في عهد ترامب.. هل تتأثر مصر بالحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

الخبز هو الغذاء الرئيسي لقطاعات واسعة من المصريين
الخبز هو الغذاء الرئيسي لقطاعات واسعة من المصريين (رويترز)

في سوق “نجيب الريحاني” لبيع قطع غيار الأجهزة المنزلية بوسط القاهرة، وهي قطع غيار أغلبها مستورد من الصين، يتردد صدى طبول الحرب التجارية التي قرعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعنف ولم يترك فرصة أمام متابعي قراراته لالتقاط الأنفاس وتفهم تداعيات قرارات متبادلة مع الصين بفرض رسوم جمركية إضافية.

وبينما يشتعل فتيل المواجهة تترقب الأسواق المصرية، وخصوصا تلك التي تعتمد على الاستيراد، النتائج والتداعيات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية.

وانطلق ترامب موجها سهامه شرقا وغربا، في سيناريو وصفه السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، بأنه أقرب إلى أفلام الرعب، قائلا للجزيرة مباشر، إن هناك صعوبة ظاهرة في فهم حقيقة ما يجري.

الشيء وعكسه

وأضاف بيومي أن الرئيس الأمريكي “قدم عرضا يستحيل لأي خبير أن يستوعبه، فقد واصل الرجل قول الشيء وعكسه”، مشيرا إلى أن أخطر القرارات التي اتخذها ترامب تمثلت في فرض ضرائب جمركية علي الصين، أكبر مصدر في العالم وأكبر شريك تجاري لأمريكا وحائز لدولارها.

كما يشير السفير جمال بيومي، بوصفه أيضا الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، إلى أنه بالإمكان من خلال تعاون عربي تجنب الآثار السلبية لتلك المواجهة الأمريكية الصينية موضحا أن العرب يستثمرون خارج بلدانهم بالفعل عشرات أضعاف استثماراتهم في الداخل، مؤكدا على ضرورة تحسين القدرة الاستيعابية للاقتصادات العربية.

واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن “لغة الغطرسة التي يتحدث بها ترامب لدرجة الجهل بالتزامات بلاده تجاه منظمة التجارة العالمية، ستدفع إلى السعي لإجراءات وسياسات عالمية مضادة”، كما توقع أن تنجح مصر باستيعاب نتائج تلك السياسات ووصف الدبلوماسية المصرية بأنها نشطة وتجري اتصالات “ساعة بساعة بكل الأقران”.

لقاء سابق بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب خلال فترة رئاسته الأولى
لقاء سابق بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب خلال فترة رئاسته الأولى (رويترز)

استفادة مصرية

ويعلق سيد السيوفي – تاجر ومستورد قطع غيار أجهزة منزلية بسوق التوفيقية بوسط القاهرة، على ذلك قائلا إنه يتوقع الأسوأ في عهد ترامب، موضحا للجزيرة مباشر أن شركته تعاني من تباطؤ وصول الحاويات لافتا إلى أن جزءا من الأزمة يتعلق بتعثر الملاحة بالبحر الأحمر على خلفية تهديدات الحوثيين اليمنيين للسفن العابرة.

لكن السيوفي لا ينفي احتمال استفادة السوق المصرية من الجمارك العالية على المنتجات الصينية الموجهة للسوق الأمريكية لافتا إلى أن السوق المصرية لا تفرض مثل هذه الرسوم وقد تكون أكثر جذبا.

في هذا السياق يتحدث الباحث الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية محمد إبراهيم عن “تأثير غير مباشر” لسياسات ترامب على مصر، موضحا للجزيرة مباشر أنه قد يحدث تباطؤ بحركة التجارة العالمية نتيجة طبيعية لانخفاض الصادرات والواردات العالمية على خلفية حرب الرسوم الجمركية والقيود التجارية.

وهنا يظهر التأثير السلبي، كما يقول إبراهيم، على قناة السويس التي تعاني أصلا من تراجع الإيرادات نتيجة تعثر الملاحة وتضرر سلاسل الإمداد، وهي مشكلة قائمة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وحتى الحرب الإسرائيلية على غزة.

إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 50% نتيجة تجنب الكثير من السفن المرور في البحر الأحمر
إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 50% نتيجة تجنب الكثير من السفن المرور في البحر الأحمر (رويترز)

وطبقا لذلك فمن المتوقع، بحسب إبراهيم، في حالة تصاعد الحرب التجارية أن يتزايد هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة لصالح اقتصادات مستقرة بما يترك آثارا سلبية عليها ويفقدها القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

ورغم ذلك يلفت إبراهيم إلى تأثيرات إيجابية محتملة إذا أحسنت الحكومة المصرية الاستفادة منها مثل تحويل بعض سلاسل الإمداد بعيدًا عن الصين “حيث يبحث المستثمرون وقتها عن بدائل في مناطق أخرى إلا إذا حدث تباطؤ أكثر في النمو الاقتصادي العالمي”.

وطبقا لهذه القراءة للحرب التجارية، برأي الباحث، يمكن للعديد من القطاعات الاقتصادية المصرية الاستفادة باستغلال الشراكة التجارية المتنامية بين القاهرة وبيجين، والاستفادة من العضوية في مجموعة “بريكس”، والتسهيلات المتبادلة بين الدول الأعضاء.

استيراد التضخم

في سياق مختلف وعلى صفحته على فيسبوك، قال عاصم أبو حطب، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية بالقاهرة “نحن شعوب الدول النامية لسنا مجرد متفرجين على الحرب التجارية التي تستعر بين أمريكا واقتصادات العالم الكبرى؛ بل نحن الضحية الأكبر في معركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل”، وأضاف: “نحن بكل تأكيد أكبر الخاسرين، وليست الولايات المتحدة ولا خصومها التجاريون”.

ولفت أبو حطب إلى دراسات أولية تتوقع خسارة الدول الإفريقية نحو 25 مليار دولار سنويًا بسبب الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب التجارية، بالتزامن مع معاناة المنطقة من حروب إقليمية وديون خارجية متراكمة، وهروب لرؤوس الأموال والاستثمارات، وتزايد معدلات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي.

 

وكنتيجة طبيعية لارتفاع واردات السلع والخدمات لدى كل من الصين والولايات المتحدة يتوقع خبراء حدوث موجة تضخمية تصيب الجانبين، فضلا عن ارتداد ذلك على أسعار كل ما يتم تصديره للبلدان النامية التي تعتمد على الاستيراد مثل مصر، وهو ما يعرف اقتصاديا بـ”استيراد التضخم”.

لكن في مقابل ذلك يتوقع النائب البرلماني محمد السلاب عبر فيسبوك، انتعاشة للاقتصاد المصري، معتبرا أن الحرب الجمركية بين الولايات المتحدة والصين قد تحمل فرصا لجذب مزيد من الاستثمارات الصينية إلى مصر، للنفاذ إلى العديد من الأسواق الخارجية دون جمارك.

من جهة ثانية ووسط مخاوف من تراجع الجنيه، وتدفقات الدولار، وفرص التصدير، وارتفاع تكلفة الإنتاج، يتزايد القلق بمصر بشأن تبعات قرارات إدارة ترامب على الصعيد الاقتصادي العالمي ومستقبل الحرب التجارية مع الصين.

وطبقا لدراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، فإن ثمة مخاوف من ضغوط الطرفين، بما يؤثر سلباً في سعر الصرف ومعدلات التضخم، ووقوع مصر في مرمى حرب التعرفة الجمركية التي يشنها الرئيس الأمريكي ليس على الصين فقط، وهي الشريك التجاري الأول لمصر، ولكن أيضا على الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر سوق للمنتجات المصرية.

واعتبرت الصين أن قرارات ترامب، وخصوصا فيما يتعلق بفرض رسوم جديدة بنسبة 25% على الواردات الأمريكية من الصلب والألمنيوم، والتي بلغت نحو 50 مليار دولار عام 2024، ستؤدي لتقويض نظام التجارة متعدد الأطراف بشكل خطير، وتهدد سلاسل الصناعة والإمداد العالمية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان