الدولار.. هل يواصل رحلة الصعود في مصر؟

الدولار الأمريكي يواصل ارتفاعه مقارنة بالجنيه المصري
سجل سعر بيع الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري ارتفاعا في الفترة الماضية (غيتي)

لا يعرف حسن جمال، العامل بأحد مخابز محافظة الجيزة المصرية، شيئا عن تجاوز الدولار حاجز خمسين جنيها، لكنه يربط تلقائيا في حديثه للجزيرة مباشر بين تلك الورقة الخضراء وحياته المعيشية التي يقول إنها زادت صعوبة في الآونة الأخيرة ويضيف: “الجنيه بقى نصف جنيه”.

أما هشام شبانة، العائد من الخارج، فيقول للجزيرة مباشر إنه يتردد يوميا على البنوك لمتابعة حركة الدولار على الشاشات قبل تحويل مدخراته إلى الجنيه المصري لشراء عقار.

ويعبر شبانة عن خشيته من أي قفزة في سعر الدولار تضع “تحويشة العمر” في مهب الريح.

ويتفهم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة سامي البهواشي، في حديثه للجزيرة مباشر، تخوفات شبانة، قائلا إن هذه المخاوف تلخص أزمة الجنيه الذي فقد أكثر من نصف قيمته معتبرا أن ضعف الإنتاج هو أحد أبرز الأسباب.

كما رأى أن “عدم وضوح السياسة النقدية” من جانب الحكومة وجه للجنيه ضربات إضافية.

وتوقع أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين أن يتواصل هبوط الجنيه، مشيرا في مقطع فيديو إلى استحقاقات يتعين على مصر سدادها قبل مارس/آذار 2025، هي فوائد وأقساط ديون تبلغ قيمتها 22 مليار دولار.

وخلال الأيام الماضية ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه ليلامس مستوى 51 جنيها، وهي زيادة وصفها الباحث الاقتصادي محمد عامر، في حديثه للجزيرة مباشر، بأنها مؤقتة وترتبط بمعدلات طلب متزايدة لاستيراد السلع الضرورية، وخصوصا الدواء والغذاء فضلا عن مستلزمات الإنتاج.

وذهب عامر إلى أن مصر تتبع سياسة سعر الصرف المرن، متوقعا أن يتزايد الطلب على العملة الأمريكية مع بداية العام الجديد لسداد التزامات أجنبية وتلبية طلبات استيراد متزايدة.

وأشار إلى أن خروج بعض “الأموال الساخنة” لتحويل أرباح الشركات الأجنبية سيشدد الحصار على الجنيه، لكنه توقع أن تشهد بعض القطاعات نموا كبيرا، وخصوصا السياحة مع احتمالات استعادة قناة السويس لجانب من عوائدها بالدولار التي فقدتها بسبب التوترات في الشرق الأوسط.

تراجع إيرادات قناة السويس مع تراجع عدد السفن التي تمر بها
تراجعت إيرادات قناة السويس لتراجع عدد السفن التي تمر بها (رويترز)

صندوق النقد

أما صندوق النقد الدولي فقد غادرت بعثته مصر الشهر الماضي دون إتمام المراجعة الرابعة من برنامج تمويل يسمح بصرف دفعة قدرها 1.3 مليار دولار للحكومة من قرض بقيمة 8 مليارات دولار. كما لم يقر الصندوق صرف الشريحة الجديدة انتظارا لرفع الدعم، وبيع عدد من الأصول، وطرح عدد من الشركات المملوكة للجيش للبيع، وهو ما يمثل معضلة كبرى للحكومة على حد قول الخبير الاقتصادي سامي البهواشي.

ويحذر البهواشي من خطورة التسرع في رفع الدعم وتحريك أسعار الوقود، موضحا أن الانعكاسات الاجتماعية على الطبقات الفقيرة “ستكون خطيرة” إذا تزامنت مع تسارع الاضطرابات الإقليمية والتحولات السياسية بالمنطقة.

وشهدت أسعار الوقود 3 زيادات خلال عام 2024 تنفيذا للاتفاق مع صندوق النقد، وهو ما انعكس في موجات متتالية من ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات.

وتعليقا على ذلك قال طبيب الأسنان نزيه سلامة للجزيرة مباشر إنه يجد صعوبة في توفير المستلزمات الجراحية والعلاجية بعد تضاعف سعرها عدة مرات بسبب شح الدولار.

ولفت سلامة إلى أن بعض المرضى بدأ يعتبر علاج الأسنان نوعا من الرفاهية بسبب ارتفاع تكلفته، نتيجة ارتفاع سعر الدولار.

مصر صرافة شركة دولار عملات
إحدى شركات الصرافة في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

فاتورة الاستيراد

وحسب البيانات الحكومية، بلغت قيمة الواردات خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي 58 مليار دولار.

وشكلت السلع التموينية نحو 20% من إجمالي الواردات. إذ استوردت مصر سلعا تموينية بقيمة 11.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 الجاري مقابل 11.26 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.

وتشمل القائمة القمح والأرز والفول والسكر والشاي والذرة وفول الصويا والزيوت النباتية إضافة إلى العدس والألبان ومنتجاتها واللحوم والدواجن وبيض المائدة والأسماك، والحيوانات الحية.

وحذر الباحث في الاقتصاد السياسي بجامعة مصر للعلوم أسامة حسني من ارتفاع تكلفة واردات القمح إلى 3.41 مليارات دولار، مقابل 2.91 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، قائلا: “هذه فاتورة يجب أن تقل، واستمرار الاستيراد على هذا النحو غير مقبول”.

وتوقع حسني أن تفاقم الاضطرابات الإقليمية الضغوط على الجنيه محذرا من “فخ القروض الخارجية”.

وحذر عضو مجلس النواب ضياء الدين داود من خطورة الاقتراض وقال أمام البرلمان إنه ليس من المعقول أن تلجأ الحكومة للاقتراض كلما تعرضت لأزمة، متسائلا عن مصير الأموال التي يتم اقتراضها.

وتقول الحكومة إنها تضع استراتيجية جديدة لخفض الديون بحسب تصريحات وزير المالية أحمد كجوك للإعلام المحلي.

وتوقع وزير المالية المصرية تقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 85% بدلا من 96% خلال العام المالي الحالي، مع إقراره بأن فوائد الديون تستهلك أكثر من 80% من المصروفات الحكومية.

وبخلاف هيكلة سياسة القروض تسعى الحكومة، كما تقول في بيان لها أمام البرلمان، إلى توجيه جزء من حصيلة بيع الأصول لسداد الديون.

لمقر الجديد للبنك المركزي المصري في “العاصمة الإدارية الجديدة” شرق القاهرة
المقر الجديد للبنك المركزي المصري في “العاصمة الإدارية الجديدة” شرق القاهرة (رويترز)

وتوقع الخبير بسوق الأوراق المالية عمرو عبد الخالق نتائج إيجابية لما سماه “التعويم المرن”، وقال للجزيرة مباشر إن السوق الموازية [السوداء] تعرضت لضربات قوية من جانب الحكومة، معتبرا أن النجاح في السيطرة على سوق الصرف يرتبط بطروحات البيع الحكومية لعدد من الأصول وفي مقدمتها “صفقة رأس الحكمة التاريخية“، التي أعلن عنها في فبراير/شباط الماضي بقيمة 35 مليار دولار، لكنه دعا إلى “مزيد من الشفافية” في هذا السياق.

كما توقع عبد الخالق أن يسهم استقرار سوق الصرف، في تعزيز تحويلات المصريين بالخارج وسحبها من السوق السوداء.

وخلال السنوات العشر الماضية عانت مصر من أزمة ديون قاسية، حيث تضاعف الدين الخارجي من 46 مليار دولار عام 2014 إلى ذروته عند مستوى 168 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2023.

ورغم ارتفاع الدين الخارجي نجحت الحكومة في تقليصه إلى 153 مليار دولار نهاية يونيو/حزيران 2024، بخفضه بـ15 مليار دولار.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان