رغم الإعلان عن تسهيلات.. لماذا تهرب الشركات من مصر؟

صورة عامة للعاصمة المصرية القاهرة
صورة عامة للعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

قبل أسابيع من تفكيك مصنعهما للإنشاءات المعدنية، يسابق المهندس هشام إبراهيم وشقيقه عمر الزمن للانتهاء من كل الأمور المتأخرة قبل نقل أعمالهما إلى خارج مصر.

وكشف إبراهيم للجزيرة مباشر أنه حصل على ترخيص للعمل بالسعودية، إذ يسعى لنقل أعماله بعيدا عما يسميه عقبات بيروقراطية بلغت حدا يصعب الاستمرار معه.

وذكر أن الحصول على ترخيص في مصر يستغرق وقتا طويلا وإجراءات معقدة لتسوية الأوضاع.

وأشار إبراهيم إلى إصابة مصنعه بخسائر متتالية بسبب ارتفاع نفقات التشغيل، وعدم استقرار قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، إضافة إلى ما سماه “سياسة الجباية”. ويكشف إبراهيم أنه كان ينوي “توسيع النشاط” بالخارج، لكن انتهى الأمر إلى قراره بالرحيل، وأبدى عمر، المسؤول المالي بالمصنع، أسفه لمصير عشرات العمال قائلا: “ما باليد حيلة”.

لم يكن مصنع هذين الأخوين سوى حالة واحدة من نماذج متزايدة كشف عنها رئيس البنك الأهلي محمد الإتربي في حوار مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عندما تحدث عن هروب 2360 شركة من مصر إلى الإمارات خلال عام 2024.

المرتبة الثالثة

وفي تقدير حديث لغرفة تجارة دبي، بلغ عدد الشركات المصرية المسجلة بعضوية الغرفة 4837 شركة بنسبة نمو 63.2% خلال عام 2023 وحده، لتحتل بذلك المركز الثالث بعد الشركات الهندية والباكستانية بقائمة جنسيات الشركات الجديدة.

وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب للجزيرة مباشر إن القطاع الخاص في مصر يواجه حالة من “عدم اليقين”، موضحا أن القطاع الخاص يشعر بالقلق في مواجهة سيطرة حكومية على أغلب الأنشطة الاقتصادية.

وضرب عبد المطلب مثالا بـ”وثيقة ملكية الدولة” التي تعهدت بها الحكومة لصندوق النقد الدولي ضمن خطة تخارجها من الأنشطة الاقتصادية بداية من عام 2021، وكان يفترض أن ينتهي التنفيذ بداية عام 2024 “وهو ما لم يحدث”، على حد قوله.

واتجه العديد من الشركات المصرية نحو الأسواق العربية، وكانت أبرز وجهات المستثمرين هي السعودية والإمارات، واستحوذت الشركات المصرية على أكثر من 25% من إجمالي التراخيص الاستثمارية بالسعودية خلال السنوات الثلاث الماضية.

وشهد عام 2023 نموا ملحوظا بعدد التراخيص المصدرة لشركات مصرية، إذ بلغ 1895 ترخيصا، بزيادة 217 ترخيصا مقارنة بعام 2022، وفقا لبيانات صادرة عن وزارة الاستثمار السعودية.

ونتيجة للتسهيلات الاستثمارية، والإعفاءات الضريبية، وتوفير البنية التحتية المتطورة، بدأت الشركات كما يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، تبحث عن بيئة أخرى مناسبة تقلل معها تكاليف التشغيل وتقدم منتجا تنافسيا.

وتأكيدا لوجود “عقبات”، قال خليفة عنتر، وهو صاحب مصنع للأثاث المنزلي، للجزيرة مباشر إنه كان يحقق أرباحا كبيرة، لكن ارتفاع سعر الدولار ضاعف تكلفة الأخشاب المستوردة، وترك أثرا سلبيا على الأسعار؛ مما سبّب ركودا واسعا في حركة البيع وضاعف الخسائر.

وأشار عنتر إلى أن تكاليف التشغيل الأخرى، من كهرباء ومياه وتراخيص وضرائب، كفيلة بتوقف النشاط.

وذكر أنه جاء لمنطقة “درب البرابرة” في العاصمة القاهرة من دمياط، حيث مدينة الأثاث ذات الشهرة العالمية، هربا من الخسائر.

وقال عنتر إن “التسهيلات التي تعلنها الحكومة مجرد كلام”. وأوضح أنه ينتج حاليا “الأثاث الشعبي” الرخيص الثمن للتغلب على الركود لافتا إلى أنه يخطط لنقل نشاطه إلى ليبيا رغم الأخطار الأمنية هناك.

وخلافا لذلك قال الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، مساعد وزير الخارجية الأسبق جمال بيومي، للجزيرة مباشر، إن مصر من أكثر الدول العربية جذبا للاستثمارات، رغم وجود معوقات بيروقراطية، مشيرا إلى أن السعودية والإمارات هما الأكثر استثمارا في مصر.

وأضاف بيومي أن العرب عموما يستثمرون أموالهم خارج المنطقة بسبب “قصور القدرة الاستيعابية للاقتصادات العربية”، مشيرا إلى أن القطاع الخاص يعاني على كل المستويات، وتابع: “في أوروبا وأمريكا يمكن أن تبدأ استثماراتك بالتليفون”.

ارتفاع طفيف للغاية في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري
قال رجال أعمال إن ارتفاع سعر الدولار ضاعف تكلفة استيراد مستلزمات الإنتاج (غيتي)

تسهيلات حكومية

لكن في مقابل ذلك، وحسب بيان لوزارة الصناعة المصرية، أعلنت الحكومة عن حزمة مبادرات تمويلية بقيمة 30 مليار جنيه (نحو 600 مليون دولار) لمساعدة المصنعين بالقطاع الخاص على شراء الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج. كما أعلنت وزارة المالية أن التسهيلات التمويلية ستُخصّص للقطاعات “ذات الأولوية”.

وتعليقا على ذلك قال هشام إبراهيم، وهو صاحب مصنع للإنشاءات المعدنية، للجزيرة مباشر، إن الفائدة المرتفعة لودائع البنوك دفعت البعض إلى الحصول على تمويل حكومي بفائدة مخفضة وإعادة إيداعه بالبنوك بضعف قيمة الفائدة، وعدم ضخها لشراء مستلزمات الإنتاج. واعتبر إبراهيم أن الدعم الحكومي يجب أن يُقدم بطريقة مختلفة لا تفتح الطريق لما سماه “أبواب الفساد”.

بدوره قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن الحكومة مطالبة بخطة واضحة لاستعادة ثقة المستثمر المحلي من خلال حزمة تشريعات وتسهيلات حقيقية، وخصوصا في ملف الضرائب، معتبرا أن طريقة التعامل مع القطاع الخاص تبعث برسائل واضحة إلى المستثمر الأجنبي.

ولا يستبعد الخبير المصرفي محمد عمران في حديثه للجزيرة مباشر اتجاه بعض المستثمرين إلى تحويل التسهيلات التمويلية نحو الودائع ذات العائد المرتفع بدلا من التصنيع والإنتاج، ورأى أن هيمنة الأجهزة الحكومية والسيادية على 80% من النشاط الاقتصادي تكرس صعوبة المنافسة. وأضاف: “هي أخطاء حكومية ليس للمستثمر يد فيها”.

وحسب تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فقد جذبت مصر استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46.1 مليار دولار خلال العام المالي 2023-2024، وتستهدف الحكومة مضاعفة حجم الاستثمارات الأجنبية في السنة المالية 2024-2025.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان