مخاوف من تجريم حيازة الدولار في مصر وهؤلاء هم أبرز المتضررين

سعر صرف الدولار ثابت تقريبا في السوق المصري
مخاوف من تجريم حيازة الدولار في مصر (رويترز)

يتردد نبيل عبد المحسن، تاجر الملابس بمنطقة وكالة البلح بوسط القاهرة، على مكتب استشاري قانوني مجاور بحثًا عن حل لاستعادة 2500 دولار لدى شرطة الأموال العامة التي أوقعته بكمين أمام أحد البنوك، ووجهت له تهمة الاتجار بالنقد الأجنبي.

وكشف عبد المحسن للجزيرة مباشر، عن نصيحة الاستشاري القانوني له بالتنازل عن المبلغ تفاديًا لتوجيه اتهام له، لكنه يقول إنه لا يتاجر بالدولار، موضّحًا أنه سحب مبلغًا من حسابه الشخصي الذي يستخدمه في استيراد الملابس من الخارج وفوجئ برجال الشرطة في انتظاره خارج البنك.

ولم تكن رواية تاجر الملابس بعيدة في تفاصيلها عمّا حدث مع أحد صناع المحتوى المعروفين بتقديم دروس ومواد تعليمية، والذي تعرّض للاعتقال، وحُبس احتياطيًا على ذمة القضية بتهمة التعامل في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفي.

القبض على صانع محتوى بارز

وأثار القبض على صانع المحتوى الشهير جدلاً واسعاً حول مستقبل عائدات صناع المحتوى الرقمي في البلاد، في وقت يتجاوز فيه سعر الدولار 50 جنيهاً بالسوق الرسمية. وحسب بيان وزارة الداخلية فقد “تم ضبط المتهم وبحوزته أكثر من 163 ألف دولار وهاتف محمول يتضمن رسائل تؤكد نشاطه الآثم”، على حد تعبير البيان.

وأثار اتهام صانع المحتوى الشهير حالة من القلق في الأوساط المصرفية، وبعث برسالة سلبية لصناع المحتوى، بحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين في تصريحات للجزيرة مباشر.

وتوقع شاهين انعكاسات سلبية على تحويلات العاملين بالخارج، وهي المصدر الأول للنقد الأجنبي في مصر، حيث تصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، مشيرا إلى أن اتهام صانع المحتوى بالاتجار بالنقد رغم إثبات مصادر الأموال فتح الباب لتساؤلات حول مخاوف من تجريم حيازة الدولار.

المقر الجديد للبنك المركزي المصري في “العاصمة الإدارية الجديدة” شرق القاهرة
البنك المركزي المصري (رويترز)

ضوابط قانونية ورسالة طمأنة

لكن في محاولة لتدارك التداعيات شكل النائب العام لجنة لوضع ضوابط قانونية يلتزم بها أعضاء النيابة عند التحقيق في حالات حيازة النقد الأجنبي وهي:

  • حيازة النقد الأجنبي والاحتفاظ به كمصدر من مصادر الثروة أمر مشروع يحميه القانون.
  • أي استبدال للعملة الأجنبية أو التعامل بها في مجال السلع والخدمات، لا يجوز إلا تحت رقابة البنك المركزي أو أحد البنوك المرخص لها بذلك.
  • طبقا للمادة 233 من قانون البنك المركزي رقم 194 لسنة 2020 “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 5 ملايين جنيه أو قيمة المبلغ محل الجريمة أيهما أكبر، كل من تعامل بالنقد الأجنبي خارج البنوك أو الجهات المرخصة، أو مارس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص”.
  • في غير حالات التلبس، لا يجوز رفع الدعوى الجنائية.

ورغم رسالة الطمأنة أبدى عماد هندي، العائد من الخارج، تخوّفه من الملاحقة مستقبلًا، وقال للجزيرة مباشر إنه في مهمة عمل في القاهرة، سيعود بعدها إلى مقر عمله في إيطاليا، وينوي تقليص تحويلاته، حيث اعتبر أن دولاراته خارج البلاد “أكثر أمانًا” على حد تعبيره، وأضاف “التعامل مع البنوك يسبب مشاكل رغم استقرار سعر الصرف حاليًا”.

وخلافًا لذلك، يرى الخبير المصرفي محمد عمران أن البنوك تظل هي الأكثر جذبًا لمدخرات المصريين بالخارج، مطالبًا في حديثه للجزيرة مباشر، بمزيد من الإجراءات لطمأنة أصحاب الأموال والتأكيد على أن حيازة الدولار ليست جريمة.

ورأى عمران أن توجيه اتهام لصانع محتوى يحتفظ بالدولار في منزله كان قرارًا متسرعًا، وسبب حالة من القلق لن تنتهي بسهولة، كما استبعد تورط البنوك في إبلاغ الأمن عن حائزي الدولار.

تقنين نشاط صناع المحتوى

وخلال السنوات الخمس الماضية، بات استقبال صانعي المحتوى في يوتيوب وغيره من منصات التواصل الاجتماعي تحويلات دولارية ظاهرة متزايدة، ما دفع الحكومة إلى سلسلة إجراءات لتقنين النشاط لضمان الحصول على عوائد الرسوم والضرائب، وهو ما دفع بعض صناع المحتوى إلى تسجيل حساباته خارج مصر للإفلات من منظومة الضرائب وضمان تجاوز القلق المصاحب للتحويلات، كما يقول صانع المحتوى أحمد أيمن للجزيرة مباشر.

ورفض أيمن، الذي تخصص في تقديم محتوى عن المناطق الأثرية بالقاهرة القديمة، الحديث عن تفاصيل معتبرًا أن صناعة المحتوى “مخاطرة سياسية”.

وتعليقا على ذلك رأى الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أنه كان يجب على الدولة التعامل بطريقة مختلفة مع صناع المحتوى وتشجيعهم لإبقاء تحويلاتهم داخل مصر، بدلًا من مطاردتهم واعتقالهم قائلًا “ما حدث ليس سلوك دول وحكومات” على حد تعبيره.

صناع المحتوى في مصر

ولا يوجد إحصاء رسمي دقيق لعدد صناع المحتوى في مصر، ولكن طبقًا للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات فقد وصل عدد صانعي المحتوى على فيسبوك ويوتيوب في مصر في خدمة البث المباشر إلى 18400 شخص، خلال 24 ساعة عام 2022.

وإضافة لأزمة التحويلات أعلنت شركة غوغل الأمريكية العملاقة في رسالة وجهتها لصناع المحتوى في مصر عبر منصاتها أنها ستدفع لهم أرباحهم بالعملات المحلية بدلًا من الدولار اعتبارًا من شهر مايو/أيار 2025، ما دفع شريحة واسعة منهم للبحث عن وسائل أخرى لاستقبال عائداتهم بالدولار.

ويُقدر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 14 مليون شخص، يعمل معظمهم في دول الخليج العربي، بحسب بيانات وزارة الهجرة المصرية نهاية العام الماضي.

ووفقًا للبنك الدولي، تأتي مصر ضمن أكبر 5 دول تتلقى تحويلات مالية للعاملين بالخارج، بعد كل من الهند، والمكسيك، والصين، والفلبين.

وشهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزات متتالية خلال عام 2024، حيث ارتفعت التحويلات خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 بنسبة 45.3% لتصل إلى نحو 23.7 مليار دولار، مقابل نحو 16.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2023.

وسمحت مصر بهبوط الجنيه بأكثر من 40% من قيمته مقابل الدولار في مارس/آذار 2024 ليصل إلى نحو 50 جنيها للدولار في محاولة لوقف الأزمة الاقتصادية التي استمرت  نحو عامين منذ أوائل عام 2022، وقد ساعد هذا في حصول مصر على قرض موسع بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ضمن خطة إنقاذ عالمية ضخمة. وخفضت مصر سعر عملتها 4 مرات منذ مارس/آذار 2022 حتى مارس 2024.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان