“طبق الغلابة”.. عواصف الغلاء تهدد عرش الكشري في مصر

عواصف التضخم جعلت طبق الكشري المصري أقل حجما وأعلى سعرا (الجزيرة مباشر)
عواصف التضخم جعلت طبق الكشري المصري أقل حجما وأعلى سعرا (الجزيرة مباشر)

يدفع أبو زينهم بعربة الكشري المتهالكة حتى يستقر فوق رصيف مجاور لمدرسة ابتدائية بمنطقة بولاق أبو العلا وسط القاهرة حاملا أشهر أطباق المأكولات الشعبية إلى أهم زبائنه، وهم تلاميذ تلك المدرسة، بعد أن تراجع الطبق أو كاد يختفي من الشوارع الرئيسية، كما يقول للجزيرة مباشر، معتبرا أن نار الأسعار طالت كل شيء.

قال أبو زينهم إنه يحرص على الوجود في محيط المدرسة باعتباره ملجأ أخيرا له، موضحا أن مكونات طبق الكشري من أرز ومكرونة وعدس قد ارتفعت بشكل كبير، مما اضطره إلى رفع الأسعار حتى وصل سعر الطبق إلى نحو 45 جنيها (متوسط سعر الدولار 50 جنيها)، لكنه قال ساخرا إنه يقدم طبقا صغيرا “مدعوما” بسعر 20 جنيها (0.4 دولار) للتلاميذ.

وبالقرب من عربة الكشري وقفت أم نادر -وهي ربة منزل- بجوار ابنها حتى ينتهي من تناول وجبته المفضلة، وقالت للجزيرة مباشر إن مصروف ابنها لا يمكن أن يتجاوز عشرة جنيهات (0.2 دولار) لكنها أكملت له ثمن الطبق هذه المرة إلى عشرين جنيها “من أجل الامتحانات”.

وعلى الرصيف المقابل اتفق السائقان جمال وتامر مع البائع، وقالا للجزيرة مباشر إن “نار الأسعار طالت الكشري”.

تلاميذ المدارس في بولاق آخر من تبقى من زبائن أبو زينهم (الجزيرة مباشر)
تلاميذ المدارس في بولاق آخر من بقي من زبائن “أبو زينهم” (الجزيرة مباشر)

عاصفة التضخم

ولم تسلم مكونات الكشري من عواصف التضخم، رغم أنها ظلت رخيصة تاريخيا، حيث يخلو من اللحوم، ويتكون من الأرز المسلوق والعدس والمعكرونة والبصل المقلي وصلصة الطماطم، مع إضافة الخل والثوم والكمون والزيت، والفلفل الحار.

وارتفع معدل التضخم السنوي بمصر إلى 13.6% على أساس سنوي في مارس/آذار الماضي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.

وطبقا لمنظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، فقد كانت مصر من أشد دول العالم تأثرا بارتفاع معدلات التضخم العالمية.

وارتفعت أسعار مكونات طبق الكشري بحدة، حيث ارتفع سعر العدس خلال عام 2024 بنسبة 66.5% بينما قفز سعر الأرز بنسبة 89%، وزادت أسعار المكرونة وزيت الطهي، وهما من بين السلع التي تدعمها الدولة، بنسب تتراوح بين %46 و75%، حسبما قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد إبراهيم، للجزيرة مباشر.

ويبلغ سعر كيلو الأرز حاليا نحو 33 جنيها (0.66 دولار) والعدس 70 جنيها (1.4 دولار) للكيلو، أما متوسط سعر زيت الطعام فيبلغ 90 جنيها (1.8 دولار) للكيلو، والمكرونة 40 جنيها (0.8 دولار) للكيلو، بينما يستقر سعر كيلو البصل عند حدود 12 جنيها (0.24 دولار) وكذلك الطماطم.

السائقان جمال وتامر يؤكدان أن نار الاسعار طالت كل شيئ (الجزيرة مباشر)
السائقان جمال وتامر يؤكدان أن نار الأسعار طالت كل شيء (الجزيرة مباشر)

ولا يتوقع الباحث محمد إبراهيم تراجع الأسعار مع تراجع معدلات التضخم حسب الأرقام الحكومية، مشيرا إلى أن الارتفاع المتكرر في أسعار الوقود قاد موجة ارتفاعات قوية في أسعار الكثير من السلع والخدمات، وفي مقدمتها السلع الغذائية.

