساته على أسعار السلع، بينما بلغ معدل التضخم السنوي في أكتوبر/تشرين الأول 26.5%.
وتمر مصر حاليا بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، خصوصا مع تراجع عائدات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر وخليح عدن على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأعطى صندوق النقد الدولي قروضا إضافية لمصر بقيمة 5 مليارات دولار في مارس/آذار، بعد قرض بقيمة 3 مليارات في نهاية عام 2022.
في المقابل، طالب الصندوق بإصلاحات واسعة النطاق، منها اعتماد سعر صرف أكثر مرونة، وإلغاء الدعم، وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، ومكافحة التضخم والدين العام.
آثار عنيفة
وكانت مصر قد تبنت عام 2016 برنامجا مماثلا مع الصندوق، حصلت بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار ألقى بظلاله أيضا على حياة المصريين آنذاك.
وبلغ معدل الفقر 29.7% في عام 2020، بعد أن وصل في عام 2019 إلى 32.5%، حسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي عن الدخل والإنفاق في عام 2020. ومذاك لم يصدر الجهاز تقارير مماثلة، بينما يرى خبراء أن نسبة الفقر المعلنة رسميا لا تعبّر عن الواقع.
ويشير مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وائل جمال إلى أن أثر قرض الصندوق الأخير “أعنف”.
ويقول إن القرارات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى “تآكل كبير في مستويات معيشة الناس، مع ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات ووسائل النقل”.
وفي مواجهة هذا الوضع الصعب، حرصت الحكومة المصرية على بعث رسائل طمأنة، وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي إن مصر تتعامل مع قرض صندوق النقد “في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية”.
وأضاف أن هذا الوضع “يمكن أن يستمر لمدة عام كامل”، متابعا “إذا كان هذا التحدي سيجعلني أضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي”.
وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن حكومته لن تتخذ أي قرارات قد تضيف “أعباء مالية” على المصريين خلال “الفترة المقبلة” من دون أن يحدد مدتها.
ويرى جمال أن هذه التصريحات تعكس “قلقا” حكوميا، لكنه شكّك في اتخاذ الحكومة “قرارات اقتصادية مختلفة”.
وبالنسبة لمنار “لم يثبت كلام الحكومة مصداقيته أبدا، والأسعار تتزايد دون توقف”.
لا حلوى أو شوكولاتة
في متجر بحي سكانه إجمالا من الطبقة المتوسطة في غربي القاهرة، ينظر متسوقون إلى الرفوف بحذر. في قسم الخضروات الطازجة، تلتقط امرأة خسّة تتفحصها بتمعن قبل أن تضعها في سلتها، بينما يقف رجل بالقرب منها يمسك بكيس أرز ليدقق في سعره.
وتتحدث ربة المنزل زينب جمال (28 عاما) عن “زيادة أسعار” في كل مرة تتسوق، وتقول “سابقا كنت أبتاع مشترياتي مرة واحدة في الشهر. الآن أنزل أسبوعيا وأشتري حاجات أقل. لم نعد نشتري حلويات، وبالنسبة للألبان قللنا الكميات”.
أما الموظفة في شركة خاصة نورهان خالد (27 عاما)، فاستغنت عن شراء ملابس جديدة والعطور والشوكولاتة، وتقول “المرتب كله يُصرف على المواصلات والأكل، وبالطبع لا أشتري كل ما أريده”.
وكانت العائلات التي تَعُد نفسها تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في مصر تسمح لنفسها بتمضية عطلات في الخارج بين وقت وآخر، وتدفع ثمن أنشطة خارج المدرسة لأولادها، ولا تحرم نفسها من أمور كثيرة.
ويعمل ملايين المصريين في الخارج، ويرسلون نحو 30 مليار دولار إلى البلاد سنويا. وتشكّل هذه التحويلات مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي في مصر. أما اليوم، فباتوا يرسلون أيضا إلى عائلاتهم سلعا باتت تُعَد ترفا.
وتقول منار “بتنا نعتمد على أخي ليجلب لنا الرفاهيات مثل الملابس ذات العلامات التجارية المعروفة والنسكافيه” الذي لم يعد شراؤه ممكنا بعدما تجاوز سعر علبته 400 جنيه (8.1 دولارات).
وتتابع “كل تفكيري في الوقت الحالي ماذا سنفعل إذا حدثت زيادات أخرى في الفترة المقبلة”.