أزمة الطاقة في مصر.. كيف انعكست قرارات تخفيف الأحمال على الورش والمحال التجارية؟

بينما كانت الشمس الحارقة تتوسط السماء على الضفة الشرقية من نهر النيل، كانت أصوات العمل في ورش إصلاح السيارات تتعالى في منطقة الحرفيين بصقر قريش إحدى مناطق حي المعادي جنوب العاصمة المصرية القاهرة.
الجميع يتحرك في نشاط متواتر لا يتناسب مع درجات حرارة تناهز الـ40 درجة مئوية، فالعمال مضطرون لإنهاء أعمالهم مبكرًا امتثالًا لقرارات الحكومة المصرية.
اقرأ أيضا
list of 4 items31 مليار دولار استثمارات أجنبية خرجت من مصر في عامين ونصف
أزمة وفاة اللاعب المصري أحمد رفعت تدفع رئيس ناديه إلى الاستقالة
مصر.. مشاركة اللاعبة شهد سعيد في أولمبياد باريس تثير غضبا واستنكارا على مواقع التواصل
قال هلال صاحب إحدى الورش: “مبنلحقش نخلص شغل”، موضحًا أن حملات التفتيش من مسؤولي الحي تداهم الورش والعمال أثناء عملهم للتأكد من غلقها قبل غروب الشمس، فيعلّقوا ما في أيديهم من مهام، تجنبًا لأخذ المخالفات.
إغلاق الورش الحرفية مبكرًا
منذ أول شهر يوليو/تموز الجاري، قررت الحكومة المصرية إغلاق الورش الحرفية في السابعة مساء، في إطار سعيها لترشيد استهلاك الكهرباء، لمواجهة نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، كما يقتضي القرار إغلاق المحال في العاشرة مساء، والأسواق التجارية الكبرى في الثانية عشرة بعد منتصف الليل.
وقال الحاج سعد أحد التجار: “الحال واقف”، مُوضحًا أن تجارته تعتمد على عمل الورش لذلك فإغلاقها مُبكرًا يجعل الطلب منعدمًا، لكن الحاج سعد يبقى في محله مُعللًا: “مانا لو روحت هشغل تكييف ما دا برضو استهلاك كهربا”.
كما يرى أن إغلاق الورش مبكرًا سيجعل الحرفيين يشعرون بالفراغ، ويلجأون إلى المقاهي المفتوحة حتى الليل، وهو من رأيه فراغ مضر قد يؤدي لسلوكيات منحرفة لدى البعض، ملمحًا إلى أن الورش المفتوحة تمنح المارة والسكان شعورًا بالأمان، فلا يمكن ارتكاب سرقات أو جرائم في مكان يعج بالعمل.
من جانبه، أفاد الحاج محمد، أن حملة من الحي تمر لتنفيذ القرار وتسجيل محاضر للمخالفين، يترتب عليها حسب قوله غرامات لا يطيقها.

وأضاف أن الحكومة اتخذت مثل هذا القرار إبان سنوات وباء كورونا وتسبب ذلك في نفاد مدخراته، لكنه لم يعد لديه من المدخرات ما يستند عليه لتحمل خسائر جديدة، بين التزاماته الأسرية وغلاء الأسعار المتزايد.
وتابع: “بضطر لدفع أجرة الصنايعية -الحرفيين- التي تحسب باليوم، ولا يمكنهم تحمل تأخيرها، خاصة مع مشقة العمل في ذروة حرارة الشمس دون راحة، بعد أن كانوا يختارون أوقات انكسار الشمس والليل لإنهاء أعمالهم بعيدًا عن حر الظهيرة”.
ويتساءل محمد: هل الورشة التي تستهلك “لمبة واحدة” للإضاءة أفضل لترشيد الكهرباء؟ أم المقهى الذي يستهلك للإضاءة والترفيه المزيد من الكهرباء ورغم ذلك مسموح له بالعمل حتى منتصف الليل؟
وذكر أن القرار استثنى من مواعيد الإغلاق “الورش” الموجودة على الطرق لتقديم الخدمة الطارئة للمواطنين، بينما يسمح للمطاعم والمقاهي و”السوبر ماركت” بالعمل حتى الواحدة صباحًا.
عودة أزمة انقطاع الكهرباء لأنحاء مصر
وقال مسؤول عن تراخيص المحلات في أحد أحياء الجيزة -رفض ذكر اسمه- إن إدارته تشن حملة يوميًا بالتعاون مع الشرطة، لمتابعة إغلاق المحال، ويصف مواطني منطقته بالملتزمين، فبمجرد علمهم باقتراب الحملة يغلقون محالهم على الفور، وفي حال المخالفة يقوم بمصاحبة الشرطة بتسجيل المخالفة للمحل غير الملتزم.
وينص قانون المحال العامة أن يُغلق المحل التجاري إداريًا إذا أخل بالنظام العام، ولا ينفذ الغلق إلا بعد إنذار المحل، وإذا لم تزل أسباب المخالفة خلال 15 يومًا ينفذ الغلق الإداري.
تجدر الإشارة إلى أن فتح محل من دون ترخيص يعرض صاحبه لغرامة بين 20 و50 ألف جنيه.
ونهاية يونيو/حزيران الماضي، قررت مصر اتخاذ إجراءات “عاجلة” لاستيراد كميات إضافية من الغاز والمازوت، جراء الاستهلاك المتزايد في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب تقديرات غير رسمية، تحتاج وزارة الكهرباء يوميًا لنحو 135 مليون متر مكعب من الغاز، و10 آلاف طن من “المازوت”، حتى تنتهي الانقطاعات المتكررة للكهرباء في كافة أنحاء مصر.
وفي يوليو/تموز 2023، عادت أزمة انقطاع الكهرباء لأنحاء مصر أو ما تعرف بـ”تخفيف الأحمال”، لأول مرة منذ 2014.
وسبق أن قال وزير المالية المصري السابق محمد معيط إن دعم الدولة للوقود بلغ 220 مليار جنيه مصري (4.6 مليارات دولار) خلال السنة المالية الحالية، وإن وقف عمليات قطع الكهرباء يتطلب 300 مليون دولار إضافية شهريًا، لاستيراد كمية كافية من مواد الطاقة.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وجّه وزارتي الكهرباء والبترول بتوفير الموارد للانتهاء من تخفيف الأحمال نهاية العام الجاري (2024).