البنزين المغشوش في مصر يتجاوز “التريند”.. من المسؤول؟

يقطع سمير طنطاوي -وهو موظف بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- كيلومترات عدة للوصول إلى محطة وقود غير حكومية بالقرب من طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي لتموين سيارته الحديثة، بعد أن اضطر لتغيير طلمبة البنزين بتكلفة تجاوزت 20 ألف جنيه (نحو 395 دولارا).
وقال طنطاوي، للجزيرة مباشر، بينما يقف منتظرا دوره “كل هؤلاء جاؤوا من مناطق بعيدة، والأزمة مستمرة رغم تطمينات وزارة البترول”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsارتفاع مفاجئ للدولار مقابل الجنيه.. تعرَّف على سعره في البنوك المصرية
مصر.. وزارة المالية تعلق على تخصيص أراض لسداد الديون
بعد تقارير عن معدلات نفوق مرتفعة.. القصة الكاملة لـ”ذعر الدواجن” في مصر
كما لم يكد سعد عبد الحفيظ -وهو محاسب بشركة سياحة- يخرج من محطة الوقود التي اعتاد التردد عليها حتى تعطلت سيارته، ليستدعي على الفور مسؤولا من محطة البنزين، بادر بدوره إلى التنصل من مسؤولية البنزين.
ويعكف مهندس الجودة بالمحطة عمر الشامي على فحص السيارة المتعطلة، ويربط للجزيرة مباشر بين الأزمة والتعويضات التي أقرتها الحكومة للمتضررين، معتبرا ذلك اعترافا صريحا بالمسؤولية.

الكارثة مستمرة
وبينما رأى صاحب السيارة أن “الكارثة مستمرة” مطالبا بمحاسبة المسؤول عنها، طالب العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة محمود كبيش عبر فيسبوك بالكشف عمن استورد البنزين المغشوش لحساب وزارة البترول.
ونشر كبيش صورة لسيارته المتعطلة محمولة على إحدى سيارات الإصلاح، قائلا “حتى تنتفخ كروش الفاسدين”.
وعبر فيسبوك أيضا، سخر عضو مجلس النواب عمرو درويش من قيمة التعويض التي بلغت 2000 جنيه (أقل من 40 دولار) مقارنة بتكلفة تبلغ أضعافا لتغيير طلمبة بنزين السيارة.
علامة استفهام كبرى
وبينما كان من المفترض أن تقدّم تحاليل جودة البنزين -المعلنة من وزارتي البترول والتموين- تفسيرا لشكاوى المصريين، تزايدت التكهنات في ظل عدم تحديد المسؤول عن الأزمة، أو محاسبة أي جهة، حسب ما قال الشامي، موضحا أن “علامة الاستفهام الكبرى” تنحصر في زاويتين، الأولى: كيف حدث الغش؟ والثانية: من المسؤول؟
ورفض الشامي تحميل محطات الوقود المسؤولية، موضحا أن البنزين الذي جرى توريده إلى المحطات أخيرا غير مطابق للمواصفات القياسية، وقال “لو كانت المحطات مسؤولة لما دفعت الحكومة التعويضات بالنيابة عنها”.
وطالب الشامي بمحاسبة المسؤول وإعلان نتائج التحقيقات بكل شفافية، مشيرا إلى أن الصمت الحكومي يعزز التكهنات المنتشرة بشأن استيراد شحنات بنزين غير مطابقة للمواصفات وضعيفة الجودة، بداعي رخص ثمنها، من العراق وأذربيجان.
وأوضح الشامي أيضا أن تلك الشحنات تدخل البلاد عبر شركات خاصة عهدت إليها الحكومة بمهمة التوريد، وتعاملت في شحنات مسروقة من بترول العراق، وجرت معالجتها في أذربيجان وإيران.
وأضاف “هذه الشحنات قليلة الجودة، ومشبعة بالكبريت والشوائب، ولا تصلح للسيارات، بينما يمكن أن يقتصر استخدامها على الجرارات الزراعية على سبيل المثال”.