ورأى أن تراجع التضخم لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار، موضحا أن قواعد العرض والطلب هي التي تتحكم في الأمر، فضلا عن تراجع قيمة الجنيه في مواجهة الدولار.

وحذر إبراهيم من أن موجات الأسعار دفعت بقطاعات من الأسر المتوسطة الدخل إلى أسفل خط الفقر، قائلا إن ارتفاع تكلفة الغذاء يدفع الكثيرين إلى تعديل عاداتهم الغذائية لمواجهة ضغوط أخرى تتعلق بالإنفاق على التعليم والصحة.

ودعا الباحث إلى مضاعفة حزم الدعم للطبقات التي بدأت تعيد النظر في “طبق الكشري”.

من جهة ثانية رأى أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين أن مشكلة مصر تكمن في أنها “تعاني من تضخم جامح رغم البيانات الحكومية المعلنة التي تقول عكس ذلك” مشيرا إلى أن الواقع يؤكد ارتفاع نسب التضخم “حتى لو أنكرته الحكومة”.

وقال شاهين إن انخفاض الأسعار لن يكون في القريب العاجل “فالانخفاض يتعلق بأمرين: الأول ضغط الطلب على السلعة، والثاني استقرار العملة المحلية” موضحا أن ما يحدث في أحسن الأحوال قد يكون مجرد ثبات مؤقت لبعض الأسعار.

أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين
أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين (مواقع التواصل)

ورأى شاهين أن ضغط الطلب سيستمر على طبق الكشري باعتباره وجبة شعبية بلا بديل مناسب، حيث تكمن المشكلة في أن “أغلب مكوناته مستوردة من الخارج، وخصوصا العدس والزيوت التي يتجاوز فيها معدل الاستيراد 95%، باستثناء البصل المنتج محليا”.

وتوقع شاهين قفزات جديدة في الأسعار في ظل توجهات حكومية لرفع الدعم عن السلع التموينية، وزيادة أسعار الوقود، مع الاستمرار في الاقتراض من الخارج، وتنفيذ أجندة قاسية وضعها صندوق النقد الدولي.

وكشف فرج العطار، نائب رئيس شعبة الحاصلات الزراعية بالغرفة التجارية بالقاهرة، في تصريح لوسائل إعلام محلية أن مصر تستورد العدس بنحو 114 مليون دولار سنويا، وأوضح أن “مصر تعتمد على استيراده من الخارج بنسبة تتخطى 98%”.

أصحاب المطاعم يشكون تراجع المبيعات والأرباح (الجزيرة مباشر)
أصحاب المطاعم يشكون تراجع المبيعات والأرباح (الجزيرة مباشر)

لا بديل للكشري

ورغم ارتفاع الأسعار فما زالت محال بيع الكشري في وسط القاهرة أكثر ازدحاما، حيث تقدم بديلا غذائيا مناسبا مقارنة بأسعار أغذية شعبية أخرى مثل الفول والفلافل التي ارتفعت أسعارها أيضا بشكل جنوني كما يقول خلف السوهاجي، الحارس بأحد العقارات بوسط القاهرة.

ولفت السوهاجي، الذي اصطحب أفراد أسرته لتناول الكشري بأحد المطاعم القريبة، إلى أن هذا الطبق يمثل وجبه يومية مناسبة فالبديل من “اللحوم والخضراوات غير متاح بسبب الأسعار”.

أما صاحب المطعم جحا السنوسي فقال للجزيرة مباشر إن ارتفاع تكلفة النقل وأسعار المكونات تسبب في تراجع أرباحه بشكل متزايد، لكنه أكد أن طبق الكشري ما زال مفضلا لدى قطاعات عديدة من الشعب المصري “فهو طبق بسيط مطلوب للغني والفقير”.

عربة كشري بشارع جانبي في انتظار السائقين والمسافرين عبر ميدان رمسيس بوسط القاهرة (الجزيرة مباشر)
عربة كشري بشارع جانبي في انتظار السائقين والمسافرين عبر ميدان رمسيس بوسط القاهرة (الجزيرة مباشر)

وتعرض الجنيه المصري لأربع موجات من التخفيض بين مارس/آذار 2022 ومارس/آذار 2024 فقد معها نحو 67% من قيمته، حيث كان الدولار يساوي 15 جنيها في الربع الأول من 2022 قبل أن يستقر حاليا عند مستوى 50 جنيها، وقد تزامن ذلك مع موجات تضخمية وصلت إلى ذروتها في سبتمبر/أيلول 2023، فبلغت 38% طبقا للأرقام الحكومية.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان