مخاطر صحية وثروة مهدرة.. حرب حكومية في مصر مع “النبّاشين” للاستفادة من القمامة

في صحراء مدينة السادس من أكتوبر بجنوب غرب القاهرة، يتجدد “الكر والفر” بين الأجهزة المحلية ومئات “النبّاشين” أو جامعي القمامة الذين اعتادوا تكديسها بتلك المنطقة تمهيدا لفرزها وإعادة تدويرها حتى تحولت إلى كنز ثمين حاولت الحكومة الاقتراب منه تارة بهدف الحفاظ على البيئة، وتارة أخرى للاستفادة من تنظيم نشاط اقتصادي يتوسع بعيدا عن سيطرة الدولة.
في الصباح الباكر، تنتظر جميلة السيد وابنها حمدي الحاصل على بكالوريوس المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بجوار صندوق القمامة بأحد أحياء المدينة، وتتحدث جميلة بقدر من القلق للجزيرة مباشر عن بداية يوم عمل شاق ينتهي بحلول المساء وتوصيل ما تم تجميعه إلى أماكن الفرز.

كما يحكي حمدي أبو راضي كيف يهرب بحمولته من الأمن إلى صحراء المدينة حيث التجميع والفرز والسكن أيضا. ولا يبدو حمدي نادما على ترك العمل بمؤهله الجامعي، موضحا أنه تخرَّج قبل ست سنوات ولم يجد فرصة للعمل، فقرَّر الانضمام إلى عمل أسرته الممتد منذ أن كان طفلا.
ويشير إلى أن عائد بيع المخلفات يكفي لإعاشته هو وأسرته، لكن المشكلة تبقى -كما يقول- في مطاردات الأجهزة الأمنية. ويضيف “أين نذهب؟ سنعود مرة ثانية”.

مواجهة صعبة
ويقول أحمد عثمان، ممثل وزارة البيئة بإحدى الحملات على أوكار النباشين، للجزيرة مباشر إن كل شيء يعود إلى ما كان عليه فور انتهاء المهمة، ويقر بضعف الإجراءات، قائلا إن الأمر بيد شرطة المرافق وإدارات البيئة بالأحياء.
وزعم عثمان أن “معظم النباشين هم من خريجي السجون ومتعاطي المخدرات”، على حد تعبيره، في حين رد على الشكاوى من استفحال ظاهرة النباشين قائلا “اطلبوا تدخُّل مجلس الوزراء”، مقترحا اتخاذ خطوات عملية لدمج “النباشين” في القطاع الرسمي.
واعترف عثمان بأن أكثر من نصف النفايات يتم التعامل معها من خلال النباشين، مشيرا إلى أن سلطات المحافظين تفتح الباب لاحتوائهم، موضحا أن محافظ الدقهلية اللواء طارق مرزوق دمج عددا كبيرا من النباشين بمنظومة الجمع المنزلي.
ورغم شعور سيف السكري -موظف بإحدى شركات الأدوية- بالضيق من التلوث والعشوائية، فإنه نشر عبر صفحته “رسالة عتاب” من أحد النباشين إلى جهاز المدينة مصحوبة بمقطع مصور لعمليات الإزالة.

ويرفض كثير من النباشين الحديث للصحافة، لكن أبو راضي، الذي أكمل دراسته الجامعية، قال للجزيرة مباشر إن على الحكومة أن تتعاون مع “الفرّيزة”، في إشارة إلى مجموعات تتولى تصنيف القمامة، موضحا أن مصانع البلاستيك تشتري كميات متزايدة لتصنيع الأطباق والأكواب والأكياس لمطاعم الوجبات السريعة.
كما أشار إلى أنه بذل محاولات للقاء المسؤولين بلا جدوى، مؤكدا أنه يحقق مكاسب جيدة من وراء هذا النشاط، لكنه رفض الاتهامات بتلويث البيئة ونشر العشوائية، مضيفا في هذا السياق “هذا العمل رغم صعوبته ملاذ وحيد للكثيرين”.
وطبقا لتقديرات حكومية، يصل حجم المخلّفات في مصر سنويا إلى نحو 90 مليون طن، 26 مليونا منها مخلفات صلبة. وبينما تُعَد هذه الكميات الضخمة ملاذا للباحثين عن عمل لا يحتاج إلى مهارات أو تعليم، يلفت هذا الكنز أنظار الحكومة التي أصدرت قانونا عام 2022 لتنظيم إدارة المخلفات، بعدها قررت الدولة أن تزيد عدد مصانع إعادة التدوير من 28 مصنعا إلى 58.

ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ حجم المخلفات على مستوى مصر 76.6 ألف طن يوميا، حسب إحصاءات عام 2022، يجري تدوير 15.2 ألف طن منها يوميا. وتحتل مصر المرتبة الـ14 عالميا في إعادة التدوير لعام 2023، طبقا لبيانات وزارة البيئة.
وتكشف تقديرات حكومية أن أكثر من نصف نفايات القاهرة تُعالَج بواسطة نبّاشين، يمثلون قطاعا غير رسمي يضم آلاف الأشخاص الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا موازيا بعيدا عن رقابة الدولة.
وأعلنت وزارة البيئة فتح الباب أمام المستثمرين لتنفيذ مجمع متكامل لإدارة المخلفات في مدينة العاشر من رمضان شرق القاهرة، على مساحة 1228 فدانا، لخدمة محافظتي القاهرة والقليوبية بالتعاون مع البنك الدولي، كما كشفت عن مساعٍ لدمج 4200 “نبّاش” ضمن المنظومة الرسمية.