“الدولار المجمد” يقفز إلى الواجهة في مصر.. ما علاقة ذلك بالتوتر في الشرق الأوسط؟
تنوعت أساليب التلاعب بالعملة الأمريكية
رغم الضربات المتكررة التي وجهتها السلطات المصرية لسوق الدولار الموازية تنوعت أساليب المتلاعبين بالعملة الأمريكية بعيدا عن الجهاز المصرفي سعيًا لجني أرباح طائلة، مستغلين التراجع المستمر في قيمة الجنيه.
وأطل مصطلح “الدولار المجمّد” برأسه مجددا على خلفية تذبذب الجنيه وغموض قيمته حسب ما يقول الخبير المصرفي محمد عمران للجزيرة مباشر، موضحًا أن السوق الموازية لا تزال تشكل تهديدًا حقيقيًّا للعملة الوطنية رغم الإجراءات الحكومية.
ويشير عمران إلى أن “الدولار المجمد” فتح الباب لعمليات نصب واحتيال متزايدة من جانب بعض التجار ممن يستغلون جهل المتعاملين بحالة التجميد المفروضة على بعض إصدارات العملة الأمريكية.
ويلفت الخبير المصرفي إلى أن “الدولار المجمد” في الأصل ورقة نقدية سليمة تحمل أرقامًا مسلسلة ويتم تداولها خارج الجهاز المصرفي لكن البنك الفدرالي الأمريكي أوقف استخدامها نظرًا لكونها مهرّبة ومنهوبة من دول أخرى سواء في أوقات الحروب أو الثورات. كما يوضح الخبير أن أسباب تجميد بعض الإصدارات ترتبط بإجراءات مكافحة التهريب وغسيل الأموال.
وعبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تظهر حسابات غامضة لتجّار يعرضون بيع دولارات بسعر أقل بنحو 50% من سعر السوق الموازية ويجدون من يشتريها ممن يبحثون عن “تخزين العملة الأمريكية الخضراء” تحسّبًا لارتفاع قيمتها مع أي تعويم للجنيه وتركه لتقلبات السوق الحر دون تدخّل من الدولة.
السقوط في الفخ
ويعترف عماد فتحي -وهو محاسب أنهى فترة عمل في الخارج- بالسقوط في عملية احتيال “موجعة” بعد أن تتبّع منشورًا على فيسبوك يعرض في البداية شراء الدولار بسعر أكبر من السوق الرسمية ثم تطوّر الأمر بعرض بيع من التاجر للدولار بسعر ينخفض بنحو 30% عن البنوك.
ويؤكد فتحي للجزيرة مباشر في تحسّر شديد أنه خسر دولارات حقيقية واشترى “الدولار المجمّد” وهو ما اكتشفه عند بيعه لأحد مستوردي السلع الذي اكتشف الأمر عند تقديم تلك الدولارات لتغطية حسابه بأحد البنوك.
وهنا يلفت الخبير المصرفي محمد عمران إلى أن البنوك تتعرف بسهولة بالغة على الدولار المجمد من خلال الأرقام المطبوعة عليه موضحًا أن الجهاز المصرفي المصري يتلقّى نشرات دورية من الفدرالي الأميركي بالأرقام والأوراق المجمدة. كما يشير عمران إلى أن محاولات استبدال تلك العملة عبر أجهزة الصراف الآلي تفشل أيضًا لأن الجهاز يتعرف عليها أيضًا.
ضربة للسوق الموازية
في المقابل، يرى الباحث الاقتصادي بجامعة القاهرة محمد عامر في حديثه للجزيرة مباشر أن هناك تضخيمًا متعمّدًا من جانب السلطات الرسمية لخطورة “الدولار المجمد”، معتبرًا أن الهدف هو ضرب السوق الموازية وتخويف المتعاملين خارج السوق الرسمية.
وربط الباحث بين التخويف من الدولار المجمد وبين تعويم مرتقب لسعر الجنيه وسعي البنك المركزي للسيطرة على الحصيلة الدولارية خاصة التي تتدفق من المصريين بالخارج.
وطبقًا لأحدث بيانات البنك المركزي المصري، فقد شهدت تحويلات العاملين بالخارج قفزات متتالية بعد مارس/آذار 2024 حيث تضاعفت خلال شهر سبتمبر/أيلول 2024 لتسجل نحو 2.7 مليار دولار (مقابل نحو 1.3 مليار دولار خلال سبتمبر 2023).
كما شهدت التحويلات في الربع الأول من السنة المالية 2024/ 2025 ارتفاعًا بمعدل 84.4% لتسجل نحو 8.3 مليارات دولار (مقابل نحو 4.5 مليارات دولار).
وبذلك شهدت الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2024 (من يناير إلى سبتمبر 2024) ارتفاعًا بمعدل 42.6% لتصل إلى نحو 20.8 مليار دولار (مقابل نحو 14.6 مليار دولار).
يشار إلى أن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جمّد كافة أرصدة النقد المنهوبة منذ اندلاع حرب الخليج الأولى في تسعينيات القرن الماضي حتى لا يتم التعامل بها.
وهنا يقول الخبير المصرفي محمد عمران إن البنوك المصرية تصدر هذه العملات للفدرالي الأميركي وتحصل بدلًا منها على عملات سليمة ضمن مهلة تحددها واشنطن كل فترة.
أساليب الاحتيال
ولمحاربة الاحتيال، تؤكد الحكومة استمرار المواجهة مع السوق الموازية وتؤكد تمسّكها بسعر مرن للدولار.
ويكشف عصام حافظ العضو في فريق لمكافحة الاحتيال المصرفي بالبنك التجاري الدولي، في حديثه للجزيرة مباشر، عن لجوء التجار لدمج الدولار المجمد مع الأوراق السليمة، موضحًا أن اكتشاف ذلك صار أكثر سهولة.
ويشدد حافظ على اتخاذ الإجراءات القانونية الفورية لمن يكتشف حمله لتلك الأوراق إضافة لمصادرتها وتوريدها لغرفة عمليات أسسها البنك المركزي لهذا الغرض باتفاق مع الفدرالي الأمريكي.
وفقًا لحافظ، فإن سعر الدولار المجمّد يصل إلى 35 جنيهًا وبكميات متزايدة علمًا بأن السعر الرسمي يدور حول 50 جنيهًا للدولار، معتبرًا أن اكتشاف الأوراق المجمدة يصب في صالح الحرب على السوق الموازية.
ويعتقد أن تدفق “الدولار المجمّد” على مصر تزايد مؤخّرًا على خلفية الاضطرابات الإقليمية في لبنان والعراق والسودان وليبيا وسوريا حيث أصبحت مصر سوقًا رائجة له على حد وصف حافظ الذي يذهب إلى أن القوانين لا تزال عاجزة، رغم الضربات الأمنية، عن وقف عمليات التهريب.
واعتبر حافظ أن “الفراغ السياسي والأمني” بدول الجوار ساعد على ذلك إضافة إلى استضافة مصر لملايين اللاجئين ممن “جاؤوا بعملات وأوراق نقدية أثارت قلق القطاع المصرفي”.
وفقد الجنيه منذ أوائل عام 2022، عندما تفاقم نقص العملات الأجنبية، أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار. وخفضت مصر سعر عملتها 3 مرات منذ مارس 2022 حتى يناير من العام الماضي؛ مما دفع الجنيه إلى الانخفاض مقابل الدولار بنحو 25% منذ بداية 2023 وحتى الآن.