خلط بنزين
في المقابل، رفض مستشار سابق بوزارة البترول، تحدَّث للجزيرة مباشر بشرط عدم الكشف عن اسمه، تحميل الحكومة المسؤولية كاملة، لكنه لم ينفِ وجود “مشكلة في بعض الشحنات المستوردة”.
وحمَّل المسؤول السابق المحطات المسؤولية عن عدم تنقية خزانات الوقود، وقال إن هذه الظاهرة معروفة مع احتمال خلط بنزين أقل جودة بآخر أعلى جودة، مثل خلط بنزين 80 مع بنزين 92 لتحقيق أرباح غير مشروعة. وأضاف أن ذلك كله قيد التحقيق. كما رأى أن اختلاط الشوائب أمر معتاد داخل معظم خزانات الوقود ومحطات البيع التي يسود فيها الإهمال، على حد وصفه.
وفي هذا الاتجاه، بادر عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب محمد الجبلاوي إلى الحديث في تصريحات لصحف محلية عن تنامي ظاهرة التلاعب وسرقة البنزين من محطات للوقود في المناطق النائية، وتحدَّث عن تشكيلات عصابية تخصصت في إضافة كميات من المياه إلى البنزين المتداول. كما اتهم الجبلاوي في بيان للبرلمان وزارة البترول بالتقاعس.
الأزمة مستمرة
بدورها، أعلنت وزارة البترول تشديد الرقابة على تداول الوقود المتداول وتحليل العينات في أكثر من معملي تكرير قبل طرحها بالأسواق، على أن تتطابق النتائج مع تحليل عينات من البنزين المستورد، بإشراف شركات محايدة وتحليلها في ثلاثة معامل مختلفة.
ومع تكرار الأعطال، أكد أبو أكرم -وهو فني صيانة متخصص- للجزيرة مباشر أن الأزمة لا تزال مستمرة، وأن تغيير الطلمبات في تزايد، موضحا أن سعر قطع الغيار أيضا في ارتفاع.
وأوضح أن المشكلة تبدأ مع ضعف أداء المحرك وتباطؤ الاستجابة لدواسة البنزين، بسبب شوائب داخل الوقود تمنع الاحتراق الكامل.
كما لفت إلى أن صعوبة تشغيل المحرك، والاستهلاك المفرط للوقود، والتقطيع والاهتزاز أثناء القيادة، كلها عوامل تؤشر على ضعف جودة البنزين وحدوث ترسبات كربونية على المحرك الذي يتوقف فجأة. كما ربط الأزمة بخلط البنزين النقي بآخر منخفض الجودة.

ومن الإنكار الحكومي للأزمة في البداية إلى الاعتراف بها، ثم الإعلان عن تعويضات للمتضررين، يترقب الشارع نتائج تحليل العينات والحملات على محطات الوقود، لكن يبقى الكشف عن المسؤول ومحاسبته أمرا حاسما، كما قال علي يسري -وهو سائق تابع لإحدى منظومات النقل الذكي- للجزيرة مباشر، مشيرا إلى أنه تخلَّف عن سداد أقساط سيارته، ولن يحصل على تعويض الـ2000 جنيه لأنه تأخر عن تسجيل شكواه في الموعد الذي حددته الحكومة.
وأضاف السائق أن الأزمة تمثل رسالة تسبق زيادة جديدة في أسعار الوقود، وقال ساخرا “قريبا سيكون الشعار: بنزين سليم بسعر أعلى لتحافظ على سيارتك”.
ورفعت مصر أسعار الوقود في إبريل/نيسان، للمرة الثانية خلال 6 أشهر، أملا في توفير قدره 35 مليار جنيه (نحو 700 مليون دولار) في موازنة 2024-2025.
وتستورد مصر نحو 40% من السولار و50% من البوتاجاز، إضافة إلى 25% من البنزين، وفقا لبيانات رسمية تشير إلى أن حجم الدعم الحكومي نتيجة الفجوة بين الأسعار المعلنة والتكلفة الفعلية لإنتاج البنزين بأنواعه، نحو 11 مليار جنيه (نحو 220 مليون دولار) شهريا.
ورغم الانخفاض العالمي في أسعار النفط فإن ذلك لم يعكس تراجعا لأسعار الوقود في مصر، وسط توقعات بموجة جديدة من الزيادة تطبيقا لشروط القروض من صندوق النقد الدولي.